الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: أصدر حديثا صندوق النقد الدولي ورقة بحثية تحت عنوان “حين يتعلق الأمر بالمالية العامة.. المصداقية أساس” ابرزت انه منذ تفشي جائحة كوفيد-19، قدمت الحكومات دعما من المالية العمومية أدى إلى إنقاذ الأرواح والوظائف. وانه نتيجة لذلك بلغ الدين العمومي مستوى مرتفعا تاريخيا وإن كان من المتوقع أن يحقق تراجعا هامشيا في السنوات القليلة القادمة. وأشارت الورقة الى ان هذه التطورات تطرح أسئلة حول مدى الارتفاع الذي يمكن أن يصل إليه الدين دون أن يصبح مثيرا للارتباك.
واكد صندوق النقد، في هذا الإطار، أن الالتزام بمبادئ المالية العمومية السليمة، مع مجموعة من القواعد والمؤسسات الموثوق فيها لإرشاد سياسة المالية العمومية، يمكن أن يسهل اتخاذ قرارات سياسة المالية العمومية في الوقت الراهن. وأضاف انه حين يقتنع المقرضون بأن الحكومات تتصرف بصورة مسؤولة ماليا من الممكن ان يقدموا التمويل لسد العجز بشكل أيسر وأقل كلفة على البلدان المستفيدة وان ذلك يؤدي إلى كسب بعض الوقت وجعل الوصول إلى مستوى مستقر من الدين أمرا أقل إيلاما.
وابرزت مذكرة المؤسسة المالية الدولية في ذات السياق انه على سبيل المثال، حين تكون خطط الميزانية ذات مصداقية (قياسا على مدى قُرب التوقعات الصادرة عن جهات محترفة من البيانات المعلنة رسميا)، يمكن أن تهبط تكاليف الاقتراض مؤقتا بنسبة تصل إلى 40 نقطة أساس. وان الامر سيان بالنسبة للحكومات التي لا تقترض من الأسواق المالية وان مصداقية المالية العمومية يمكن ان تؤدي إلى جذب الاستثمارات الخاصة ودعم الاستقرار الاقتصادي الكلي.
كما تم التأكيد على انه حين ترسي الحكومات قواعد ومؤسسات للميزانية وتقوم بتفعيلها عليها أن تسعى جاهدة للنظر في كل المخاطر التي تتعرض لها المالية العمومية اذ ان الدين قد يرتفع أحيانا إلى مستويات تتجاوز التوقعات الأساسية. ويشير بحث صندوق النقد إلى أن هذه القفزات تتراوح في العادة بين 12 و16بالمائة من إجمالي الناتج المحلي في آفاق التوقع البالغة خمس سنوات. ويضيف انه يكمن وراء هذه الصدمات السلبية نمو مخيب للآمال في إجمالي الناتج المحلي على المدى المتوسط ومحركات أخرى للدين، بما في ذلك عمليات إنقاذ الأعمال المتعثرة وانخفاض سعر الصرف مبرزا ان بلدانا عديدة تواجه حاليا ارتفاعا في مخاطر المالية العامة جراء القروض والضمانات التي بلغت مستويات قياسية والتدابير الأخرى التي اتخذتها لحماية الشركات والوظائف من تداعيات كوفيد-19.
وبين البنك الدولي في تقرير أصدره مؤخرا انه مع ارتفاع الديون السيادية المستحقة على أشد البلدان فقرا إلى مستويات مرتفعة بشكل خطير، ثبت عدم كفاية النظم العالمية والوطنية لتتبع الديون. ووفقا للبنك الدولي، فإن هذه الفجوات تزيد من صعوبة تقييم القدرة على تحمل أعباء الديون، وانه على البلدان المفرطة في الاستدانة إعادة هيكلة ما عليها من ديون على وجه السرعة وتحقيق انتعاش اقتصادي دائم.
ويمثل التقرير، حسب المؤسسة المالية الدولية، والذي جاء تحت عنوان “شفافية الديون في البلدان النامية” أول تقييم شامل للنظم العالمية والوطنية لرصد الديون السيادية. وخلص إلى أن مراقبة الديون اليوم تعتمد على مجموعة متنوعة من قواعد البيانات ذات المعايير والتعاريف المختلفة ودرجات مختلفة من الموثوقية، تجمعها معا منظمات مختلفة والى ان أوجه عدم الاتساق هذه تؤدي إلى تفاوتات كبيرة في إجمالي الديون المتاح للجمهور في البلدان منخفضة الدخل – أي ما يعادل نحو 30 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي لبلد ما، في بعض الحالات.
وبين التقرير كذلك أن 40 بالمائة من البلدان منخفضة الدخل لم تنشر أية بيانات عن ديونها السيادية منذ أكثر من عامين، وأن الكثير من البلدان التي تنشرها تميل إلى حصر المعلومات في الديون المستحقة على الحكومة المركزية. ويعتمد العديد من البلدان النامية بصورة متزايدة على القروض المدعومة بالموارد، التي تحصل فيها الحكومات على التمويل عن طريق طرح تدفقات الإيرادات المستقبلية كضمان.
ويعتبر في هذا السياق الدين العمومي التونسي أحد أكثر الديون غموضا في العالم اذ لم تصدر السلط التونسية تقريرا في هذا الخصوص منذ سنة 2012 علاوة على عدم الإفصاح عن منهجيتها في احتساب الدين العمومي داخليا وخارجيا.
واكد في هذا الإطار تقرير أصدرته حديثا مؤسسة “هنريش بال” الألمانية تحت عنوان “خارطة الدين الخارجي التونسي” ان الارقام المتعلقة بمديونية تونس متضاربة بين البنك المركزي التونسي ووزارة المالية ومعطيات البنك الدولي وان التضارب يتعلق في عدة حالات بمواقع هياكل تونسية إحصائية وطنية وان الامر يصل الى ملاحظة التناقض في الأرقام بمجرد ترجمة البيانات من لغة الى أخرى بمواقع الهيئات الإحصائية والاقتصادية الرسمية التونسية.
وأوضح تقرير المؤسسة ان إدارة الدين الخارجي للبلاد تجري باعتماد تطبيقة إعلامية تسمى SIADE طورها مركز الإعلامية لوزارة الإعلامية استنادا الى برمجة تعود الى عدة عقود خلت علما ان السلط التونسية لم تمتثل لمقررات صندوق النقد الدولي في ما يهم اعتماد معايير الإفصاح المحاسبية الدولية الجديدة مما حدا به الى رفض تسريح بعض أقساط القروض الخارجية دون اعتماد هذه المعايير.
وكان رئيس الجمهورية قد دعا مؤخرا الى القيام بتدقيق في الديون باعتبار الغموض الذي يحف بطرق استعمالها وسبل الحصول عليها.