الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: أبرزت آخر معطيات النمو الاقتصادي للأشهر الست الاولى من العام الحالي ان القطاع الاقتصادي الوحيد الذي سجل ارتفاعا في قيمته المضافة هو القطاع الفلاحي إذ ارتفعت هذه الاخيرة بنسبة 3.6% مقارنة بالفترة ذاتها من السداسي الأول لسنة 2019. كما أوضحت بيانات المرصد الوطني للفلاحة أن الميزان التجاري الغذائي سجل إلى موفى شهر جوان الماضي رصيدا سالبا لم يتجاوز 137.1 مليون دينار مقابل عجز بقيمة 679.4 مليون دينار في نفس الفترة من السنة المنقضية، وان نسبة تغطية الواردات بالصادرات ارتفعت الى 95.2% مقابل 77.9% موفى شهر جوان 2019.
ولم تشفع كل هذه المؤشرات الايجابية النابعة من جهود اهل القطاع بعيدا عن أي دعم حكومي للفلاحة التونسية لانقاذ البلاد من نقص الغذاء سيما زمن اشتداد ازمة كورونا وتواصل الاهمال والتهميش.
ويتجلى تهميش القطاع المتواصل منذ سنوات طوال في الأزمات المستمرة على صعيد تعديل انتاج عدة مواد حساسة كالحبوب والحليب و اللحوم وذلك الى جانب مشاكل مسالك التزويد “غير الواضحة” وهيمنة بعض الاطراف على ترويج الاعلاف وقوت الفلاح والمستهلك على حد سواء وماَسي العاملات الفلاحية المعدمة التي تسكب دماؤها بشكل دوري في الطرقات.
في ذات السياق، بين تقرير نشره الاتحاد الاوروبي ان تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر على القطاع الفلاحي في تونس لا يزال متقلبًا ومحدودًا للغاية وان إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر (الاستثمارات الخارجية المباشرة) لم يتجاوز 26 مليون دينار في عام 2018، أي 1.9% فقط من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. وقد مكّن هذا المبلغ من إحداث عدد جد ضئيل ولا يكاد يذكر من مواطن الشغل لم يتعد 328 موطن شغل في 10 مشاريع.
وحسب ذات التقرير الدولي ومن ناحية مخزون الاستثمار المراكم بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر المخصص لقطاع الفلاحة والصيد البحري من 2010 الى 2017، مبلغًا قدره 199 مليون دينار وساهمت هذه الاستثمارات في بعث ما يقارب الـ 2859 موطن شغل في 81 مشروعا.
وتقول منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) إن ثلاثة من دول الاتحاد الأوروبي هي ايطاليا وفرنسا واسبانيا استأثرت بـ 66% من رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع الفلاحة والصيد البحري من 2010 الى 2017.
بالإضافة إلى ذلك، يشير خبراء المنظمة إلى أنه رغم مساهمة القطاع الفلاحي بنسبة 9% في الناتج المحلي الإجمالي وبـ 18% في سوق الشغل، فإنه لا يستفيد إلا بنحو 4% من إجمالي القروض لا غير. كما اوضح الخبراء أنّ الأسباب، على هذا المستوى، متعددة وانها تتعلق بأن البنوك، وخصوصا البنك الوطني الفلاحي، ترى أن الفلاحة ليست نشاطا مربحا وانه محفوف بالمخاطر، إلى جانب وجود عقبات قانونية ومؤسساتية تجبر صغار الفلاحين بالأساس على التوجه نحو التمويل الصغير الذي يكرس الهشاشة والفقر ونقص الرسملة.
يذكر أن أرقام وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية الصادرة مؤخرا تؤكد الفشل التمويلي والاستثماري في القطاع بحكم انه تمت المصادقة إلى حدود موفى شهر جوان من سنة 2020 على 1341 عملية استثمارية بقيمة 184.9 مليون دينار مقابل 1685 عملية استثمار بقيمة 161.4 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2019 مسجلة بذلك تراجعا بـ 20.4% من حيث العدد وتطورا بـ 14.6% من حيث القيمة.
وستمكن الاستثمارات المصادق عليها من إحداث 1511 موطن شغل قار منها 27 موطن شغل قار لفائدة أصحاب الشهائد العليا. وستمنح للاستثمارات المصادق عليها منح قيمتها 54.6 مليون دينار أي ما يمثل 29.5% من حجم الإستثمار المصادق عليه. وتمت المصادقة اجمالا على إسناد 26 قرضا عقاريا بقيمة 2.6 مليون دينار مقابل 30 قرضا بقيمة 3.2 ملايين دينار خلال نفس الفترة من سنة 2019. وستمكن هذه القروض من إدماج 271 هكتارا من الأراضي ضمن الدورة الاقتصادية.
ورغم أن القطاع الفلاحي لم يتضرر بشكل مكثف من الأزمة الصحية فإن هذه الأرقام تبين بجلاء أنه قطاع مهمل بالنظر لضعف قيمة الاستثمارات الموجهة اليه.
وتعتبر الفلاحة في تونس إحدى الركائز الأساسية على مستوى التوازنات الاجتماعية، إذ يشغل القطاع 18% من اليد العاملة على المستوى الوطني بالإضافة إلى فرص عمل موسمية هامة. وبالتالي فهو ذو أهمية قصوى حيث يوفّر دخلا دائما لـ 470000 فلاح ممّا يضمن استقرار سكان المناطق الريفية الذين يمثلون 35% من مجموع السكان فيما تمثل المرأة 34% من مجمل اليد العاملة الفلاحية وتساهم الصادرات الغذائية بنسبة 11% من صادرات الخيرات.
ومع ذلك، فقد أظهرت الفلاحة سيما خلال السنوات الاخيرة وفق تقارير ودراسات عديدة قدرة تنافسية ضعيفة في الأسواق الوطنية والدولية بسبب ضعف الإنتاجية وغياب جودة المنتجات الفلاحية وافتقاد منظمات مهنية متطورة. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن يؤدي سوء إدارة الموارد المائية وتدهور الأراضي وتغير المناخ إلى تفاقم مشاكل إنتاجية الفلاحة التونسية وتدهور الوضع البيئي والتنوع البيولوجي.
من ناحية أخرى لم تتكيف برامج الإرشاد والتدريب الفلاحي بشكل جيد مع احتياجات المستغلات الصغيرة والمتوسطة ولم تدمج مفاهيم الاستدامة في الحفاظ على الموارد الطبيعية. وتسبب هذه الصعوبات تراجعا متواصلا للاستثمار في القطاع الفلاحي بمختلف نشاطاته.
روابط :
http://www.ins.tn/sites/default/files/publication/pdf/PIB_2020-T2.pdf
http://www.onagri.nat.tn/uploads/images/blances/juin2020/BCA-06-20-Ar.pdf
https://www.iamm.ciheam.org/ress_doc/opac_css/doc_num.php?explnum_id=18243
http://www.apia.com.tn/medias/files/conjoncture/2020/JUIN_2020.pdf