الشارع المغاربي – بيان 6 نوفمبر للبنك المركزي مناورة لتوريط البلاد/ بقلم: جمال الدين العويديدي

بيان 6 نوفمبر للبنك المركزي مناورة لتوريط البلاد/ بقلم: جمال الدين العويديدي

قسم الأخبار

13 نوفمبر، 2021

الشارع المغاربي: يمثل الدين الخارجي في تونس ما يناهز 70 بالمائة من مجموع الدين العمومي تقريبا ويُعتبر من أعلى النسب في العالم ومن أخطر الأوضاع التي يُمكن أن يتعرض لها بلد حريص على مستقبل أجياله وعلى صون سيادته الوطنية. ما يجري في تونس منذ سنة 2013 إلى اليوم لم يسبقه مثال في العالم باستثناء اليونان. لأن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي ينحصر حسب قانونه الأساسي في تدخل وحيد في الظروف القاهرة مثل الكوارث الطبيعية والحروب والجوائح وذلك لتخطّي ازمة مالية عرضية حتى يتمكن البلد المعني من استئناف نموه الاقتصادي بأسرع وقت.

غير أن هذه القاعدة الأساسية التي كان من المفروض أن يلتزم بها كلا من صندوق النقد الدولي والطرف التونسي أصبحت الاستثناء في الحالة التونسية. حيث أصبح اللجوء إلى صندوق النقد الدولي في استمرار خطير سالبا للسيادة الوطنية ومطية للابتزاز الاقتصادي والسياسي للبلاد. فما هي الأسباب والخلفيات التي تدفع إلى هذا الوضع الخطير ومن هي الأطراف المستفيدة؟

بالرجوع للوضع اليوناني من باب المقارنة بينت التقارير المتعلقة بالدين العمومي اليوناني الذي بلغ 341 مليار يورو سنة 2020 (تريليون و125 مليار دينار تونسي) أن الخزينة العمومية اليونانية لم تتحصل إلا على نسبة %10 من الديون الخارجية. بينما استفردت البنوك الخاصة بنسبة %90 من هذه الديون والتي تم استعمالها في التوريد من طرف القطاع الخاص. كما أشارت نفس التقارير أن هذه العمليات أدت إلى تهريب هذه القروض عبر الترفيع في فواتير التوريد لتأخذ طريقها من حيث أتت. مما يؤكد أن القروض التي تحصلت عليها اليونان لم يتم استعمالها في الاستثمار الداخلي لتعزيز الاقتصاد المنتج خاصة في الصناعة حيث تعتبر اليونان من أضعف البلدان الأوروبية صناعيا.

قروض خارجية لا تستعمل في الاستثمار المنتج بقدر ما استُعملت لتمويل التوريد المفرط

هذه الحالة تتقارب في كل تفاصيلها مع الوضع في تونس خاصة على مستوى القروض الخارجية. حيث بلغ الدين الخارجي العمومي تقريبا 73 مليار دينار من بين دين إجمالي في حدود 109 مليار دينار أي بنسبة %67.

من هذه الزاوية نعتقد أن القرار الذي اتخذه رئيس الدولة للمطالبة بالتدقيق في قيمة الدين العمومي منذ 2011 إلى اليوم والتدقيق في مجال استعماله سوف يفضي إلى رفع الغطاء عن مآل هذه القروض إذا ما تم الأمر بكل شفافية وانضباط.

في انتظار نتائج هذا التدقيق يمكن القول أنّ هذه القروض لم يتم استعمالها في مشاريع استثمارية في القطاعات المنتجة كما يتبين من تراجع نسبة القيمة المضافة خاصة في قطاع الصناعات المعملية وفي القطاع الفلاحي لا يتحصل إلا على نسبة %4,4 تقريبا من القروض الجارية التي منحتها البنوك المحلية للقطاع كما يتبين من تقرير البنك المركزي التونسي لسنة 2020 مع العلم ان نصفها تقريبا يمنح للموردين للتجهيزات والمستلزمات الفلاحية. كما أنه لم يتم استعمالها في تحسين البنية التحتية وتحسين المرافق العمومية خاصة في الصحة والتعليم والنقل. حيث كشفت كل الكوارث التي حصلت في المستشفيات العمومية قبل جائحة كوفيد-19 وبعدها مدى تدني الخدمات الطبية والاستشفائية. كما تجلت تصرفات غريبة من نوع وجود سلع تعتبر من الكماليات لا تحصى ولا تعد بينما تفتقر البلاد إلى أدوية أساسية لمعالجة أمراض مزمنة عادة ما تكون فتاكة.

كل هذه الظواهر والمؤشرات تبين أن الدولة فقدت السيطرة على دورها التعديلي في توجيه الموارد المالية بصفة تخدم الصالح العام بالدرجة الأولى وتعزز القطاعات المنتجة التي تخلق الثروة والقيمة المضافة. هذا التقاعس يتبين بوضوح من خلال تدني نسبة النمو السنوية حيث كان معدل نسبة النمو بين سنة 2011 و2019 في حدود %1,7 ووصل إلى ركود في مستوى %1 سنة 2019. علاوة على الانهيار السلبي التي عرفته البلاد في حدود %9- سنة 2020 نتيجة جائحة كورونا. بينما جل البلدان الافريقية جنوب الصحراء لم يتخط معدل تراجع النمو الاقتصادي فيها نسبة %3- فقط.

بالمقابل تضاعف التوريد تقريبا في المدة بين سنة 2011 وسنة 2019 بالتزامن مع شبه ركود تام في التصدير وارتفاع خطير في العجز التجاري كما يتبين من الجدول التالي:

تطور الميزان التجاري بحساب المليار دينار بين 2010 – 2019 في النظام العام المصدر المعهد الوطني للإحصاء

بهذه الصفة فقد تراكم العجز التجاري في حدود 240 مليار دينار بين سنة 2011 إلى مُوفى شهر سبتمبر 2021 وقد تزامن مع ارتفاع المديونية التي لم يتم استعمالها في الاستثمار المنتج كما يتجلى من تراجع نسبة النمو بقدر ما استعمل مباشرة في تغطية التوريد المشط والتي تزامن بدوره مع ارتفاع كبير في تهريب رؤوس الأموال الخارج خاصة عبر تدليس قيمة السلع الموردة كما ثبت من الدراسة التي قدمها معهد الدراسات السياسية والاقتصادية (PERI) التابع لجامعة مسسوستش الأمريكية ومن دراسات المؤسسة العالمية لشفافية المالية (Global Integrity Finance).

القطع مع التداين ضروري وممكن وبيان المركزي الأخير مناورة لتوريط البلاد

من هذا المنطلق نعتقد أن القطع مع التداين الخارجي ضروري وممكن لأن البدائل موجودة. في هذا الصدد نعتبر خروج البيان الأخير للبنك المركزي يوم السبت الفارط 6 نوفمبر2021 بطريقة توحي بأنه تحصل على نتائج باهرة مع صندوق النقد الدولي الذي يتفاوض معه على قرض في حدود 4 مليار دولار أمريكي بشروطه التقشفية المجحفة والمدمرة للنمو الاقتصادي في الوقت الذي ارتفع فيه العجز التجاري في النظام العام المعتمد عالميا إلى 7,6 مليار دولار أمريكي أي 21,3 مليار دينار في التسع أشهر الأولى من سنة 2021 حسب المعهد الوطني للإحصاء. هذا المبلغ سوف تتم تغطيته بقروض خارجية بالعملة الأجنبية لم تحرك روح المسؤولية العظمى لدى البنك المركزي. هذا التصرف يمكن اعتباره بدون منازع طعنة في حق السيادة الوطنية وفي حق أجيال تونس.

لاشك أن هذا التصرف يبين أن الأطراف الداخلية والخارجية المتنفذة والمستفيدة من هذا الوضع والمتمثلة في الموردين في الداخل والدول المصدرة كسبت شوط من المعركة الدائرة بين من يريد القطع مع التداين وترشيد التوريد وتوجيه الموارد المالية نحو القطاعات المنتجة وبين من يريد تأبيد الوضع المهيمن منذ عشرات السنين والذي يهدف إلى مزيد التمعّش من الاقتصاد الريعي وجعل السوق التونسية سوق استهلاكية عبر التوريد خاصة لتسويق المنتوجات والخدمات الخارجية وفي مقدمتها تلك التي تصدرها البلدان الأوروبية وخاصة منها الفرنسية في سوق محمية لفائدتها.

والسؤال هل قبل رئيس الجمهورية بالأمر الواقع أمام تحرك رئيسة الحكومة التي تمثل السلطة الاقتصادية بالتعاون اللصيق مع ممثل السلطة النقدية في شخص محافظ البنك المركزي. وعلى ماذا سيفضي هذا التلاحم أمام ما يترقبه الشعب التونسي من قطع مع المديونية وقطع مع الوصفة التقشفية لصندوق النقد الدولي التي دمرت القدرة الشرائية لشرائح كبيرة من فئات المجتمع والتي عطلت المسيرة التنموية وأفشت البطالة واليأس عند الشباب التونسي.

البدائل مُتوفّرة

كنا ننتظر من هذه الحكومة أن تعول على الإمكانيات الذاتية للبلاد عبر تفعيل آليات ترشيد التوريد التي وضعتها المنظمة العالمية للتجارة وكذلك صندوق النقد الدولي واتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بصفتها أدوات صمام أمان لحماية التوازنات المالية للبلدان المتضررة درءا للإفلاس وسعيا لحماية ما تبقى من مؤسسات عمومية وخاصة قابلة لاستعادة نشاطها بسرعة. وهو ما صرح به رئيس الجمهورية مؤخرا حيث عبر عن امتعاضه من توريد الكماليات في بلاد في حالة لإفلاس.

والبدائل عديدة لاستعادة نشاط الاقتصاد الوطني خاصة عبر تفعيل المؤسسات المُعتبرة التي تركتها دولة الاستقلال والتي تم تعطيلها أو تدميرها على مدى العقود الثلاثة الأخيرة. نذكر من بينها الديوان الوطني للصناعات التقليدية الذي تكون منذ الستينات لإحياء وتأطير وتكوين الحرفيين في هذا الميدان. نشاطه يُستمدّ من فرعين الأول فرع انتاجي والثاني تسويقي عبر شركة تسويق منتوجات الصناعات التقليدية التي كانت تُوفّر لها المغازات في أرقى الاحياء في الداخل والخارج وكانت مصدر يدر مداخيل معتبرة بالعملة الأجنبية. رد الاعتبار لهذا الديوان الوطني لا يكلف الكثير ولكنه سوف يثمر الكثير في التشغيل وكسب موارد رزق لمئات آلاف المواطنين.

المثال الثاني يخص المؤسسات العمومية التي تعتبر بدون منازع قاطرات نمو والتي يجب إنقاذها بأولوية كبرى بوصفها قطاعات استراتيجية. كذلك المؤسسات الصناعية الصغرى والمتوسطة التي تعد بعشرات الآلاف بدون شك والتي تنتظر عملية إنقاذ وهيكلة لتستأنف نشاطها بسرعة. المطلوب تحريك وكالة النهوض بالصناعة للقيام بجرد كامل لكل المناطق الصناعية في البلاد والتنسيق مع البنك المركزي لصياغة آلية تمويل ميسرة خاصة بهذه القطاعات وتكليف البنوك والمؤسسات المالية لإعطاء الاولوية لهذه القطاعات. والأمثلة على نفس الشاكلة طويلة ومفيدة. فهل من منصت حتى نبعد شبح المديونية والابتزاز الاقتصادي والسياسي عن الوطن.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 13 نوفمبر 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING