الشارع المغاربي – كوثر زنطور : 30 يوما تفصل حزب ” تحيا تونس” المثير للجدل عن عقد مؤتمره التأسيسي المزمع تنظيمه يوم 28 افريل القادم ، المؤتمر سيكون ” توافقيا” وسيكتفي بتزكية قيادة وطنية واختيار المنسق العام الحالي سليم العزابي امينا عاما للحزب والجديد الوحيد قد يكون ترشيح المؤتمر رئيس الحكومة يوسف الشاهد للانتخابات الرئاسية.
انتهى الامر بجماعة حزب حركة ” تحيا تونس” لاختيار الطريق السهل بالتوجه نحو عقد مؤتمر توافقي يقي الحزب وهو على أبواب انتخابات من انشقاقات قد تقضي عليه في المهد ، “تحيا تونس” الذي بلغ عدد منخرطيه الـ” 100 ألف منخرط” حسب الوزير الأسبق حاتم العشي ،لن ينظم انتخابات قاعدية ، ولا محلية ولا جهوية ولا مركزية ، وُضبطت الامور بشكل “توافقي” وسقطت بمقتضاها اول وعود الحزب في تنظيم مؤتمر انتخابي ديمقراطي من القاعدة للمركز .
مؤتمر جاهز
أعلن المنسق العام لتحيا تونس سليم العزابي في ندوة صحفية يوم 21 فيفري 2019 عن روزنامة المسار التأسيسي للحزب . على المستوى المحلي سيتم تركيز 370 مكتبا محليا يتكون كل منها من 15 عضوا ينتخبهم منخرطو الحزب وعلى المستوى الجهوي قال العزابي وقتها انه سيتم تركيز 33 مكتبا جهويا يتكون كل منها من 18 عضوا ينتخبهم منخرطو الحركة فيما سينتخب المكتب الجهوي كاتبه العام . اما على المستوى المركزي ، فقد أبرز العزابي في نفس الندوة ان قائمات ستتنافس لعضوية المجلس الوطني وان القائمة التي ستتحصل على اكثر عدد من الاصوات سيتولى رئيسها الامانة العامة للحزب.
هذا المسار يبدو انه قُدم للتسويق الاعلامي لا غير ، اذ ان المعطيات تؤكد انه على المستويين المحلي والجهوي ، تم تركيز مكاتب محلية وجهوية بـ”التوافق” ، باستثناء بعض الجهات على غرار المهدية ومدنين والمنستير ومنوبة والقيروان ، اما على المستوى المركزي فقد تم ايضا التوافق على قائمة واحدة سميت بالقائمة الوطنية .
وقدم كل من كاتب عام الحكومة رياض الموخر ومصطفى بن احمد رئيس كتلة الائتلاف وسليم العزابي قائمة ، وترؤس قائمة يعني وفق فلسفة التأسيس التي جاءت على لسان المنسق العام في ندوة 21 فيفري، الترشح ضمنيا للأمانة العامة للحركة التي ستكون اهم منصب في هيكلة ” تحيا تونس” ، وتقرر بعد ” مفاوضات” سحب القائمتين والابقاء على واحدة يترأسها العزابي الذي سيكون استنادا لذلك الامين العام للحزب .
وبذلك يكون الموخر وبن احمد قد انسحبا من سباق الامانة العامة تاركين المجال للعزابي رئيس قائمة تضم 60 قياديا ممثلين بالصفة ويتقاسمون نقطة أساسية هي ” الشرعية الانتخابية” ،بأشكالها المختلفة ، وفق ما كشف لـ “الشارع المغاربي” مصدر من الحزب ، والمعنيون بعضوية في ” المجلس الوطني” هم نواب كتلة الائتلاف الوطني ( 42 ) والوزراء ورؤساء البلديات .
وتضم القائمة ممثلين عن المنشقين من افاق تونس منحت اليهم تمثيلية تقدر بـ20 في المئة و منشقين عن الحزب الجمهوري بنسبة 10 في المئة ـ وترك المجال ، وفق نفس المصادر ، لعضوية شخصيات اخرى قد تلتحق بالحزب وهي في مشاورات حالية ، واستند توزيع “الحصص” في تركيبة المجلس الوطني وقائمته الوحيدة التي سيزكيها المؤتمر الى نتائج الانتخابات البلدية .
ومن المنتظر ان ينتظم المؤتمر في القاعة الرياضية برادس بحضور 12.000 مؤتمر ، ليكون بذلك أحد أضخم المؤتمرات ، بل وقد يكون الاضخم من حيث عدد المؤتمرين على الاقل . ونذكر في هذا السياق ان عدد مؤتمري حزب النهضة لم يتجاوز الـ1000 في مؤتمرها العاشر الذي شهد انتخابات حقيقية وصراعا حقيقيا حول اللوائح التنظيمية والسياسية بالتحديد.
ما يُتناقل في كواليس ” تحيا تونس” وعلى ضوء ترتيبات انعقاد المؤتمرالذي سيكون تقريبا شكليا بإسقاط الانتخابات والمنافسة ، يدفع للتساؤل حول اسباب مشاركة هذا العدد الضخم من المؤتمرين ؟ والاجابة البديهية تشير الى وجود بحث تسويقي لحزب كبير وبقاعدة جماهيرية كبيرة يراهن ، حسب اجتماع 27 جانفي ، على الفوز بأكثر من 109 مقاعد .
حرب تموقعات
الجديد الوحيد الذي قد يعلن من مؤتمر “تحيا تونس” هو ترشيح رئيس الحكومة يوسف الشاهد للانتخابات الرئاسية ، وهذا الترشيح سيبقى رهين موافقة الشاهد ، وفق ما اكد مصدر من الحزب الذي شدد على ان الحزب سيرشح رئيس الحكومة فيما يبقى له القرار الاخير بإعلان الترشح او رفضه .
وفكرة ترشح الشاهد للسباق الرئاسي وهو الذي يتصدر جل نتائج سبر الاراء ، كانت محل أخذ ورد داخل الحزب ، الذي كانت قياداته تنظر الى استحقاقات 2019 كأمر محسوم فيه ، بل ومن تحصيل الحاصل وتتحدث عن الفوز بأغلبية مطلقة” تمكنها من الحكم دون النهضة ومن تطبيق البرنامج الانتخابي للحزب.
لكن الامر تغير بشكل شبه جذري ، فقيادة الحركة التي كانت تضع ضمن نقاط التفاوض “مرشحا توافقيا للانتخابات الرئاسية ” ، ووضع في قائمة المرشحين الثلاثي كمال مرجان ومنذر الزنايدي والمهدي جمعة ، بدأت في التراجع بعد ان كشف الدخول الفعلي لغمار العمل الحزبي والانطلاقة المتذبذبة وضعف الواجهة القيادية ووقع حصيلة الحكم ، استحالة تحقيق سقف الطموحات الانتخابية المحددة.
اذ ان الحزب لم يحقق منذ الاعلان الرسمي عن تأسيسه من المنستير ، نجاحا في اهم مؤشرات الانتشار وهي الاستقطاب .فباستثناء ” القيادات المنسية” او الصفوف الثانية لاحزاب النداء وافاق والجمهوري والتكتل ، لم يشهد الحزب انخراطات نوعية ، بل وتشق جزءا من قياداته شكوك حول قدرته على استيعاب مكوناته الحالية المتنافرة وقدرته على بلورة عرض سياسي واضح يخرجه من منظومة “المحافظة على الاستقرار الحكومي” التي تشكل بدورها عمود تحقيق الطموحات السياسية بالتمديد في الحكم .
هذه الطموحات وراء حرب تموقعات داخل الحزب ، الكتلة ونوابها الذين يرون ان لهم شرعية التأسيس وأنهم أصحاب “براءة الاختراع” ، وبين جماعة الحكومة وتحديدا الوزراء الذين يبحثون عن موقع قدم في قيادة الحزب يمكنهم من مقعد مستقبلي ، وجماعة “الكواليس” من رجال اعمال وعائلات نافذة باتت ترى في نواب وقيادات حالية حملا على الحزب وسببا من أسباب تعطل انتشاره .
هذه الحرب انطلقت ليلة الاعلان عن التأسيس ، وازداد وقعها مع اقتراب موعد المؤتمر ويبدو ان “خيار التوافق” واسقاط آلية الانتخاب كانا الحل الامثل للحيلولة دون ان تتسبب في انفجار الحزب وهو في خطواته الاولى ، وأسقطت معه وعود تنظيم مؤتمر “الاول من نوعه في تونس” كما وصفه احد قيادييه ، ويكون حسب المؤشرات الاولية غير بعيد عن مؤتمرات “الصالونات” معلومة النتائج .
ويبدو ان ما جد في كتلة الائتلاف الوطني ، وكيف اسقطت الانتخابات لعضوية التنسيقية التسييرية الوقتي نوابا شكلوا النواة الاولى للمشروع ، من أسباب خيار “المؤتمر التوافقي” والامين العام التوافقي ، وحرم بذلك الـ” 100 الف منخرط” من فرصة انتخاب قياداتهم بشكل ديمقراطي.
ما يحدث داخل حزب ” تحيا تونس” حاليا يعكس هشاشة التأسيس لحزب بني على انقاض احزاب اخرى مقدما رغما عن ذلك نفسه كبديل ديمقراطي عن تجارب الاحزاب ” الكارتونية” التي اعدمت فيها الانتخابات والمنافسة وحرمت القاعدة من اختيار ممثليها ، لتبين الخطوات الاولى ان تقديم الشعارات سهل وان الممارسة الحقيقية والفعلية لديمقراطية حزبية هي الرهان الصعب .
صدر بالعدد الأخير من اسبوعية “الشارع المغاربي”.