الشارع المغاربي: العربي الوسلاتي: أسدل الستار على قمّة الترجي الرياضي التونسي والنجم الساحلي في ربع نهائي كأس رابطة الأبطال الافريقية وصعد الترجي الى نصف نهائي المسابقة مواصلا حلم مطاردة الأميرة الافريقية التي تمنّعت لسنوات طوال في حين توقّفت مسيرة النجم في ربع المشوار مع هزيمة نفسية ومعنويّة خلّفت الكثير من الأضرار.
وإذا كانت القمّة الكروية التونسية قد أوفت بوعودها نسبيا على المستطيل الأخضر في ظلّ النديّة والتنافس الكبيرين اللذين لمسناهما في كلاسيكو كان وفيّا لسمعة الكبيرين فإنّ ما تسرّب من أحداث جانبية قبل وبعد المواجهة خلّف العديد من التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الفريقين وخاصة بين جماهيرهما بعد تعالي موجة عنيفة من الشعارات غير اللطيفة والتي تسبّبت بشكل كبير في احتقان الأجواء وتجييش الشارع الرياضي بشكل جعل مصافحتي الذهاب والاياب حكرا على أصحاب الدار وكأنّ الخصم قادم من وراء البحار وليس شريكا في هذه الرقعة الجغرافية وفي هذه الهويّة الرياضية.
إصرار على الفشل
يصرّ بعض القائمين على تأمين ملاعبنا من سلطة الإشراف على مواصلة السير في نهج الفشل من خلال سنّ قوانين وإجراءات تساهم بعمد أو دونه في تصاعد حالة الاحتقان الرياضي والاجتماعي بين فريقين من المفروض أنهما تونسيان ويشتركان في نفس المكان والعنوان وحتى في قيمة الرهان. السلط الأمنية اختارت وبعد التشاور مع مسؤولي الفريقين أن تدور مباراة الذهاب بين الترجي والنجم في ملعب رادس أمام الجماهير المحلّية فقط مع التنصيص على حرمان الجماهير الضيفة من الولوج الى المدارج. ونفس الإجراء تمّ اتخاذه في مباراة العودة بالملعب الاولمبي بسوسة من خلال إغلاق الأبواب في وجه جمهور الترجي في رسالة ضمنية مفادها أنّ وجود جماهير الفريقين في نفس الزمان والمكان هو بمثابة إعلان حرب أو هكذا ما سوّق له أصحاب القرار ممّن يمسكون بمقاليد الحكم الرياضي داخل الدار.
ومن المضحكات المبكيات هو أن مباراة الترجي والنجم في ربع نهائي رابطة الأبطال هي المباراة الوحيدة التي ضمّت فريقين من نفس البلد وهي الوحيدة كذلك التي دارت في غياب الجماهير الضيفة في تأكيد جديد على استحالة الجمع بين الطرفين حسب فلسفة السلط الأمنية التي عزلت الناديين وصوّرت المواجهة بينهما على أنّها معركة حياة أو موت والحال أنّها كانت مباراة كرة قدم عادية فيها الربح والخسارة بعيدا عن منطق الكره والإثارة.
وقوع في الفخّ…
العداء الرياضي بين كبار القوم في كرة القدم العالمية وحتى التونسية أمر مفهوم بل يجزم البعض بأنه توظيف محمود للارتقاء بشعبية اللعبة وبإثارتها. وفي كلّ الدوريات الكبرى يكون التنافس بين الجماهير المحلّية على أشدّه ويكون التحدي في أعلى درجاته لكن مهما بلغ ذروته لا يخرج عن اطاره الرياضي وحتى في صورة حصول بعض التجاوزات والاستثناءات فإنها تمحى سريعا من الواجهة وتزول بمجرّد نهاية المواجهة. لكن ما يحصل في تونس هو أنّ بعض الجماهير بدأت تسقط في فخّ التعصبّ الأعمى وتستسلم لفتنة النعرات الجهوية بشكل جعل الحديث عن مباراة الترجي والنجم أشبه بحرب وجود بين العاصمة والساحل…
كلّ الصفحات التابعة لجماهير الفريقين عبر مواقع التواصل الاجتماعي تجنّدت على امتداد الأسبوع الفارط لشحن الأجواء وتجييش الشارع من خلال ترديد وترويج شعارات لا تمت للروح الرياضة ولمبدا الجوار والتآخي بأيّة صلة.
شقّ كبير من جمهور الترجي اعتبرها معركة كسر عظام بين “الدولة الترجية” بما تحمل الكلمة من معاني ورموز في نفوس “المكشخين” وبين بقايا المدّ الساحلي… في المقابل صوّر أنصار النجم الساحلي المباراة على أنّها حرب ضروس بين “ساحلهم العظيم” وبين حواري العاصمة… توصيف خطير يشرّع لتقسيم البلاد والعباد ويفتح باب الفتنة الناعمة على مصراعيه والنتيجة ما حصل عقب نهاية المباراة من كرّ وفرّ وصدامات بين الأمن والجمهور الذي تحوّل عدد كبير منه من مناصرين للقميص وللهويّة الى وحوش آدمية كلّ همّها الانتصار لبقعة جغرافية.
أمن جمهوري…
في ظلّ هذا المشهد السيريالي القاتم الذي نعيش على عناوينه المريبة وما نشهده من صدام معلن في كرة القدم التونسية بين الجنوب والشمال وبين كلاسيكو الساحل والداخل تطفو على السطح بعض الظواهر الخطيرة التي تسهم من موقعها في تعاظم غول العنف وتنمّي ظاهرة التعصّب الرياضي الأعمى… اليوم يدور حديث في المجالس الضيّقة عن تورّط الأمن الجمهوري في تغذية هذه الظواهر حقيقة لا مفرّ منها… اليوم لا يتحرّج البعض من الافصاح عن وجود قوات أمن “عاصمية” وأخرى “ساحلية” مهمّتها ليس تأمين المباريات والحفاظ على الروح الرياضية ولكن للدفاع عن هوس الألوان والاستسلام لفخّ الرهان.
بعض الأصوات المارقة على القانون وعلى النواميس لم تعد تتحرّج من مطالبة المسؤولين بتوفير حماية أمنية بأمنيين من نفس الرقعة الجغرافية… المعركة الرياضية بين الفريقين لم تعد تقتصر على تعيينات الحكام وعلى عدد الجماهير بل طالت كذلك هويّة الأمنيين…النجم يتحوّل الى ملعب رادس مرفوقا بأمنه الخاص ووفد الترجي يتحوّل الى سوسة بقواته الخاصة… يحصل هذا في دولة من المفروض أنها تحترم هياكلها ومؤسساتها ولا تنتصر سوى لمنطق الأمن الجمهوري. قد تكون الصورة مفزعة بعض الشيء أو ربّما تكون مضخّمة قليلا لكنها حقيقة لا مفرّ منها واليوم باتت لكلّ فريق من كبار القوم حدوده الجغرافية الخاصة وجمهوره الخاص وأمنه الخاص حتى لو أصرّ البعض على إنكار هذه الحقيقة.
حرب باردة
اليوم نطوي صفحة الكلاسيكو المفزع بكلّ ما رافقه من تأويلات وتخمينات على أمل أن نعود قريبا الى قمّة تونسية جديدة ولكن بعناوين مغايرة تقطع مع ممارسات وسلوكات التعصّب والجهويات ولكن الى ذلك الحين بات علينا لزاما التصدّي لهذا الغول القادم على مهل… هذه الحرب الباردة التي تتغذى من نار الفتنة ومن كرة هواؤها مسموم بدأت رقعتها تتّسع شيئا فشيئا وقد يأتي يوم وتقتلع الأخضر واليابس من طريقها أمام هذا الصمت المريب لكل مؤسسات الدولة ولبعض وسائل الاعلام التي تغذي دون أن تدري حربا لا حدود لها ولا قانون فيها…
البعض يراها مجرّد معركة رياضية لا تتجاوز محيط الميدان ويفتح عينا ويغمض أخرى أمام ثورة الجماهير فوق المدارج وخارجها ويحاول التقليل من حجم الأضرار ويبعث برسائل مغلوطة مفادها أنها كرة قدم وأنّ التنافس فيها محمود وأنّ ما يحصل بين جماهير الفرق التونسية ليس صناعة تونسية ولكن الحقيقة هي أنّ حالة الاحباط التي تتملّك النفوس والعقول أًصبحت أرضية خصبة لاحتواء كلّ الظواهر الاجتماعية الخطيرة بما فيها النعرات الجهوية التي تنتصر فقط لعمى الألوان دون مراعاة لحرمة الوطن ولوحدته تماما مثلما يفعل بعض الإخوان…