الشارع المغاربي: قسم الرياضة: حقّق المنتخب التونسي لكرة القدم المهمّ في أوّل ظهور رسمي له بعد طيّ صفحة المشاركة المخيّبة في مونديال روسيا وتزامن الظهور الأوّل لعناصرنا الوطنية مع أوّل مصافحة رسمية للإطار الفنّي الجديد للمنتخب بقيادة “الجنرال” فوزي البنزرتي.
ورغم أنّ رحلة سوازيلاند أضافت لنا ثلاث نقاط في عدّاد المنتخب خلال مشواره في التصفيات الافريقية المؤهّلة لـ”كان” الكاميرون مكنّته من المحافظة على صدارة مجموعته متقدّما على منتخب الفراعنة فإنّ المهمّ لم يتحقّق بعد على اعتبار أنّ مردود المنتخب لم يقطع مع صور الأمس القريب إذ غلبت الحسابات والتوصيات على الأداء فلامس المستوى عتبة المتوسّط إن لم نقل الرديء قياسا بما يملك المنافس من امكانات وفنيّات.
مباراة المنتخب الوطني ونظيره السوازيلاندي حملت العديد من المؤشرات والمضامين والجميع كان ينتظر النسخة الجديدة لمنتخب فوزي البنزرتي ليس على مستوى النتائج فحسب ولكن لما ستفرزه رسائل الأقدام خاصة أنّ الجميع استبشروا خيرا بطيّ صفحة المدرّب السابق نبيل معلول وأنّ فوزي البنزرتي مدرّب خبير في صنع اللعب والفرجة وتقديم العناوين الجديدة… ولكن تغيّر لقمان وبقيت الدار على حالها.
نفس هجومي…
مقارنة بتوّجه المدرّب السابق للمنتخب نبيل معلول جنح الاطار الفنّي الجديد للمنتخب الى الاعتماد على تشكيلة هجومية من خلال التعويل على كلّ أسلحة الخطّ الأمامي بترسيم وهبي الخزري وأنيس البدري وطه ياسين الخنيسي ونعيم السليتي في التشكيلة الأساسية وهو الأسلوب الذي يحبّذه كثيرا البنزرتي الذي يرسم خططه الفنيّة بناء على نقاط قوّته وليس على نقاط قوّة الخصم. قد يكون تواضع المنتخب السوازيلاندي الذي لا يملك سجّلا حافلا داخل ثنايا الخارطة الافريقية وراء مجازفة البنزرتي بالاعتماد على رباعي هجومي في الخطّ الأمامي للمنتخب لكن توّجّه “الجنرال” ونفسه الهجومي يجعلاننا نترقّب نسخة مغايرة لمنتخبنا في قادم المواعيد خاصة أنّ “الكوتش” معروف بخصاله الهجومية التي ميّزته خلال مختلف تجاربه التدريبية السابقة.
أخطاء العادة…
على الورق يدخل منتخبنا كلّ مبارياته على الصعيد الافريقي مرشحا فوق العادة للخروج بنقاط المباراة وهذا مفهوم بحكم تصنيفنا الريادي الذي يجعلنا فوق التقييمات والتصنيفات كما أنّ الاطاحة بمنتخبات في حجم سوازيلاندا وغينيا ومثيلاتها بات أمار طبيعيا وبديهيا بحكم الفوارق الكبيرة التي تميّزنا عن بقيّة القوم لذلك جاء الانتصار على منتخب سوازيلاند في مبابان بالذات باهتا باردا ولم يخلّف وراءه أيّة إشادة لأنّه كان منتظرا ومتوقّعا أمام منافس مغمور لم ينل أبدا شرف المشاركة في النهائيات الافريقية.
وساد الاعتقاد أن يبسط المنتخب التونسي سيطرته على كامل ردهات المباراة وأن يحكم زملاء الخزري قبضتهم على المواجهة ولكن مرّت المباراة رغم فارق الهدفين سجالا بين المنتخبين وعشنا خلال بعض الدقائق ضغطا كبيرا من منافس عرف كيف يتعامل مع طبيعة المواجهة لولا عامل الخبرة الذي لم يكن يلعب لصالحه. وكان لزاما على فوزي البنزرتي خاصة خلال الشوط الثاني القيام ببعض التعديلات والتغييرات لبعث نفس جديد في المنتخب الذي نال منه الارهاق والتعب ولكن البنزرتي فضّل تثبيت نفس التشكيلة الى حدود الدقائق الأخيرة من عمر المواجهة في وقت انتظر الجميع منح الفرصة لبعض الوافدين الجدد وكذلك لبعض الأسماء المتألقة أوروبيا على غرار أسامة الحدادي محترف ديجون وبسام الصرارفي مهاجم نيس… البنزرتي نسج على منوال معلول من خلال تأخير التغييرات الى الدقائق العشرة الأخيرة من المباراة وكأنّ للأسماء الموجودة في التشكيلة الأساسية حصانة لا يزول مفعولها إلاّ بزوال الرهان.
انتقادات مفهومة
الانتقادات التي وجّهت لفوزي البنزرتي مباشرة بعد نهاية المباراة تبدو مفهومة جدّا قياسا بسيناريو المباراة. فالمنتخب كان متقدما في النتيجة وبفارق مريح والانتصار كان من تحصيل الحاصل بعد شوط أوّل تمّت فيه المهمّة بنجاح وكان أجدر بالبنزرتي منح الفرصة لبسام الصرارفي على وجه الخصوص حتى يندمج بشكل أفضل من زملائه ولا يقتصر وجوده على بعض الدقائق العابرة وهو الذي بدأ يفقد لذّة اللعب بقميص المنتخب بحكم تجاهله المستمّر. الصرارفي يعتبر حاليا أفضل الأسماء في المنتخب وهو مستقبل كرة التونسية وتجاهله المتواصل سيفقده توهجه شأنه في ذلك شأن الحدادي الذي تعاقد مع بنك احتياط المنتخب وهو الذي يعتبر من أفضل الأظهرة حاليا في الدوري الفرنسي.
بلغة المنطق من حقّ الناخب الوطني التعويل على الأسماء التي يراها الأنسب لتطبيق أفكاره وخياراته لكن المنطق يفرض كذلك أن يكون هناك بعض الاحترام لبعض الأقدام المتألّقة ومن العيب حتى لا نقول شيئا آخر التعويل على لاعب أجمع الكلّ على رفعة مخزونه الكروي في الوقت البديل… فعلها معلول سابقا وأثارت الكثير من اللغط خلال مونديال روسيا وكرّرها البنزرتي في مباراة سوازيلاند ومن حسن حظّ الصرارفي أن حكم المباراة أضاف 7 دقائق كوقت البديل وإلاّ لما كان له ليلمس الكرة ولو لمرّة واحدة.
تقزيم غير مبرّر…
حتى يكون التقييم موضوعيا نقول إن منتخبنا أفضل من نظيره السوازيلاندي على جميع المستويات لكن هذا لا يعني أننا واجهنا منتخب رياضة وشغل مثلما يروّج البعض والتقليل من أهميّة الانتصار خارج الديار غير منطقي ومن اعتمد سلاح المقارنات للتقليل من شأن المنتخب ومن أحقيّته في الفوز عليه تصفّح بقيّة نتائج المواجهات فالسينغال تعادلت مع منتخب مغمور يدعى مدغشقر والكاميرون أجبرت على التعادل مع منتخب جزر القمر تماما مثلما هو حال منتخب محاربي الصحراء المتعثّر أمام غامبيا دون أن ننسى هزيمة بوركينا فاسو أمام موريتانيا وسقوط غانا أمام المنتخب الكيني.
الكرة الافريقية لم تعد تخضع للغة المنطق وبعض المقارنات لا تستقيم خاصة إذا استثنينا منتخبنا من ثورة بعض المنتخبات المغمورة.