الشارع المغاربي : اذا سلمنا بأنّ أي مهرجان هو لقاء احتفالي في الزمان والمكان يحمل مشروعا فنيا وفكريا يتوق دائما الى الابتكار والتميز ويكون فضاء
للاكتشاف.. فإن نظرة خاطفة لا تحيل للاسف الى واقع مهرجاناتنا .. لو أخذنا مهرجان «افينيون » مثلا كنموذج وهو اعرق مهرجانات المسرح في التاريخ الحديث الذي أسسه الممثل والمخرج المسرحي «جان فيلار » عام 1947 بإيعاز من صديقه الشاعر «روني شار » كأسبوع للمسرح ثم أصبح يحمل هذا الاسم بداية من 1954 للاحظنا أن هذا المهرجان كان محضنة للعديد من الممثلين والمخرجين الفرنسيين اولا ثم العالميين.
لم يبق هذا المهرجان على حاله بل تطور على مر المديرين فانفتح على المسرح المعاصر والرقص وكل أشكال الفرجة الحيّة. كما أصبحتوجّهه تشريك مخرجين في كل دورة والأخذ بتصوراتهم للمحتوى وتغليب طليعة الاعمال الفنية في بعدها الطريف والمتجدد.
السؤال الآن هل ان مهرجاناتنا العربية المسرحية تقوم بهذا الدور الذي تعلي من شأنه شخصيات مسرحية ام انها تسير على وقع ما تتيح لها المؤسسات الحكومية وما تقتضي المعطيات التي لا اتصال لها بالهدف الفني؟
ان السنوات المضيئة في مهرجان قرطاج كانت مع مؤسسها المسرحي المنصف السويسي ولاحقا محمد ادريس وغيرهما ممن أضفوا عليه طابعا متجانسا رغم شحّ الموارد المالية وتسلط الادارة.. ولكنه بات كأغلب المهرجانات العربية بلا طعم لها ولا نكهة اذ ان ما يميزه هو الطابع البروتوكولي والسياسي تُلقى في حفلات افتتاحه خطب الترحيب وترفع الاناشيد الرسمية والإعلام الخفاقة.. مهرجانات تبرمج من خلال المراسلات الادارية بين السفارات ومصالح الخارجية .. مهرجانات تقرر محتواها الدول المتعاقدة في اتفاقيات ثقافية.. مهرجانات تتباهى بعدد الدول وعدد العروض ولا تتباهى بالاشخاص والاعمال والقيمة ..(لاحظ ان برامج هذه المهرجانات لا تشير لدى ذكر الاعمال الى مخرجيها بل إلى بلدانهم ..أليس هذا مدعاة للسخرية..) كل العناصر لا تؤدي الى فضاء يكون فيه
العرض المسرحي بمقوماته الفنية والفرجوية هو الحدث وإنّما ترتكز على التظاهرة بضوضائها و ابعادها الهامشية الاخرى .. ثم ما معنى ان يرتبط اختيار العروض بآجال معينة لتقديم الترشحات؟ هل هي لخطة إدارية ام اشغال عامة ؟؟؟. أليس المهرجان نفسه هو محرض للمبدعين ومستفز لمن يرى
فيهم الكفاءة للإضافة ويغامر معهم حتى آخر لحظة؟ .. هل المهرجان صندوق بريد أم هو ذلك الفكر المدرسي في الحفاظ على فكرة التسابق .. خصصوا ذلك للهواة ودعوا المسرحيين يتواجهون ويتبادلون الخبرات ويتمازجون .. حتى يرقى مهرجان قرطاج ويصبح المنبر الفني الذي يقاس عليه .. لا بد ان يتحرر ماليا
وإداريا ويقطع مع الارتجال والنجومية الزائفة ويتحول مديروه الذين لا تعينهم الإدارة من وسطاء سلبيين في لجان ولوائح بيروقراطية إلى فاعلين ومتابعين ومثابرين وأصحاب «مشروع وشيوع ..