الشارع المغاربي : كشفت مخرجات الدورة 22 لمجلس شورى النهضة خسارة رئيسها راشد الغنوشي الأغلبية داخل هذا الهيكل الأهم صلب الحركة ، بسحب ملف التفاوض منه وإحالته على رقابة مكتب المجلس ولجنة السياسات التابعة له في ضربة لرمز وحدة الحركة وتماسكها الذي كان حتى وقت قريب
متجسدا في شخص الغنوشي.
انعقد مجلس شورى النهضة نهاية الاسبوع المنقضي في دورة استثنائية ، رغم النفي الرسمي المتداول في تصريحات نواب وقيادات من الحركة، وقد تكون الأحداث الاخيرة التي عرفتها الساحة ومنها تحديدا الندوة الصحفية لفريقي الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وتسريب الرسالة الشهيرة الموجهة للغنوشي من قبل 20 قياديا من حزبه وراء التعجيل بعقد الدورة 22 للشورى التي كان من المزمع انعقادها يوم 26 نوفمبر القادم .
وقالت مصادر من المجلس ل”الشارع المغاربي” إن الدورة الأخيرة للشورى بينت بشكل جلي وجود حالة انقسام وصفتها بالخطيرة داخل الحركة ، انقسام يقف وراءه رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي تختلف القراءات صلب النهضة حول جدوى مساندته والتمسك به رئيسا للحكومة رغم الحصيلة الهزيلة لحكومته علاوة على أساليب وصفتها المصادر بالمشبوهة واتهمت الشاهد باستعمالها لمواجهة خصومه . إلا ان حالة الانقسام هذه لا تتعلق فقط بموقف من مساندة الشاهد من عدمها ، بل هي موقف من الغنوشي رأسا ، فالغنوشي بات في عيون الكثير من أبناء الحركة فاقدا لشرعية التفاوض اي انه لم يعد يحظى بثقة جموع قيادات حزبه ، وأصبح في منظور جزء ليس بهين من النهضويين ، على المستوى القيادات على الأقل ، حريصا على أجندته الشخصية أكثر من الحرص على أجندة الحركة ومصالحها .
الغنوشي.. خسارة الثقة
إعلان رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني إخضاع عملية التفاوض حول الأزمة السياسية الراهنة لرقابة مكتب مجلس الشورى ولجنة السياسات التابعة له ، جاء بعد رفض أعضاء المجلس طلب الغنوشي تفوضيه لمواصلة المشاورات مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد. طلب طرحه الغنوشي بعد انتقادات واسعة رافقت نقاشات أعضاء المجلس بخصوص عدم تجاوب الشاهد مع الشروط التي ضمنتها النهضة في بيانات صادرة عن مختلف مؤسساتها لمواصلة
مساندته التي تسميها هي بمساندة الاستقرار الحكومي ، والشروط تتلخص أساسا في إعلان عدم الترشح للاستحقاقات الانتخابية القادمة.
ويبدو أن تجاهل الشاهد لطلب التعهد بعدم الترشح ، وراء رفض التفويض الذي لم يتم تمريره الى التصويت حسب ما أكد ل”الشارع المغاربي” عضو من المجلس ، وذكر عضو اخر ان للغنوشي وللمكتب التنفيذي اختصاص التفاوض بعد تزكية من المجلس وان رئيس الحركة مطالب بتقديم تقرير مفصل حول المفاوضات دون ان يتدخل الشورى في مسارها.
الى ذلك يعكس تكليف مكتب المجلس بمراقبة مسار المفاوضات وتحديد شروطها مسا من صلاحيات رئيس الحركة ، وفق مصدر قريب منه الذي قال ان الغنوشي فضّل التنازل ومسك ” العصا من الوسط” لاحتواء الأزمة داخل الحركة ولوضع العملية في شفافية مطلقة تنهي الاتهامات التي وجهت اليه من قبل حتى مقربين منه ، في اشارة الى لطفي زيتون.
ويتهم الغنوشي ، من مستشاره السياسي الخاص لطفي زيتون و 19 قياديا اخرين ، بتقديم معطيات مغلوطة بخصوص اجتماعاته برئيس السلطة
التنفيذية ، من ذلك قولهوفق ما جاء في الرسالة ” الرئيس الباجي قائد السبسي محايد في المعركة بين يوسف الشاهد وحافظ قائد السبسي ولا يرغب في إقالة رئيس الحكومة و الخطوط بينه وبين ابنه مقطوعة”.
ويبقى السؤال المطروح على ضوء رفض الشورى تفويض الغنوشي وتنازل الأخير عن احد صلاحياته )التفاوض( هو إمكانية استعادة “الشيخ” الثقة
التي فقدها ، وهل سيكون تشكيل فريق مفاوض يرافقه في مفاوضات جديدة كافيا لإعادة التماسك داخل نهضة تبين بكل وضوح انها تتجه رويدا رويدا نحو الانقسام ؟.
الأمر لا يبدو انه مقتصر على توزيع جديد للصلاحيات بشكل ناعم ، فالغنوشي الذي نجح في المؤتمر العاشر للحركة في مسكها بقبضة من حديد أصبح في حالة ضعف غير مسبوقة لسببين الأول يتعلق بتزايد الاصوات الرافضة للتحالف مع يوسف الشاهد والثاني انقلابه على توجهات ولوائح المؤتمر.
وفي المحصلة يواجه الغنوشي رفضا لسياسة احادية تمكن من مزيد تأصيلها منذ المؤتمر الاخير وبمساندة تامة من اقرب المقربين منه ، على رأسهم
مستشاره زيتون الذي تحول إلى معارض يتزعم شق يسمي نفسه بالشق التقدمي الإصلاحي ،ولا يستغرب ان يكون هذا الشق أول المنسلخين عن
الحركة .
وكانت المعركة في النهضة حتى وقت قريب تتلخص في دمقرطة تسييرها ، وفي الحيلولة دون احداث أية تعديلات على مستوى نظامها الداخلي
بما يمكن رئيسها من دورة جديدة ، واصطف طيف واسع من قياديي الحركة مع الغنوشي في وجه من يصفونهم بالمحافظين وفي مخيلتهم انهم بصدد بناء حزب عصري يقطع مع أخطاء الماضي وينخرط بشكل تام في المنظومة المدنية للعمل السياسي .
اليوم أصبح الغنوشي في مواجهة 3 تيارات تختلف اجنداتها وتتقاطع اليوم مع هدف الحد من سطوة “الشيخ على الحركة” ، تيار يمسي نفسه
بالمؤسسين ممن راكنوا محن السجن أو التهجير ، وتيار يسمي نفسه بالتيار التقدمي وتيار ثالث ممن فقدوا التموقع وابعدوا عن سلطة القرار وعن دوائر رئيس الحركة بعد ان توسعت نفوذه وتغيرت المعطيات وتوسعت اجندة العلاقات في الداخل والخارج .
التحالف مع الشاهد
تدخل النهضة انطلاقا من هذا الاسبوع في مسار جديد من المفاوضات ، لا يعلم ان كانت ستشمل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بعد ان اعلن في حواره التلفزي الاخير القطيعة معها ، وعكس المرات السابقة سيقود المفاوضات رئيس الحركة الذي سيكون مرفوقا بفريق سيُعينه مكتب مجلس الشورى.
وخلال المشاورات المرتقبة ، ستضع النهضة شروطا وصفها رئيس مجلس الشورى بالمحددة وستشمل بالأساس التعهد العلني بعدم الترشح للاستحقاقات الانتخابية القادمة سواء كانت الرئاسية أوالتشريعية مع تحديد سقف زمني لتقديم هذا التعهد على ان يكون علنيا والاجدر ان يكون تحت قبة البرلمان ، حسب ما كشف ل”الشارع المغاربي” مصدر من الحركة.
ويقول المصدر ان تأكيد الغنوشي ان الشاهد تعهد له بأنه لا ينوي الترشح لم يكن له أي وقع داخل شورى النهضة ، مبرزا ان “الشيخ” كان في حالة ارتباك وانه احال القرارات للأغلبية لضبط الشروط وتبوبيها حسب سقف زمني ، ملاحظا ان بيان مجلس الشورى يكشف التباين في المواقف داخله وانه تمت صياغته بعيدا عن اية رؤية استراتيجية وان الأولية كانت ارضاء الجميع بما جعله بيانا معوما فاقدا وقع في مشهد سياسي وصفه بالمشتت .
ووفق نفس المصدر ، فان النهضة حددت أخر شهر اكتوبر الجاري كآخر اجل لتقديم الشاهد تعهدا بعدم الترشح لافتا إلى ان تواصل التجاهل وعدم التجاوب مع
شروط الحركة يعني تغييرا مرتقبا في موقف النهضة من رئيس الحكومة . وكشف نفس المصدر ان اعضاء من مجلس الشورى اتهموا الشاهد بتحريك ما أسماه بالماكينة الاعلامية لمزيد “التهويل من مضامين الندوة الصحفية لفريقي الدفاع عن الشهيدين محمد البراهمي وشكري بلعيد”.
ووُضع الغنوشي ، حسب ما نقل المصدر وهو عضو بمجلس الشورى ، أمام تساؤلات قيادات من الحزب بخصوص دور رئيس الحكومة في ما اسماه بعملية استهداف النهضة باتهامها بتكوين جهاز سري ، وبان لأعضاء من الشورى معطيات تفيد ان رئاسة الحكومة اعطت تعليمات بالتضخيم الملف لارباك النهضة والضغط عليها وحشرها في الزاوية حتى لا تعيد طرح مسألة التعهد بعدم الترشح.
النهضة وتحديدا رئيسها الغنوشي لحقتها لعنة الانقسامات التي طالت كل الاحزاب بسبب الاصطفاف مع الشاهد ، وان يحاول “الشيخ” اليوم اتباع سياسية “الكرة في مرمى مؤسسات الحركة” فان الضرر الذي لحق مركزه وموقعه صلبها لا يبدو ان تقاسم الهزيمة ومحاولة توزيع مسؤولية بناء تحالف مع الشاهد ، يقول مقربون منه في رسالتهم المسربة إن تداعياته قد تدفع مؤسسات السيادة للتدخل لمنع انهيار مؤسسات الدولة في اشارة واضحة للجيش ، ستكون كافية لاعادة الأمور الى نصابها على الأقل في الوقت الراهن داخل الحركة ، ولن تعيد للشيخ الغنوشي موقعه ك”الشيخ الحكيم” الذي انقذ النهضة من ازمات متتالية على ضوء عودة الحديث عن مسؤوليته السابقة في جرها للمواجهة.. والمصير الذي عرفته قياداتها التاريخية.