الشارع المغاربي – وليد أحمد الفرشيشي : في خطوة مفاجئة للرأي العام، قبل رئيس الحكومة يوسف الشاهد استقالة وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان مهدي بن غربيّة، خطوة أثارت الكثير من الجدل السياسي وفتحت المجال لأكثر من فرضيّة لا فقط حول أسباب الاستقالة – أو الإقالة– وإنّما أيضا حول مستقبل العلاقة بين الرّجلين في ظلّ الحديث المتواتر عن طموحات الشاهد لخوض السباق الرئاسي.
هنا تتعدّدُ الروايات والفرضيات حول استقالة أحد أهمّ الفاعلين داخل الفريق المضيّق ليوسف الشاهد، بين من يخضعها إلى اتفاق مسبق بين الرّجلين بهدفِ التنفيس عن حكومة الشاهد الذي يسعى إلى تحسين علاقتهِ بالاتحاد العام التونسي للشغل، الذي طالب أمينهُ العام بمجموعة من الرؤوس المحيطة بالشاهد، على غرار المهدي بن غربية وإياد الدهماني ولطفي ساسي، وبين من يرى فيها “مناورة” الهدفُ منها تمكين بن غربيّة من فرصة التفرّغ لإعداد الحملة الانتخابية المرتقبة ليوسف الشاهد، خاصة أنه من أكبر الداعمين لفكرة تأسيس حزب جديد يرأسه رئيس الحكومة، وبين من يرى في إستقالة مهدي بن غربّية، إقالة على خلفيّة تورّطه في قضايا فساد ناهيك عن توتّر علاقتهِ بأكثر من طرف سياسي وجمعياتي إضافة إلى هجوماته المتكرّرة على قيادة المنظمة الشغيلة.
تضحية متبادلة…. !
وفي واقع الأمر، تبدو فرضيّة وجود اتفاق مسبق بين الشاهد وبن غربيّة الأقربُ إلى المنطق، على ضوء المعلومات التي يتحوّزُ عليها “الشارع المغاربي“. فمع وصول اجتماعات قرطاج 2، تلك المخصصة للحسم في مصير الشاهد وحكومتهِ، إلى طريقٍ مسدود، وإعلان رئيس الحكومة الحربَ على المدير التنفيذي لحركة نداء تونس، حافظ قائد السبسي، في خروجه الإعلامي على القناة الوطنيّة الأولى، الذي أكد فيه مضيّهُ في خطته نحو إجراء تحوير وزاري جزئي، كان من الواضحِ أنّ عمليّة تحييد أو استمالة أحد أهم الأطراف الفاعلة في المعادلة، أيّ المنظمة الشغيلة، تحتاجُ عددا من “القرابين” يعرفُ الشاهدُ أكثر من غيرهِ أنها ضروريّة لتحويل وجهة الرياح لصالح سفينتهِ.
وما يعزّزُ هذه الفرضيّة ما أسرّ به أحد المستشارين السابقين لرئيس الحكومة لـ“الشارع المغاربي“، حينَ أكّد أن استقالة مهدي بن غربيّة كانت “جاهزة منذ حوالي شهرين مع تعدّد الضغوطات على رئيس الحكومة والفريق العامل معهُ“، دون أن يفصحَ عن طبيعة هذه الضغوطات. هذا المعطى يتواتر مع معلومات أخرى تحصّل عليها “الشارع المغاربي” تشيرُ إلى أنّ عددا من الفاعلين في مستشاريّة رئيس الحكومة، كانوا معنيين أيضا بالمغادرة بهدفِ التنفيسِ عن حكومة يوسف الشاهد وتمكينهِ من تمرير خطّتهِ المتعلّقة بالتحوير الوزاري، تلك الخطّة التي يعرفُ أنّها لن تمرّ دون تقديم “ترضية” مناسبة للاتحاد العام التونسي للشغل كبادرة عن “حسن النوايا“.
وهنا يبدو من “المنطقيّ“، وفق تقديرنا، أن يبادر مهدي بن غربيّة، أحد “المطلوبين” الكبار من المنظمة الشغيلة، إلى تقديم استقالتهِ، في إطار تفاهم مسبق مع الشاهد، على أن يتفرّغ في ما بعد إلى تحضير الأرضيّة لرئيس الحكومة الطامح بشدّة إلى خوض رئاسيات 2019.
إقالة…فساد…ملفات… !
في جانب آخر، ثمّة روايات أخرى وجدت لها ألسنًا في الشارع السياسي، خاصة في ظلّ إحجام مهدي بن غربيّة عن تقديم الأسباب الحقيقية لاستقالته. ومن بين هذه الروايات/الفرضيّات أنّه تمت إقالة بن غربيّة من طرف رئيس الحكومة لجملة من الأسباب كتوتر علاقتهِ بعدد من الاحزاب والمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني وتحوّلهُ إلى “عبء” كبير على حكومة يوسف الشاهد الساعية إلى فكّ عزلتها.
بعض الروايات الأخرى، الأقلّ منطقيّة، تتحدثّ عن قضايا فساد منشورة ضدّ الوزير السابقِ والاتهامات الموجهة إليه بتهريب كميات من الأدوية والأجهزة، وتورّط شركاتهِ في ملفات ديوانيّة واستغلال موقعهِ صلب لجنة مكافحة الفساد برئاسة الحكومة للتغطية على ملفاتهِ.
وفي تقديرنا، لا يمكنُ الاستئناسُ بهذه الروايات أو الفرضيّات، لأن منطلق عمليّة تحريك ملف فساد الوزير بن غربيّة كان منذ البدء حركة آفاق تونس، في إطار الصراع المعلن والتراشق بالاتهامات بين ياسين إبراهيم ومهدي بن غربيّة الذي نفى أكثر من مرّة ان تكون شركاتهُ محلّ تحقيق قضائي.
ما الذي ينتظرُ بن غربيّة؟
وإذ كنّا نرجحُ الفرضية الأولى، أي فرضيّة التفاهم المسبق بين الشاهد وبن غربيّة، فذلك لأنّها تلقي بعض الضوء على مستقبل العلاقة بين الرّجلينِ، الأمرُ الذي كشفهُ فيديو الاستقالة. فبن غربيّة وهو يعلنُ استقالتهُ استمات في الدّفاعِ عن نجاحات الحكومة التي كان عضوًا فيها، معتبرًا “أن الحكومة الحالية قامت بعدة إصلاحات لم تقم بها أيّة حكومة منذ عدّة عقود تخصّ بالأساس العدالة الجبائية ومنظومة التقاعد وعجز المالية العمومية والتداين“.
كما ندّدَ بالمساعي الداعية إلى تغيير رئيس الحكومة معتبرًا أنّ “استقالته لن تكون استقالة من الشأن العام باعتباره استرجع حريته في التعبير وأنّه سيدافع عن مواقفه وسيساند سياسات الحكومة دون أن يكون مطالبا بواجب التحفظ المفروض على أعضاء الحكومة“.
هذا الاستبسالُ في الدفاع عن خيارات الحكومة، وإن كان لا يفسّرُ في واقع الحال استقالته بل يلقي عليها الكثير من الظلال، فإنّهُ يؤشّرُ على دورٍ قادم سيلعبهُ بن غربيّة الذي سيكونُ متخففا“من واجب التحفّظ“، حسب تعبيره، دورٌ لن يخرج عن قيادة الحملة الإنتخابية القادمة ليوسف الشاهد، الذي ستحسمُ الأيام القادمة مصيره النهائي على رأس الحكومة، ولم لا تأسيس حزب جديد يقودهُ الشاهد كي يخوض به الاستحقاقات القادمة، خاصة أن بن غربية كان من أبرز دعاة فكّ ارتباط الشاهد بنداء تونس وتأسيس حزب جديد، لن يعدم أسباب الحياة والمنافسة على الكرسي الرئاسي في 2019.