الشارع المغاربي – معز العاشوري: قد تجفّف المنابع ويعلّب الخطاب السياسي في المطابع وتكمّم الأفواه وتُذَلُّ الرجولة وتُخصى الذكورة فتغيب الفحولة وتجفّ الأنوثة .. ويحدث أن ينتفض شعب بعد تعب يهتزّ له جسد امرأة في فترة الخصوبة تبتغى الأمومة، وقد تجرّب اختبار الحمل وتحتفي بكونها حبلى ولكن من يكون الأب…؟
في فوضى الثورة تنفتح الشهوات الإيروتيكية السياسية وتتعدّد الأحزاب باختلاف إيديولوجياتها وتخضع لقواعد لعبة الإنتخاب وتستعدّ المضادات للإنقلاب وتتحرّك ماكينة الإرهاب بهدف الاستيلاء الأبوي على السلطة ويبدع السياسيون في ممارسة الطقوس الإيروتيكية أو البورنوغرافية السياسية لتحقيق فعل الإشباع “كأنّه نكاح في الجاهلية”دون التفكير في شرعيّة الأبوّة حيث تتوه سمات الأب الشرعي بين تطرّف الإيديولوجيات ووحشيّة البراغماتية السياسية وتبقى الولادة مهدّدة بالإسقاط أو التشويه أو الإعاقة الثقافية وتبقى الأم الحبلى مرتبكة وخائفة على مصير ابنها… هكذا ورّطت الفنانة جميلة الشيحي في عملها الفني الأوّل “ولد شكون؟” السياسي في صيغ جنسية وفكّت حصانته السياسية ليصبح كتلة جسد رأس ماله قضيبه الذي يظلّ في بحث دائم عن “الريزو” لإشباع رغبته الجنسية السياسية.
يصنع كاتب النصّ أنس بن مالك قاموسا لغويا يجمع مرادفات وصيغ من أنساق مختلفة ومتضادّة سياسية وجنسية وثقافية وإعلامية لتتعاضد وتتناسق فتشكّل دلالات مسرحية تعرّي الواقع السياسي الراهن في تونس. وتكشف خلفيات الشخوص التي ترتدي أقنعة مزيفة فتجعلها مَدْعاة للسخرية ، حيث تبتني الكتابة الدراماتورجية على الإستعارات والرموز ذات المرجع الواقعي والاجتماعي والثقافي والسياسي وتجعل المشترك واحدا بين الباثّ والمتلقي مما يدفع بالتفاعل والتشارك بينهما في عديد المقطوعات المسرحية التي تحمل مواقف انسانية وسياسية على غرار المرأة التي تجرّب آلة اختبار الحمل بطريقة مثيرة للسخرية … أو تعرية واقع المثقفين اليسارين في جلساتهم الخمرية الشهوانية على أغاني الشيخ إمام أو فضح السلوكات الوحشية لـ”أبو خزامة” رجل الدين المتطرّف والشهواني والعدائي أو كشف وضع المرأة التي انتخبت فانتكست فناحت وصرخت “خنتنا..خنتنا..” .
تتعدّد الشخوص التي ترمز لشخصيات بعينها إلى اتجاهات سياسية مختلفة على غرار “سي الفاضل” شخصية تنتمي للتجمّع الدستوري الديمقراطي يغلب عليها النفاق السياسي والخنوع والمراوغة ممّا يجعل مناعتها الجنسية ضعيفة وغير مستحَقّة لشرف الأب الشرعيّ لتونس الحبلى.
أمّا شخصية سهيل المثقف اليساري فهو غارق في ذاته الشيكيزوفرنية بين زمنين متباعدين لا يتلاقيان ممّا يجعله معارضا لكلّ شئ غير حامل لبرنامج وطني، رافضا للتشارك مرتبكا في ممارساته الجنسية السياسية مفتقدا لواقعيّة الأب الشرعي، ممّا يجعل تونس الأم تائهة وخائفة على مصير ابنها الذي يبكي وهو لا يزال في نطفته الأولى أمام عديد العلامات التراجيدية التي توحي بالسقوط والاندثار كـ”فاجعة الرضّع” و”مأساة نساء سيدي بوزيد”، وتستمرّ الأم في البحث عمّن يستحقّ البطولة في قيادة البلاد، ليجمع العائلة التونسية بعد تفتّتها، حتى تصادف رجل السلطة الذكي والفطن صاحب المقاولات وصاحب الخبرات في التعاملات مع النساء وشركاء “اليمامة الزرقاء”، لكنّها تُفاجأ بضفعه وقلّة حيلته أمام ابنيه اللذين افتكّا منه السلطة أحدهما ابنه الشرعي كثير اللعب والعبث والتدخل في كل شيء والآخر ابنه بالتبني الذي انفصل عنه وافتك منه سلطة المقاولات واختطف ما تبقى له من العمّال والشركاء …وهو ما أربك الأم ليزيد من رعبها.
أبدعت الفنانة جميلة الشيحي في صناعة الفضاء المسرحي من خلال تقمّص شخصية المرأة التونسية “ليلى” التي تتأقلم مع كل الفضاءات الثقافية أو الدينية أو الترفيهية وتستوعب كل الاتجاهات الفكرية والسياسية، هدفها الحب والعيش المشترك والولادة والتربية ممّا جعلها تتحكّم في “فعل التقمّص” بارتدائها أقنعة عديدة وقدرتها على الانتقال من شخصية إلى أخرى أو من وضعية إلى ضدّها بسلاسة وسرعة وحنكتها في التعامل مع الأشياء وجعلها أيقونة تساهم في صناعة الفضاء المتخيّل كأن تحوّل الأريكة الطويلة فراشا للنوم أو منبرا للخطاب أو صندوقا ويصبح الهاتف الجوّال هو الآخر الذي يصنع الحوار الإفتراضي مع الشخصية وهو ما مكنّها من العزف على جميع الآلات بأوتار مختلفة فاضحة للممارسات السياسوية.
زادها المخرج غازي الزغباني تفاصيلا فنية في التعامل مع الشخصيات والفضاء وإضفاء دلالات سياسية وثقافية تحملها العناصر الفنية الأخرى على غرار الملابس والموسيقى والإضاءة.