الشارع المغاربي : يبدو ان الأوضاع في إدارة الشأن العام بدأت تأخذ مسلكا بعيدا عن الهدوء والتعقل والطبخ على نار هادئة وغلب عليها التشنج والتسرع وكسر العظام خصوصا بين رأسي السلطة التنفيذية .
والحقيقة هناك إحساس عام يسود قطاعات واسعة من الشعب التونسي مفاده أن في أوضاع البلد وأوضاعنا السياسية الشيء الكثير من النكد وسوء التصرف وسوء التقدير.
ولازالت اوجاعنا عميقة وممتدة على طول الوطن وعرضه و”المسؤول المُعلّب” داخل التنظيم أو جهاز السلطة لا يدرك بشكل جيد ما يحيط به ولا يحس بما وصلت إليه الأوضاع وآلت إليه الأحداث .
فهو كالجالس داخل القطار لا يستطيع تقدير سرعته و يحتاج إلى يد خارجية ترفع له اللثام عما تبقى من التركة وعن الخيمة “المحشوة بقطن الأحزان” !…وهو قد يحتاج أحيانا للإصطدام بحائط يفصل بين الحقيقة والحلم وبين الواقع والأوهام حتى يدرك مجريات الأمور على ما هي عليه لا حسب ما يطمح هو لأن تكون عليه.
رئيس الجمهورية عين لنا رئيس حكومة وقدمه له لنا على أساس انه شاب ناشط وناضج ومدرك ومقبل على الحياة ليكون له خير مساعد لإدارة دواليب الدولة وإعانته على المسك بخيوط اللعبة وليشد أزره ويسنده في أمره –فزينت القصبة الحياة الدنيا لصاحبنا وفيها المال والبنون والجاه والسلطة وخدمات على قد المقاس – “فعظ” رئيسه العظة تلو الأخرى وفي رواية أخرى “تمرد” عليه وهي رسالة يبلغها لكل الذين يساندونه اليوم: عندما يستوي عودي لكم معي حساب آخر وستبصرون وستعلمون مفاعيل آياتي الحقيقية وابشروا إن الفرج قريب3
حزب النداء تناثرت قطعه ولازالت أوضاعه غير واضحة ومعرضة للتجاذبات المتعددة والمتنوعة وهناك محاولة للملمة شتاته وتكوين هيئة سياسية موسعة تفضي في النهاية لإخراج سياسي جديد للنداء يرجعه لمربع توازنات سنة 2013 ، و إبن أمه وأبيه مصر على خنق كل مشروع إصلاحي يمر بعيدا عن الباتيندة ومصرّ بل ومقتنع بأن العناية الإلهية لا تريد العبث بمستقبل الوطن –ربي يحفظ الوافدين الجدد- وأن استمراره على رأس تونس النداء هو قدره الذي لا يريد الهروب منه.
وموقف النهضة الرسمي –المبني على “تعلة “الاستقرار السياسي-يعيش داخليا حركية لا مثيل لها بين مؤيد ومعارض ومتحفظ وأصيبت هي كذلك بداء التموقع والاصطفاف وتجاوز الأمر حدود مؤسساتها ليصبح شائعا ومعلوما مع أن الكلمة الفصل فيها لازلت لمؤسسة الرئاسة التي أبرزت الكثير من الذكاء للمحافظة على اتجاه الريح الذي تريده رغم حرارة النقاش وقوة مؤسسات الحركة الشورية في متابعتها للتنفيذي.
وحكومة “قرطاج واحد” جاري العمل بها ولكن بلا اقتناع كبير وهي تبدو حكومة تصريف اعمال أكثر منها حكومة قادرة على الصمود حتى الاستحقاق الانتخابي القادم وعاجزة عن إيجاد الحلول الملائمة للأزمة الاقتصادية الخانقة التي نعاني منها. وفي الحقيقة تدور في البلد أحداث وأشياء منذ أشهر فيها الكثير من الغموض وعدم الوضوح ومكتنزة بمواقف متضاربة ومتناقضة ورغبات في خلط الأوراق متصلة بالشأن الحكومي وبمصير رئيس الحكومة ومستقبل العلاقة بين الحكومة ورئاسة الجمهورية والحزبان الحاكمان أضاعا “البوصلة” ومعهما الاتحاد العام التونسي للشغل ولف الغموض -عند شرائح واسعة من الشعب-اهتماماته وطلباته ومواقفه وهو ما لم تعودنا عليه المنظمة الوطنية العريقة .
وأصبح الكل مع الكل والكل ضد الكل وهذا مع الفصل والأخر مع الوصل وغرقت تونس بكتلها وبرلمانها ومؤسساتها في الرداءة السياسية وأصبحت كالغريق الذي لم يعد يخاف من البلل ، ونحن نخاف أن ينتهي الأمر بالانكسار الشامل للمسار الديمقراطي وان “يتخلى” الأولياء الصالحين عن هذا البلد وان نفقد هذه المرة الإستثاء التونسي وبالتالي ضياع سنوات طويلة من الأحلام والجهود والتضحيات والمراجعات لبناء تجربة ديمقراطية مميزة في العالم العربي ولا نوفق في تحديد السبل الكفيلة والطرق الناجعة لرفع التحديات والرهانات التي تعصف بالبلاد ونغلب منطق المصلحة العليا للدولة وحاجات الشعب بدل مواصلة السير مطمئنين وسط آليات ثبت بطلانها وتصورات تأكد زيفها.
فمن يطلق رصاصة الرحمة على هذه الأوضاع البائسة ويكون له شرف إنارة الطريق؟