الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: هَلَّلَ وكبّر عدد مهم من “الاقتصاديين” وطيف واسع من المساندين لمساع السلط الرسمية في البلاد لضمان “فرحة” الحياة لدى التونسيين يوم اول امس الخميس 5 مارس 2020، غداة اصدار المعهد الوطني للإحصاء نشريته الدورية حول تطور مؤشر اسعار الاستهلاك العائلي بعنوان شهر فيفري باعتبار انها ابرزت ان نسبة التضخم عند الاستهلاك سجلت تراجعا الى مستوى 5.8 % نهاية فيفري الماضي بعد ان كانت في حدود 5.9 % في جانفي و6.1 % في ديسمبر 2019. واوضح المهللون والمكبرون وهم كثيرون ان السياسات المالية والنقدية التي اتبعت لسنوات، قد بدأت في اعطاء اكلها.
ولعل ما “يثلج الصدر” في المسالة، ان معهد الاحصاء فسر تراجع التضخم – بمعنى انخفاض الاسعار – بتقلص اسعار المواد الغذائية (3.7%) واستقرار اسعار الملابس والاحذية (7.5%) وانخفاض اسعار الاثاث والتجهيز المنزلي وعدد اخر من المواد والخدمات…
غير ان معظم المواطنين وهم المصنفون، في هذا السياق، بالمستهلكين ما انفكوا يعبرون باستمرار عن انزعاجهم من غلاء المعيشة مما جعل من الاضطرابات الاجتماعية والاضرابات بغية الزيادة في الاجور والرواتب الخبز اليومي للمجتمع التونسي. ومن اللافت للانتباه ايضا ان اول عامل مؤثر في تكوين الاسعار “المنخفضة” وهو العبء المالي الذي تتحمله المؤسسات المنتجة ما انفك يزداد باعتبار ان معدل نسبة الفائدة وصل الى 7.84%.
كما ان الغريب في الامر انه ورغم انخفاض الاسعار، رسميا، لم تصدر عن البنك المركزي أية اشارة توحي بالاستعداد، حتى في المدى القريب او المتوسط، للتخفيض في نسب الفائدة سيما انه كان قد اكد في العديد من المرات ان ترفيعه في هذه النسب يعود الى اعتزامه مجابهة التضخم وهو ما يعني ان نسبة الفائدة الاساسية ينبغي ان تكون اليوم قريبة من نسبة التضخم النقدي أي 5.8% وليس 7.75%.
وتحيل مجمل هذه المعطيات الى ثلاث ملاحظات :
اولا / لا يمكن باي حال من الاحوال تصديق هذه الوضعية الخارقة في خصوص تراجع الاسعار باعتبار ان مصداقية ارقام معهد الاحصاء على المحك، في هذا المحور، سيما انه قد عمد الى تغيير قاعدة احتساب نسبة التضخم المالي فيما يهم مكونات المقتنيات العائلية من سنة 2010 كسنة مرجعية للحسابات الى سنة 2015 دون تقديم أي مبرر منهجي واضح، في هذا الصدد.
ثانيا / يرفض معهد الاحصاء باستمرار التقيد بالمعايير الدولية في حساب نسبة ارتفاع الاسعار وذلك باعتماد مؤشر الاستقطاب الجهوي والفئوي كمؤشر مرجعي عالمي يُمكن من قياس نسبة التضخم الرقمي، من جهة ونسبة الارتفاع المحسوس للأسعار، من جهة اخرى.
ثالثا واخيرا / من الضروري التأكيد ان التضخم وارتفاع الاسعار في تونس قد تحولا منذ مدة الى آفة جرى العمل على ارسائها بشكل ممنهج من قبل لوبيات الموردين ومهندسي السياسة النقدية والمالية وبحكم تجذرها والمستوى العالي لتأثيراتها وتداعياتها، فان الحديث عن امكانية مجابهتها يدخل في باب المعجزات والخوارق او يكاد.