الشارع المغاربي – العربي الوسلاتي : يمكن القول إنّ كرة القدم التونسية تعيش واحدة من أحلى وأزهى فتراتها على مرّ التاريخ خاصة على مستوى الأندية ويأتي التأكيد تحديدا من نجم الكرة التونسية وأحد أهمّ قلاعها الحصينة فريق النجم الرياضي الساحلي الذي توّج حديثا بلقب البطولة العربية بمسمّاها الجديد في نخستها الحالية كأس زايد للأبطال وحجز كذلك أمس بطاقة العبور الى نصف نهائي كأس الكنفدرالية الافريقية لكرة القدم أمام الهلال السوداني بعد أن نجح منذ أيّام قليلة في حجب هلال السعودية في الوقت الذي تحتفظ فيه الكرة التونسية كذلك بقلب الأميرة الافريقية الأسيرة في خزائن شيخ الأندية التونسية الترجي الرياضي.
بالتوازي مع ذلك تحافظ كرة القدم التونسية على حظوظها كاملة في مواصلة حصد الألقاب والتتويجات الافريقية بما أنّ الترجي الرياضي التونسي متواجد للسنة الثانية على التوالي في نصف نهائي كأس رابطة الافريقية وينطلق بحظوظ وافرة لأسر اللقب مجدّدا وهو نفس الشيء لممثل الكرة التونسية الثاني في كأس الكنفدرالية النادي الصفاقسي الذي حجز مقعده مبكّرا في المربّع الذهبي. ولكن قبل الحديث عن فرص فرقنا في التتويج القاري من جديد بما أن الأمر يبدو سابقا لأوانه يبدو لزاما علينا السير قليلا خطوات الى الخلف لاستحضار بعض الذكريات الجميلة التي تحتفظ بها الذاكرة وستخلّدها طويلا من ملحمة الأبطال التي سطّرها جنود ليتوال في ملعب هزّاع بن زايد في مواجهة زعيم الكرة الآسيوية الهلال السعودي صاحب الأمجاد والعتاد والمليارات وما حصل يومها من إنجاز تاريخي لنجم تونسي كان أكثر توهّجا وبريقا من هلال السعودية.
مسيرة بطل…
قبل الحديث عن المباراة النهائية وما دوّنت من أرقام وعناوين في حوار الأٌقدام عاش بطل العرب الجديد لحظات خالدة وحالمة في بطولة ستبقى لسنوات محفورة في الأذهان بالنظر الى قيمة الفرق التي شاركت فيها وكذلك سقف المبالغ الخيالية التي تمّ رصدها من قبل “عرّاب” البطولة شيخ العرب تركي آل الشيخ.. وقد سلك النجم التونسي طريقا وعرة وطويلة وخاض دروبا صعبة وشاقة في مسيرة حافلة بالانتصارات والزعامات قبل الوصول الى خطّ النهاية. ولأنّ التربّع على عرش الكرة العربية يتطلّب تظافر عديد العوامل لوجيسيتا وفنيا وكثيرا من الامكانات البشرية والمادية يمكن القول إنّ النجم الساحلي صنع لنفسه خارطة طريق خاصة به أهّلته ليكون بطلا من ذهب بعد أن حجبته تخمينات الورق عن كل الترشيحات والتصنيفات. النجم كان بالفعل بطلا قولا وفعلا ومسيرته البطولية في المسابقة العربية كشفت أن هذا التتويج لم يأت صدفة ولم يكن مجرّد حظّ عابر قاد الكتيبة الساحلية الى “البوديوم” الغالي.. النجم الساحلي فاز على أعتى وأقوى الفرق العربية وأعتاها فقهر كبيري الكرة المغربية الوداد والرجاء وأعاد زعيم الكرة السودانية المريّخ الى الأرض قبل أن يختتم جولاته في الملاعب العربية بالإطاحة بأكبر المرشّحين وأوفرهم حظا لحصد اللقب ونعني الهلال السعودي الذي نصّبته التخمينات والتوقّعات بطلا قبل ضربة البدايات وحتى قبل انطلاق رحلة التصفيات.
انجاز كبير وتحدّ أكبر…
في بداية الموسم لم يكن النجم الساحلي في أفضل حالاته خاصة على المستوى المحلّي وكانت البدايات أشبه بكابوس أقضّ مضاجع جماهير الفريق التي نادت في أكثر من مرّة بالتغيير وقد رفعت في بعض الأحيان في سقف مطالبها حتى باتت الهيئة المديرة للنادي على أرض متحرّكة وتوقّع كثيرون سقوطها قبل الأوان. ولكن بمرور الوقت ومع حلول ركب المدرّب الفرنسي روجي لومار تغيّرت الأحوال الى أحسن حال وعدّل الجنرال كلّ الأوتار واستعاد النجم توازنه وثباته وخاصة بريقه المسلوب وبات منافسا جديا على كلّ الواجهات وأوّل الغيث كان أهمها على الإطلاق التتويج بالبطولة العربية. وصول الجنرال قلب كل الموازين داخل الفريق والأهم من اضافته الفنّية أنه أعاد الأمان والثقة الى الكتيبة الساحلية وأخمد طواعية كلّ الأصوات المعارضة والمنتقدة لسياسات الهيئة الحالية فكان الانجاز بحجم الاعجاز الذي حصل لأنه لم يكن أكثر المتفائلين من جماهير النجم يتوقّع أن يتغيّر حال الفريق الى ما هو عليه اليوم لولا عصا الساحر الفرنسي الذي حوّل كلّ النقاط السلبية الى موجات ايجابية يتغنى بها الصغير قبل الكبير في سوسة.
الانجاز كان كبيرا ولكن التحدّي الرياضي كان أكبر لأنّ وضعية النجم لم تكن تسمح بالخوض في فرضيات التتويج والعودة الى سكّة المراهنة محليا وقاريا لكن رباطة جأش رئيس النادي رضا شرف الدين وتمسكه بالبقاء صامدا واقفا واثقا من نفسه ومن مواقفه جعلاه يكسب التحدي الذي بدأ بإقناع الفنّي العجوز بالجلوس مجدّدا على بنك النجم وتواصل بعدها بتغيير كل الحقائب الادارية في الفريق. ورغم السير عكس التيار جرت الرياح كما يشتهي ربّان سفينة النجم الذي عاد وبقدرة قادر الى واجهة الأحداث من الباب الكبير بعد أن أسكت كلّ الأصوات الناقدة التي لاحقته منذ خروج زياد الجزيري وحسين جنيح.
ساحر الجيلين…
في العادة وككلّ مناسبة تُقرع فيها طبول الفرح يكون للنجاح الف أب أما الفشل يكون طفلا يتيما بلا نسب ولكن في موضوع الحال فإنّ أب النجاح الحقيقي في النجم الساحلي هو المدرّب الفرنسي روجي لومار الذي حوّل الرماد الى ذهب وفعل بالنجم كلّ العجب. “الأب روجي” صاحب السعادة في كرة القدم التونسية لم يكتف بتحسين بعض الجوانب الفنّية والتكتيكية في الفريق ولكنه وعلى غرار ما قام به في عام 2004 عندما قاد الكرة التونسية الى التتويج بالكأس الافريقية الأغلى لأوّل مرّة في التاريخ غيّر الكثير في نفسية اللاعبين وخاصة في عقليتهم… “الجنرال” اهتم بحجرات الملابس قبل كواليس الميدان وأعاد للاعبين ثبات الأذهان وحوّل شبح الهزيمة الى وقود العزيمة فتحوّلت تشكيلة النجم الى كتيبة من القوات الخاصة تغزو ملاعب الخصوم بلا هوادة. ورغم بعض الهزات والعثرات حافظ النجم في عهد لومار على هيبته ووقاره وخاصة على استقراره الفنّي والاداري ولم نعد نسمع عن حركات تمرّد في صفوف اللاعبين أو تململ في بنك الاحتياطيين أو رسائل مشفرة من المدرجات ومن حناجر الجماهير. اليوم هناك شبه إجماع في سوسة على أنّ العجوز الفرنسي مثال حيّ للقائد المهاب الذي يفرض الانضباط والاحترام لذلك لا غرابة أن يكون النجم بطلا للعرب طالما يقود طائرته قائد من ذهب. قائد يعتبر ساحر الجيلين في كرة القدم التونسية لأنه بنى أمجادها في 2004 وعاد ليبنيها مجدّدا.
نزال المال والرجال…
بعيدا عن الخوض في جدارة النجم بالتتويج بالكأس العربية ودون الغوص في حسابات الأرقام الفلكية والمبالغ القياسية التي غنمها النجم من وراء فوزه باللقب فإن أحلى ما رسب في قاع الذاكرة التونسية التي عاشت كلّ فصول تلك الأمسية التاريخية هو فوز النجم على كبير قومهم في آسيا والخليج… أحلى ما في تتويج النجم أنه جاء أمام منافس كبير قيل في شأنه الكثير…منافس ميزانيته تفوق بكثير ميزانيات كلّ الأندية التونسية الكبيرة مجتمعة… منافس هدّافه الأوّل “غوميز” يفوق سعره في بورصة تنقلات اللاعبين كلّ لاعبي النجم مجتمعين… أحلى ما في الأمر أنّ النجم حجب الهلال الذي لا يُحجب حسب رأي كثيرين وهزم كبيرهم في حضرة أميرهم بالعزيمة والاصرار وبحضور الـ”فار”… أحلى ما في هذا التتويج الباهر أنه جاء بعناوين تونسية خالصة انتصرت على الزمان والمكان وعلى كثير من العباءات وبعض النعال… أحلى ما في النجم وفي هذا الامتياز التونسي الخالص أنه جاء ليؤكّد مرة أخرى أن تونس ستبقى دائما شامخة شاهدة على صولات وجولات أبناءها وأبطالها وأن هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة كبيرة بكفاءاتها ورجالاتها…
قبل بداية المباراة وفي خيمة التحليل وعلى طريقة أمسيات الشعر في الليل الطويل هناك في بلدان تعتبر نفسها وحدها شعبا أبيّا أصيل سخر الحاضرون بحياد ملعون من امكانات النجم ومن قدراته على مجاراة نسق الهلاليين فكانت النتيجة ضربة في البدايات و”صفعة في التسعين” ليخرج النجم بطلا للعرب غصبا عن كل العرب ويكون كما عهدنا جميعا عزم الرجال أشدّ وقعا من سلطان المال…