الشارع المغاربي – أين‭ ‬الاتحاد‭ ‬يا‭ ‬ترى؟ /بقلم: صالح مصباح

أين‭ ‬الاتحاد‭ ‬يا‭ ‬ترى؟ /بقلم: صالح مصباح

قسم الأخبار

3 يونيو، 2023

الشارع المغاربي: ذاك‭ ‬هو‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬انفكّ‭ ‬يتردّد‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬المتابعين‭ ‬للشأن‭ ‬العام‭ ‬،‭ ‬فضلا‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬بعض‭ ‬النقابيين‭ ‬غير‭ ‬الملتصقين‭ ‬بالشأن‭” ‬الإتحادي‭”‬الداخلي‭. ‬وأهمّ‭ ‬مبعث‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬هو‭ ‬صمت‭ ‬الإتحاد‭ ‬العام‭ ‬التونسي‭ ‬للشغل‭ ‬عن‭ ‬تعقيدات‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬وغموض‭ ‬آفاقها‭ ‬الإجتماعية‭ ‬والسياسية‭.‬‭ ‬وليس‭ ‬هذا‭ ‬الصمت‭ ‬المحمول‭ ‬على‭ ‬القعود‭ ‬والقصور‭ ‬بالمألوف‭ ‬عن‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬ينفصل‭  ‬تاريخه‭ ‬قط‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬تونس‭ ‬الإجتماعي‭ ‬والسياسي‭. ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬المنعرجات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬تونس‭ ‬طيلة‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬العقود‭ ‬الثمانية‭ ‬كان‭ ‬للإتحاد‭ ‬دوما‭ ‬دور‭ ‬فيها‭ ‬وحضور‭.‬

1/‬الإتحاد‭”‬حزب‭ ‬الدولة‭”‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تشغله‭ ‬السلطة

من‭ ‬خصائص‭ ‬المنظمة‭ ‬الشغلية‭ ‬التونسية‭ ‬أن‭ ‬أدوارها‭ ‬لم‭  ‬تقصر‭ ‬على‭ ‬الشأن‭ ‬الإجتماعي‭ ‬الخالص‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬منظوريه‭. ‬فالسياسة‭ ‬هي‭ ‬دوما‭ ‬من‭ ‬أدواره‭. ‬وليس‭ ‬دور‭ ‬الإتحاد‭ ‬السياسي‭ ‬نظير‭ ‬الأدوار‭ ‬التي‭ ‬تضطلع‭ ‬بها‭ ‬الأحزاب،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬خارجها‭. ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬هدف‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسي‭ ‬هو‭ ‬مسك‭ ‬السلطة،‭ ‬فإن‭ ‬هدف‭ ‬الإتحاد‭ ‬السياسي‭ ‬هو‭ ‬صون‭ ‬الدولة‭. ‬وطيلة‭ ‬عقود،‭ ‬كان‭ ‬مدار‭ ‬الشد‭ ‬والجذب‭ ‬بين‭ ‬الإتحاد‭ ‬والطبقة‭ ‬الحاكمة‭ ‬هو‭ ‬مناهج‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬وتبعاتها‭ ‬الإجتماعية‭. ‬لكن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬ظل‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬القاسم‭ ‬المشترك‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الحكام‭. ‬فمن‭ ‬دونها‭ ‬لا‭ ‬أساس‭ ‬للسلطة،‭ ‬ولا‭ ‬وجود‭ ‬للإتحاد‭ . ‬فبقدر‭ ‬ما‭ ‬اضطلع‭ ‬الإتحاد‭ ‬بأدواره‭ ‬الإجتماعية‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬المنظمة‭ ‬النقالية،‭ ‬فقد‭ ‬اضطلع‭ ‬بأدواره‭ ‬السياسية‭ ‬والنضالية‭ ‬من‭ ‬موقع‭ “‬حزب‭ ‬الدولة‭” ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يشغله‭ ‬مسك‭ ‬السلطة‭. ‬وإن‭ ‬التنوع‭ ‬السياسي‭ ‬والحزبي‭ ‬داخل‭ ‬هياكله‭ ‬ومنظوريه‭ ‬قد‭ ‬حافظ،‭ ‬طيلة‭ ‬عقود،‭ ‬على‭ ‬كونه‭ ‬اختلافات‭ ‬سياسية‭ ‬داخل‭ ‬الوحدة‭”‬الإتحادية‭”‬،‭ ‬أو‭ ‬هي‭ ‬اختلافات‭ ‬تقف‭ ‬حيث‭ ‬يبدأ‭ ‬النطاق‭ ‬الإتحادي‭.‬

ففي‭ ‬مرحلة‭ ‬التحرير‭ ‬الوطني‭ ‬لم‭ ‬ينفصل‭ ‬نضال‭ ‬الإتحاد‭ ‬عن‭ ‬نضال‭ ‬التيار‭ ‬الدستوري‭ ‬ونضال‭ ‬غيره‭. ‬وفي‭ ‬مرحلة‭ ‬التأسيس‭ ‬الدستوري‭ ‬الأولى‭ ‬حالف‭ ‬الإتحادُ‭ ‬الحزبَ‭ ‬الحر‭ ‬الدستوري‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الدولة‭ ‬لا‭ ‬السلطة‭. ‬وتجلى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭”‬الجبهة‭ ‬القومية‭” ‬التي‭ ‬أسّست‭ ‬عقد‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬المستقلة‭ ‬تأسيسا‭ ‬لم‭ ‬يستَتبِعه‭ ‬تحالفٌ‭ ‬بينهما‭ ‬سياسي‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬السلطة،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬مِن‭ ‬رجال‭ ‬الحكم‭ ‬مَن‭ ‬هم‭ ‬قادة‭ ‬في‭ ‬الإتحاد‭.‬

ولما‭ ‬هددت‭ ‬سلطة‭ ‬إخوان‭ ‬النهضة‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬التأسيس‭ ‬الثانية‭ ‬بعد‭ ‬2011‭ ‬كيان‭ ‬الدولة‭ ‬وثوابت‭ ‬عقدها‭ ‬الثقافي‭ ‬والسياسي‭ ‬الراسخة،‭ ‬لم‭ ‬يتأخر‭ ‬الإتحاد‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬الدولة‭ ‬وعقدها‭ ‬المجتمعي‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬خاصة‭ ‬ضمن‭”‬الرباعي‭”‬الذي‭ ‬نظم‭ ‬حوارا‭ ‬وطنيا‭ ‬أنقذ‭ ‬ما‭ ‬أمكن‭ ‬إنقاذه‭ ‬وقتئذ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬العقد‭ ‬الذي‭ ‬توالت‭ ‬عليه‭ ‬تباعا‭ ‬سلسة‭ ‬من‭ ‬الضربات‭ ‬الإرهابية‭ ‬الدامية‭ ‬ومن‭ ‬نشر‭ ‬القيم‭ ‬الإخوانية‭ ‬المالية‭. ‬وقد‭ ‬جاءت‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬المسندة‭ ‬إلى‭”‬الرباعي‭” ‬اعترافا‭ ‬دوليا‭ ‬بدور‭ ‬الإتحاد‭ ‬وثالوث‭ ‬المنظمات‭ ‬الشريكة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الإنقاذ‭ ‬الذي‭ ‬تبَيّن‭ ‬لاحقا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬مؤقتا‭.‬

2/‬من‭ ‬جائزة‭ “‬نوبل‭”‬إلى‭ ‬اهتزاز‭ ‬التماسك

بعد‭”‬نوبل‭ ‬للسلام‭” ‬وانتخابات‭  ‬2014،‭ ‬لم‭ ‬يحسن‭ ‬الإتحاد‭ ‬الحظوة‭ ‬التي‭ ‬تأصّلت‭ ‬له،‭ ‬وإنما‭ ‬استأنف‭ ‬السابق‭ ‬من‭ ‬أخطائه‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قد‭ ‬طفت‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬وزاد‭ ‬عليها‭. ‬فلعل‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تَعتمِل‭ ‬داخل‭ ‬هياكل‭ ‬الإتحاد‭ ‬المغلقة‭ ‬لم‭ ‬تضائل‭ ‬من‭ ‬إشعاعه‭ ‬الشعبي‭ ‬ومن‭ ‬التفاف‭ ‬منظوريه‭ ‬حوله‭. ‬لكن‭ ‬الذي‭ ‬ضاءل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬هو‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬الجميع‭. ‬ولعل‭ ‬العنوان‭ ‬الجامع‭ ‬لتلك‭ ‬الأخطاء‭ ‬هو‭ ‬اهتزاز‭ ‬التماسك‭ ‬الهيكلي،أفقيا‭ ‬وهرميا،‭   ‬مما‭ ‬أطاح‭ ‬درجات‭ ‬بالإنضباط‭ ‬النقابي‭ ‬المستوجب‭.‬

3/‬اهتزاز‭ ‬التّماسك‭ ‬الهيكلي

اطّرد‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬تفريطُ‭ ‬الإتحاد‭ ‬في‭ ‬تقاليد‭ ‬الاختلافات‭ ‬داخل‭ ‬هياكله‭.‬فقد‭ ‬اهتزت‭ ‬تقاليد‭ ‬الاختلافات‭ ‬السياسية‭ ‬والحزبية‭ ‬التي‭ ‬تطوقها‭ ‬الوحدة‭ ‬النقابية‭. ‬اهتز‭ ‬وقوف‭ ‬الخلافات‭ ‬الحزبية‭ ‬حيث‭ ‬يبدأ‭”‬حزب‭ ‬الدولة‭ ‬الإتحادي‭”. ‬واهتز‭ ‬انصهار‭ ‬الخلافات‭ ‬الهيكلية‭ ‬في‭ ‬القرار‭ ‬الإتحادي‭ ‬الجامع،‭ ‬مؤتمرا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬هيئة‭ ‬إدارية‭ ‬أو‭ ‬مكتبا‭ ‬تنفيذيا‭. ‬إنّ‭ ‬مجمل‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬التفريط‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬التقليد‭ ‬تفريطا‭ ‬أفقيا‭ ‬وهرميا‭. ‬فقد‭ ‬صارت‭ ‬الخلافات‭ ‬تطفو‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬،‭ ‬وصارت‭ ‬تُوهِن‭ ‬تمادسك‭ ‬الإتحاد‭ ‬الهيكلي،‭ ‬وتضائل‭ ‬من‭ ‬منسوب‭ ‬اطمئنان‭ ‬منظوريه‭ ‬إليه،‭ ‬وثقة‭ ‬التونسيين‭ ‬فيه‭.‬

من‭ ‬مظاهر‭ ‬تلك‭ ‬الخلافات‭ ‬أفقيا‭ ‬أن‭ ‬الهياكل‭ ‬التقابية‭ ‬لبعض‭ ‬القطاعات‭ ‬صارت‭ ‬تمارس‭ ‬العمل‭ ‬النقابي‭ ‬مراسا‭ ‬قطاعيا‭ ‬شبه‭ ‬معزول‭ ‬عن‭ ‬سائر‭ ‬القطاعات‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬المطالب‭ ‬التقابية‭ ‬العابرة‭ ‬للقطاعية‭. ‬صار‭ ‬هذا‭ ‬الهيكل‭ ‬القطاعي‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬شبيها‭ “‬باتحاد‭” ‬قائم‭ ‬بذاته،‭ ‬يتحرك‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬عزلة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مطالب‭ ‬منظوريه‭ ‬الخاصة‭ ‬بهم‭ ‬أو‭ ‬المشتركة‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬غيرهم‭. ‬صار‭ ‬يجري‭ ‬ذلك،‭ ‬محفوفا‭ ‬أحيانا‭ ‬بحسابات‭ ‬غير‭ ‬نقابية،‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬انفصال‭ ‬عن‭ ‬القرار‭ ‬النقابي‭ ‬المركزي،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الصنيع‭ ‬حين‭ ‬نفّذته،‭ ‬على‭ ‬أيام‭ ‬المرحوم‭ ‬الحبيب‭ ‬عاشور،‭ ‬نقابتان‭ ‬قطاعيتان‭ ‬ترتّب‭ ‬عليه‭ ‬حلّهما‭.‬

ومن‭ ‬مظاهر‭ ‬تلك‭ ‬الاختلافات‭ ‬هرميا‭ ‬هو‭ ‬استفحال‭ ‬الفجوات‭ ‬بين‭ ‬هياكل‭ ‬الإتحاد‭ ‬المحلية‭ ‬والجهوية‭ ‬والمركزية‭ ‬والقطاعية‭. ‬ولعل‭ ‬الغالب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الفجوات‭ ‬أنها‭ ‬ذاتية‭ ‬وحزبية‭ ‬ومطلبية‭. ‬أما‭ ‬الفجوات‭ ‬الذاتية‭ ‬فمنها‭ ‬التنافر‭ ‬بين‭ ‬القيادات‭ ‬النقابية،‭ ‬لاسيما‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬بين‭ ‬المكتب‭ ‬التنفيذي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وقادة‭ ‬النقابات‭ ‬القطاعية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬والتي‭ ‬بلغ‭ ‬بعضها‭ ‬قاعات‭ ‬المحاكم‭. ‬وأما‭ ‬الفجوات‭ ‬الحزبية‭ ‬فمنها‭ ‬أن‭ ‬الإطار‭ ‬الإتحادي‭ ‬صار‭ ‬مجالا‭ ‬للتوظيف‭ ‬الحزبي‭. ‬لقد‭ ‬صار‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬النشاط‭ ‬الحزبي‭ ‬المتاح‭ ‬،‭ ‬وبلغ‭ ‬فجاجةً‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬بلغها‭ ‬على‭ ‬أيام‭ ‬استظلال‭  “‬المتحزبين‭” ‬بخيمة‭ ‬الإتحاد‭. ‬وأما‭ ‬الفجوات‭ ‬المطلبية‭ ‬فمنها‭ ‬أن‭ ‬النقابات‭ ‬الأساسية‭ ‬والجهوية‭ ‬صارت‭ ‬،‭ ‬داخل‭ ‬أُطُرِها‭ ‬الضيقة،‭ ‬صاحبة‭ ‬القول‭ ‬الفصل‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬المطالب‭ ‬وقرار‭ ‬الإضراب،‭ ‬وصارت‭ ‬الهيئة‭ ‬الإدارية‭ ‬أو‭ ‬المركزية‭ ‬النقابية‭ ‬غير‭ ‬ذات‭ ‬قرار‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬كثيرة‭. ‬وظهرت‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬إضراب‭ ‬متسرعة،‭ ‬مشطة،‭ ‬متواترة،‭ ‬غير‭ ‬مدروسة،‭ ‬لا‭ ‬تقرّها‭ ‬المركزية‭ ‬النقابية‭ ‬طورا‭ ‬وتلاحقها،‭ ‬مضطرةً،‭ ‬بالإقرار‭ ‬طورا‭ ‬آخر‭.‬

ومن‭ ‬توابع‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬الإتحاد‭ ‬قد‭ ‬فقد‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬قدرا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬الإشعاع‭ ‬والثقة،‭ ‬واستجلب‭ ‬الطعن‭ ‬عليه‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬الشعبي‭ ‬العريض‭. ‬وفوق‭ ‬ذلك‭ ‬تَيسّر‭ ‬لخصوم‭ ‬الإتحاد‭ ‬أن‭ ‬يحمّلوه،‭ ‬بقدر‭ ‬من‭ ‬التّجنّي،‭ ‬مسؤولية‭ ‬ارتباك‭ ‬الإنتاج،‭ ‬وتعثر‭ ‬الأعمال،‭ ‬وإفلاس‭ ‬المؤسسات‭ ‬وهجرتها،‭ ‬وانحباس‭ ‬الإستثمار‭ ‬الداخلي‭ ‬والخارجي‭.‬

ولعل‭ ‬الفترة‭ ‬الممتدّة‭ ‬مِمّا‭ ‬بعد‭ ‬انتخابات‭ ‬2014‭ ‬إلى‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬هي‭ ‬فترة‭ ‬توسعت‭ ‬أثناءها‭ ‬الصورة‭ ‬الرمادية‭ ‬المحمولة‭ ‬عن‭ ‬الإتحاد‭. ‬ومِمّا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬أن‭ ‬النقابيين‭ ‬قد‭ ‬استقووا‭ ‬على‭ ‬الإدارات‭ ‬وعلى‭ ‬المؤسسات‭ ‬استقواءً‭ ‬مسنودا‭ ‬بحظوة‭ ‬المركزية‭ ‬النقابية‭ ‬لدى‭ ‬طبقة‭ ‬الحكم‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬حظوة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكون،‭ ‬حسب‭ ‬الرائج،‭ ‬لولا‭ ‬غض‭ ‬الطرف‭ ‬المتبادل‭ ‬بين‭ ‬الحكم‭ ‬والإتحاد،‭ ‬ولولا‭ ‬مهادنة‭ ‬هذا‭ ‬لذاك‭ . ‬ولَو‭ ‬لَمْ‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬كذلك،‭ ‬حسب‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬الرائج‭ ‬الراجح،‭ ‬لما‭ ‬استثمر‭ ‬لفيف‭ ‬من‭ ‬النقابيين‭ ‬لصفاتهم‭ ‬النقابية،‭ ‬حصّلوا‭ ‬بها‭ ‬نفوذا‭ ‬وحصانة‭ ‬لا‭ ‬تحقّان‭ ‬لهم‭ . ‬وقد‭ ‬جدّت‭ ‬أمثلة‭ ‬لذلك‭  ‬شهيرة‭ ‬اشتدّت‭ ‬قَتامتُها‭ ‬بالمبالغة‭ ‬والتعميم‭ ‬اشتدادا‭ ‬ارتدَّ‭ ‬على‭ ‬كلية‭ ‬الإتحاد‭.‬

4/‬اتحاد‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬25‭ ‬جولية‭ ‬2021‭ ‬

إنّ‭ ‬فردية‭ ‬الحكم‭ ‬الذي‭ ‬أقرها‭ ‬سعيد‭ ‬لنفسه،‭ ‬عنوة،‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ،‭ ‬قد‭ ‬رفعت‭ ‬الستار‭ ‬عن‭ ‬الإتحاد‭. ‬وبيان‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المنظمة‭ ‬قد‭ ‬فقدت‭ ‬النفوذ‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تستمدّه‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬الإلتقاء‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬السلطة،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬الإلتقاء‭ ‬ضمنيا‭ ‬أو‭ ‬صريحا،‭ ‬متوترا‭ ‬أو‭ ‬هادئا‭. ‬ولما‭ ‬ازورّ‭ ‬سعيد‭ ‬عن‭ ‬جميع‭ ‬الكيانات‭  ‬الوسيطة،‭ ‬محتكرا‭ ‬الحكمة‭ ‬لنفسه‭ ‬دون‭ ‬سواها،‭ ‬انحسرت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الموت‭ ‬السريري‭ ‬أحيانا‭ ‬الكياناتُ‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعتاش‭ ‬من‭ ‬فلك‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬جوارها‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الأخذ‭ ‬والرد‭ ‬إزاءها‭. ‬ولم‭ ‬يسلم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الإنحسار‭ ‬إلا‭ ‬الراسخون‭ ‬في‭ ‬المعارضة‭ ‬المتصلة‭ ‬الحاملة‭ ‬لمشروع‭ ‬عابر‭ ‬للتقلبات‭ ‬العارضة‭.‬

وإن‭ ‬الإتحاد،‭ ‬على‭ ‬كونه‭ ‬كيانا‭ ‬نقابيا‭ ‬متأصلا‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬قد‭ ‬شمله‭ ‬ذاك‭ ‬الإنحسار،‭ ‬ولم‭ ‬تشفع‭ ‬له‭ ‬لدى‭ ‬سعيد‭ ‬مباركته‭ ‬لخامسه‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬جويلية،‭ ‬تلك‭ ‬المباركة‭ ‬التي‭ ‬أرادها‭ ‬الإتخاد‭ ‬سبيلا‭ ‬إلى‭ ‬حظوة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬المرحلة،‭ ‬وإلى‭ ‬دور‭ ‬له‭ ‬فيها‭. ‬حاول‭ ‬الإتحاد‭ ‬عندئذ‭ ‬أن‭ ‬يصعّد‭ ‬الخطاب‭ ‬والحركة‭ ‬إزاء‭ ‬سعيد‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬الإضراب‭ ‬العام‭. ‬لكنّ‭ ‬رياح‭ ‬التجاهل‭ ‬الشعبي‭ ‬ذَرَته‭ ‬وذَرَت‭ ‬معه‭ ‬خطب‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬الطبوبي‭ ‬الصاخبة‭ ‬الغاضبة‭ ‬المتوعدة‭.‬

إن‭ ‬الإتحاد‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬مفصلية‭ ‬مؤسفة،‭ ‬لا‭ ‬يرتضيها‭ ‬له‭ ‬الرّائي‭ ‬إلى‭ ‬بعيد‭. ‬وهي‭ ‬لحظة‭ ‬قد‭ ‬أظهرت،‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬تدرّج،‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تراكم‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭. ‬وهي‭ ‬أخطاء‭ ‬يصعب‭ ‬حصر‭ ‬أسبابها‭ ‬في‭ ‬جهة‭ ‬من‭ ‬الإتحاد‭ ‬حصرا‭ ‬اختصاصيا‭ ‬دقيقا‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬مَرَدُّ‭ ‬المسؤولية‭ ‬عنها‭ ‬رسميا‭ ‬إلى‭ ‬القيادة‭.‬فهل‭ ‬الأسباب‭ ‬هي‭ ‬سلسلة‭ ‬الأخطاء‭ ‬المذكرة‭ ‬بإجمال؟‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬تداول‭ ‬الأمانة‭ ‬العامة‭ ‬غير‭ ‬الموفق‭ ‬بعد‭ ‬الحسين‭ ‬العباسي؟هل‭ ‬هي‭”‬مؤتمر‭ ‬التمديد‭”‬للقيادة‭ ‬الحالية‭ ‬وما‭ ‬خلّفه‭ ‬من‭ ‬تداعيات؟

بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬الأسباب،‭ ‬يَسهُل‭ ‬رصدُ‭ ‬أنّ‭ ‬إتحاد‭ ‬اليوم‭ ‬ليس‭ ‬الإتحاد‭. ‬ذلك‭ ‬أنّه‭ ‬لمّا‭ ‬غيّر‭ ‬سعيد‭ ‬عقد‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬منهج‭ ‬حسابه‭ ‬الخاص،‭ ‬قعد‭ ‬الإتحاد‭ ‬عن‭ ‬دور‭ “‬حزب‭ ‬الدولة‭”. ‬ولمّا‭ ‬قبض‭ ‬سعيد‭ ‬على‭ ‬رقاب‭ ‬السلطة‭ ‬والدولة‭ ‬والقضاء‭ ‬والبرلمان‭ ‬،‭ ‬وأشاع‭ ‬مخاوف‭ ‬جدية‭ ‬على‭ ‬الحريات،‭ ‬ولما‭ ‬تدهورت‭ ‬إلى‭ ‬الدرك‭ ‬الأسفل‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للمواطنين‭ ‬الذين‭ ‬منهم‭ ‬منظورو‭ ‬الإتحاد،‭ ‬ولما‭ ‬صار‭ ‬اقتناء‭ ‬الأساسيات‭ ‬بشق‭ ‬الأنفس،‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬الإتحاد‭ ‬في‭ ‬كيانه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬،‭ ‬فتوارى‭ ‬عن‭ ‬الأنظار‭ ‬وانكمش‭. ‬ولعل‭ ‬المقرض‭ ‬الخارجي‭ ‬المحتمل‭ ‬لم‭ ‬يفته‭ ‬أنّ‭ ‬الإتحاد‭ ‬صار‭ ‬عديم‭ ‬الحيلة‭ ‬،‭ ‬فكفّ‭ ‬عن‭ ‬اشتراط‭ ‬رأيه‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬الإقراض‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬الحرص‭  ‬عليه‭”‬برنامجا‭ ‬وطنيا‭”.‬

كما‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬القيادة‭ ‬النقابية‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬نطوق‭ ‬مأزقا‭ ‬قطاعيا‭ ‬يتعلق‭ ‬بمدرسي‭ ‬الإبتدائي،‭ ‬ومهزلة‭ ‬تتعلق‭ ‬بمدرسي‭ ‬الثانوي‭ ‬حين‭ ‬ابتذلت‭ ‬نقابتهم‭ ‬العامة‭ ‬مطالبهم‭ ‬في‭”‬صفقة‭ ‬خروج‭”‬من‭ ‬أجل‭ ‬غدٍ‭ ‬خاص‭ ‬أفضل‭. ‬ولعلها‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭”‬مخزون‭ ‬انتقامي‭” ‬مرجّح‭ ‬من‭ ‬القيادة‭ ‬النقابية‭ ‬التي‭ ‬ستتجه‭ ‬إليها‭ ‬سهام‭ ‬الغضب،‭ ‬ولعلها‭ ‬التقاء‭ ‬نقابي‭ ‬وزاري‭ ‬ورئاسي‭ ‬وحزبي‭ ‬على‭ ‬أنقاض‭ ‬المدرسين‭…‬

والغريب‭ ‬أن‭ ‬فريقا‭ ‬من‭ ‬النقابيين‭ ‬ومن‭ ‬قادة‭ ‬الصف‭ ‬الأول‭ ‬قد‭ ‬غفلوا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬ولم‭ ‬يجدوا‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬النّفخ‭ ‬في‭ ‬الرماد‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يستمدوا‭ ‬مؤخرا‭   ‬مِن‭”‬الأرشيف‭ ‬الفولكلوري‭ “‬شعارا‭ “‬سلفيا‭”‬طواه‭ ‬الزمن‭ ‬طيا،‭ ‬وترفّع‭ ‬عن‭ ‬تدوينه‭ ‬حتى‭ ‬تاريخ‭ ‬هوامش‭ ‬الأفكار‭.‬

هل‭ ‬فقد‭ ‬الإتحاد‭ ‬اليوم‭ ‬أسباب‭ ‬قيامه‭ ‬من‭ ‬كبوته‭ ‬الموجعة؟‭ ‬هل‭ ‬تستقيم‭ ‬تونس‭ ‬الإجتماعية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اتحاد‭ ‬عمول‭ ‬مشع‭ ‬مؤثر؟‭ ‬لعل‭ ‬مدار‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬على‭ ‬انبثاق‭ ‬روح‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القيادة‭ ‬أو‭ ‬انبثاق‭ ‬قيادة‭ ‬جديدة‭ ‬تعيد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬تَقدَّم‭ ‬وما‭ ‬تأخَّر‭.‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 30 ماي 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING