الشارع المغاربي : لا يزال سيناريو المشاركة الضعيفة في الانتخابات البلديّة لعام 2018 يقضّ مضاجع الأحزاب والطبقة السياسيّة وسائر المنشغلين بقضايا الشأن العام، نظرا إلى عزوف حوالي ثلثي المسجّلين آنذاك عن التصويت. فلا ريب أنّ تكرار ذاك المشهد الانتخابي المربك خلال الاستحقاقات التشريعيّة والرئاسيّة لعام 2019 من شأنه أن يُعيد إنتاج سلسلة خيبات السنوات الماضية، بل وقد يُغذّي مشاكل البلاد التي ما فتئت تتفاقم منذ الثورة… لا حلّ إذن لتجاوز الوضع المترهّل على شتّى الأصعدة إلّا بالتعويل على مقاومة العزوف الانتخابي السائد.
وهو ما نأمل أن يُتيح إمكانيّة تغيير الأوضاع وتأمين الحدّ الممكن من الاستقرار، في ظلّ ما يُطلق من حملات لضرب النظام الديمقراطي وتشريع الفساد السياسي والحنين لسنوات الاستبداد والديكتاتوريّة…لا نُشكّك طبعا في أهميّة حملة التسجيل الموسّعة للانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة المقبلة التي أطلقتها، مؤخرا، الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، لاسيما أنّ عدد غير المرسّمين بعد في السجلّ الانتخابي يتجاوز 3 ملايين شخص.
ولا شكّ في أنّ القدرة على تقليص هذا العدد الهائل بشكل معتبر هو الكفيل أوّليّا بتحديد ملامح المشهد السياسي التونسي لما بعد الاقتراع العام المقبل. فقد أضحى العزوف عن التسجيل والتصويت واقعا معلومًا تُقرّ حتّى هيئة الانتخابات نفسها بأنّه يُشكّل أبرز مخاوفها. وهو ما لا يخدم عمليّا إلّا الأحزاب التي تمتلك خزّانا انتخابيّا كبيرا، وتحديدا حركة النهضة أوّلا والمشتقّات المتصارعة لحركة نداء تونس ثانيا.
من الضرورة إذن أن تبذل هيئة الانتخابات ومكوّنات المجتمع المدني وكلّ من يُؤمن بإمكانيّة تونس أفضل أقصى الجهود لمقاومة استمرار العزوف المحتمل. وهذا يتطلّب قدرا كبيرا من الحكمة والرصانة لتشجيع التونسيّين على المشاركة بكثافة في الاستحقاقات المقبلة لأنّها ستحدّد مصير بلادهم واستقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ومن دون شكّ أنّ للأحزاب أيضا دورا محوريّا في هذا المضمار، ينطلق بالأساس من وجوب تحمّل مسؤوليتها في تجنّب حملات التشويه البذيئة المتبادلة والاستخفاف بالتونسيّين والاكتفاء بمخاطبة عواطفهم والإمعان في تقسيمهم…
وفي حال تمادت النُّخب السياسيّة في تغذية أجواء التشاحن والتكالب والشعبويّة والانقلاب المستمرّ على مواقفها بين اليوم والآخر، فإنّ لا نتيجة تُرتجى باستثناء تعميق نزيف منسوب الثقة بين فئات واسعة من الشعب والطبقة السياسيّة عموما. فلئن كان التصويت العقابي مضرّا بأحزاب أو تيّارات معيّنة، فإنّ مقاطعة الاقتراع العامّ تضرّ بالدولة برمّتها. ومن المعلوم أنّ قضيّة العزوف الانتخابي لا يُنظر إليها إلّا في مدار أزمة الثقة السائدة. ومن أهمّ مسبّباتها التنكّر المسترسل للوعود الانتخابيّة وعدم الإيفاء بالحدّ الأدنى من الانتظارات الشعبيّة، وخاصّة في ظلّ تفاقم صعوبات الحياة أمام الارتفاع الجنوني للأسعار وتفاقم نسبة التضخّم وتراجع قيمة الدينار والعجز عن إيجاد الحلول لمشاكل البطالة…
وليس سرّا التصريح بأنّ درجة النجاح في تحفيز فئة الشباب على المشاركة في الاستحقاقات الانتخابيّة المقبلة من شأنها أن تُؤثّر في تحديد الخارطة السياسيّة لما بعد الانتخابات. فلا يخفى أنّ حوالي ثلث المرسّمين في السجلّ الانتخابي لعام 2018 هم من الشباب وتحديدا من الفئة العمريّة 18/35. وهي نسبة يُفترض أن تتصاعد في حال نجحت هيئة الانتخابات في حملة التسجيل الأخيرة.
لا بدّ كذلك من تذكير وسائل الإعلام التونسيّة بخطورة مهامها، في هذه المرحلة الدقيقة، إذ عليها الترفّع عن الأجندات والمصالح السياسيّة لهذا الحزب أو ذاك، فضلا عن تجنّب الدعاية للمغالطات التي باتت تروّجها بعض وكالات سبر الآراء. وفي المقابل عليها بذل ما أمكنها من جهد لإعادة الثقة إلى الناخب التونسي في النظام الديمقراطي الذي لا نمتلك سبيلا غيره لإحداث التغيير المنشود…
صدر بالعدد الأخير من أسبوعية”الشارع المغاربي”.