الشارع المغاربي-منير السويسي كشفت “اللجنة التونسية للتحاليل المالية ” التّابعة للبنك المركزي التونسي، أن عدد المساكن التي اشتراها الليبيون في تونس قارب 200 ألف مسكن وذلك حتى سنة 2015 ، أي ما يعادل نحو 6 بالمائة من إجمالي عدد المساكن في الجمهورية التونسية.
وقالت اللجنة في تقرير بعنوان “التقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب ” إن “عدد أملاك الليبيين في تونس يُقَدَّرُ بحوالي 200 ألف مسكن في 2015 أي ما يقارب 6 بالمائة من عدد المساكن الجملي” .
ولم توضّح اللجنة الفترة الزمنية التي ابتاع خلالها الليبيون هذا الرصيد العقاري الهائل، ولا التوزيع الجغرافي للمساكن التي اشتروها في تونس.
ويُعْتقد على نطاق واسع أن أعدادا كبيرة من هذه المساكن بِيعت لموالين للعقيد الليبي الراحل معمر القذافي، هربوا إلى تونس إثر سقوط نظامه سنة 2011 ومعهم أموال «طائلة » بالعملات الأجنبية (أساسا
الدولار والأورو).
وأشارت لجنة التحاليل المالية إلى «أهميّة استعمال النقد (cash ) في المعاملات (عمليات بيع العقارات السكنية في تونس) بين الوكلاء العقاريين وحرفائهم، لا سيما الأجانب والليبيين على وجه الخصوص .»
وحسب محام تونسي، بيعت بعض الشقق السكنية (بعد 2011 ) لمواطنين ليبيين «بأسعار خياليّة تتجاوز قيمتها الحقيقية بكثير » (سعر الشقة الواحدة فاق نصف مليار من المليمات)، ودفع المُشترون الثمن نقدا( cash)
ارتفاع كبير للأسعار سنوات 2011 و 2012 و 2013
وفي تقريرها، لاحظت لجنة التحاليل المالية أن أسعار بيع الشقق السكنية الجديدة في تونس ارتفعت «بصفة استثنائية » في الفترة ما بين 2011 و 2013 وأن نسبة الارتفاع، خلال تلك الفترة، بلغت 13 فاصل 5 بالمائة سنويا «وهي نسبة أعلى بكثير من (نسبة) الزيادة السنوية المسجّلة في السنوات ال 15 الماضية والمقدرة ب 5 فاصل 7 بالمائة .»
وأرجعت اللجنة أسباب هذا الارتفاع الكبير إلى «نقص الأراضي المخصصة للبناء خاصة في المناطق العمرانية » و »ارتفاع أسعار مواد البناء التي تمثّل 60 بالمائة من تكلفة السكن الاجتماعي » إضافة إلى
«ظهور فئة جديدة من الحرفاء الأجانب- أساسا من ذوي الجنسية الليبية- ذات الموارد (المالية) الوفيرة .»
وقالت اللجنة إنه «لا يمكن تفسير المسار التصاعدي » لأسعار العقارات السكنيّة في تونس بعد 2011 ، بقانون العرض والطلب معتبرة أن ارتفاع الأسعار «غير مبرَّر لا سيما إذا ما تمّ الأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية (الضعيفة: ملاحظة المحرر) للحرفاء المحليين .»
وحسب تقرير اللجنة، ارتفعت أسعار بيع الشقق والمنازل الجديدة والقديمة في تونس والأراضي الموجّهة «للاستخدام السكني » بنسبة 6 بالمائة سنويا خلال الفترة بين 2011 و 2015 .
القانون التونسي وبيع العقارات للأجانب
يسمح القانون التونسي للأجانب باقتناء العقارات شرط أن لا تكون ذات صبغة فلاحية أو صناعية أو سياحية. ويجيز القانون التونسي بيع عقارات سكنية للأجانب شرط الحصول على ترخيص مسبق من الوالي. ويقول المرسوم عدد 4 لسنة 1977 المؤرخ في 28 سبتمبر 1977 المتعلق بالعمليات العقارية والذي يتضمن فصلا واحدا: «كل عملية عقارية فيها أطراف أجنبية، لا بدّ أن تتمّ بموجب ترخيص مسبق من الوالي .»
وبتاريخ 11 ماي 2005 أصدرت السلطات، في إطار مساع لرفع حجم الاستثمارات الصناعية والسياحية الأجنبية في تونس، القانون عدد 40 الذي نص في فصله السابع على «إعفاء جميع الأجانب من رخصة
الوالي بالنسبة إلى اقتناء أو تسويغ الأراضي والمحلات المبنيّة بالمناطق الصناعية والأراضي بالمناطق السياحية .»
وخصّت تونس مواطني 3 دول مغاربية هي دول ليبيا، والجزائر، والمغرب بامتيازات قانونية إذ أجازت لهم شراء عقارات سكنيّة دون الحصول على رخصة الوالي، وذلك بموجب اتفاقيات ثنائية تم توقيعها مع ليبيا في 14 جوان 1961 ومع الجزائر في 26 جويلية 1963 ومع المغرب في 9 ديسمبر 1964 .
العقارات «ملاذ تقليدي لغسل الأموال »
وقالت لجنة التحاليل المالية إنّ «قطاع العقارات يُعتبَ أحد أهم الملاذات التقليدية لغسل الأموال، فهو من الخيارات المتميّزة لدمج وإخفاء مبالغ هامة متحصل عليها بطرق غير شرعية، وفي آن واحد يعتُبر استثمارا ناجحا حيث أنَّهُ مدرّ لأرباح هامة وقارّة في نفس الوقت .»
وأضافت أن «من أبرز التّهديدات المرتبطة بهذا القطاع، استغلاله في غسل الأموال، حيث تمت معاينة اقتناء عقارات (في تونس) في إطار دمج لأموال مشبوهة، حسب دراسة مجموعة من التصاريح بالشبهة في إطار عمل التحليل الاستراتيجي للجنة التونسية للتحاليل المالية .»
ونبّهت إلى المستويات «المرتفعة » لمخاطر غسل الأموال في القطاع العقاري في تونس.
ولاحظت أنّه «على الرغم من تراجع النسق الجملي للاستثمارات في تونس منذ سنة 2011 وتطور معدل التضخم، واصل الاستثمار العقاري في نسق مرتفع ما نتج عنه ازدهار الإنتاج الإجمالي لهذا القطاع خلال الفترة الأخيرة ليرتفع بذلك من 15 ألف وحدة سكنية سنويا في منتصف السبعينات إلى 80 ألف سنة .»2014
وحسب اللجنة، فإنّ عدد الوحدات السكنية الجديدة التي أحدِثت في تونس سنة 2014 ، فاق عدد العائلات الجديدة التي تكوّنت خلال العام نفسه ( 58 ألف أسْرة جديدة) أي بمعدّل 1 فاصل 53 مسكن لكل عائلة جديدة.
مخاطر حصول «فقاعة اقتصادية »
حذرت لجنة التحاليل المالية من أن يؤدي الارتفاع الاستثنائي لأسعار العقارات السكنية في تونس إلى فقاعة اقتصادية. وقالت في هذا السياق «قد يساهم هذا الوضع في تركيز فقاعة اقتصادية قائمة على
تزايد سريع للأسعار من شانه وجود فجوة كبيرة ومستمرّة بين الأسعار في هذه السوق، وتطور العوامل الأساسية للاقتصاد .»
وأضافت «تكمن خطورة هذه المضاربة في توقع انخفاض فجئي للأسعار ذي عواقب وخيمة على المستوى الاقتصادي وخاصة الاجتماعي من حيث أهمية الخسائر التي قد تنجر عنه .»
ويساهم قطاع البناء بنسبة 6 فاصل 6 بالمائة في الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد التونسي.
ويفوق عدد الشركات العاملة في القطاع 29 ألفا، يتجاوز رقم معاملاتها السنوي 5000 مليار من المليمات، وفق لجنة التحاليل المالية.
——–
*رئيس “منتدى تونس للصحافة والنفاذ إلى المعلومات”.