الشارع المغاربي : –بقلم محمد بوعود- منذ اليوم الاول لمباشرة النواب مهاهم وأداء اليمين الدستورية، بدأ ائتلاف الكرامة يثير الانتباه، سواء بتصرف بعض رموزه خلال الجلسة، او بمواقف وتصريحات بدت نوعا ما مختلفة عن بقية النواب، رغم أنه معني مثلهم كتنظيم سياسي باستحقاقات المرحلة وما تتطلب من توازنات في البرلمان ومن تحالفات وتوافقات ومفاوضات حول الحُكم.
انتخابات اليومين الاول والثاني في رحاب مجلس النواب، التي صعدت الغنوشي ونائبيه الشواشي والفتيتي، بدأت تثبت الرأي القائل بأن ائتلاف الكرامة لن يكون الا جناحا من أجنحة النهضة، وأن وجوده في البرلمان سيكون فقط لخدمتها والتصويت لمشاريعها دون أن يكون مبادرا وفاعلا، وأنه حتى لو بادر فليس بالضرورة ان تقف معه حركة النهضة.
ولا أدل على ذلك من صدمة اليوم الثاني، فالمفروض أن الائتلاف حليف للنهضة وفق تعبيره هو على الاقل، وهو الذي سعى منذ اليوم الاول لانتخابه الى التقرب من النهضة وعرض عليها التحالف حتى بالمجان، أي دون مقابل، ولم يجادلها أو يشترط عليها مثلما فعل التيار وحركة الشعب، فالمفروض أن تكون ايضا حليفة له وتعامله بنفس الطريقة التي عاملها بها، وان تقف معه وتصوت لمن اختار ان يكون نائبا ثانيا لرئيس المجلس مثلما صوت هو باجماع أعضائه للغنوشي، لكن العكس هو الذي حصل، وصوتت النهضة للفتيتي رغم أنه مستقل وقادم باسم كتلة ائتلافية لا تمثل ثقلا برلمانيا ولم تعبّر عن مساندتها وتحالفها علنا مع حركة النهضة مثلما فعل ائتلاف الكرامة.
هذه الخطوة الاولى كرّست نوعا ما النظرة القائلة بأن الغنوشي لن يعطي شيئا لائتلاف الكرامة، ولا يريدهم أن يكونوا شركاءه في القصبة، ولا جالسين الى جانبه في باردو.
وهي نظرة وقع تداولها في عديد الاوساط النهضوية التي تقول ان الغنوشي يرى في ائتلاف الكرامة عبئا عليه في الحكم وفي المجلس، وأنه لا يريد شراكة معهم، وأن دورهم بالنسبة له ينتهي عند صعودهم لا أكثر ولا أقل.
آخرون يذهبون الى ابعد من ذلك بكثير، يقولون إنه لم يُرد لهم أن يكونوا في البرلمان اصلا، وأن وجودهم وصعودهم بهذه الطريقة اللافتة جاءا نتيجة دعم لامحدود من قبل عضده الايمن نور الدين البحيري الذي ساندهم ومكّنهم من كل آليات النجاح في الانتخابات ووقف معهم معتقدا أنهم سيكونون سندا للنهضة، ويكونوا بالاحرى يدها التي تضرب بها خصومها، وتوكل لها المهام التي لا تناسبها هي كحزب حاكم.
هذه النظرية تجد دلالاتها في تصرفات وتصريحات أعضاء ائتلاف الكرامة أنفسهم، والذين ما انفكوا يهاجمون اتحاد الشغل بضراوة رغم ان المعركة في حقيقتها بين الاتحاد والنهضة منذ سنة 2011 وانه لا علاقة لهم بالموضوع لا من قريب ولا من بعيد، ولا هم حكموا وتصادموا مع الاتحاد ولا حتى كانت لهم قوة سياسية في السنوات الماضية لم تتوافق مع توجهات الاتحاد او لم يتناسب طرحها مع طروحاته.
كما أنها تجد دلالاتها ايضا في بعض التصرفات التي أتاها نوابه منذ اليوم الاول، والتي تشير بكل وضوح الى أنهم يصفّون حسابات النهضة وليست حساباتهم الشخصية، كرفع شارة رابعة، التي سبق ان رفعها نواب من النهضة خلال المجلس المنتهية عهدته، ثم انقطعوا عن رفعها لاسباب سياسية باعتبارهم حزبا حاكما لهم ما لهم وعليهم ما عليهم من التزامات الدولة التي يحكمونها، عربيا ودوليا.
في الوقت نفسه أقدم عليها كل من بشر الشابي والامام رضا الجوادي وغيرهما من نواب ائتلاف الكرامة في حركة لا نعرف ما هو مغزاها السياسي وان كان معناها التضامني مع ضحايا رابعة معروفا ومعلوما لدى الكثيرين في العالمين العربي والاسلامي، لكن الوصول الى حد رفعها والدخول بها من أول يوم في برلمان بلد عضو في جامعة الدول العربية وتربطه بمصر علاقات ثنائية جيدة، فهذه لا يمكن أن تفعلها النهضة، أو بالاحرى لا يمكن لها أن تعيدها لانها فعلتها سابقا، ويبدو أن الردّ جاءها حاسما من احدى الجهات.
أما بخصوص التصادم مع عبير موسي، والذي انساق اليه بعض نواب ائتلاف الكرامة لدرجة من الصبيانية في اغاضتها عن تعمد أثناء تلاوة اليمين الدستورية، رغم أنها اعترضت على قرار الغنوشي بأدائها جماعيا وطلبت نقطة نظام، ولم تعترض على نواب الكرامة ولا اقتربت منهم أصلا في تلك الجلسة، وحتى ان اعتبرت قد أخطأت في حق رئيس الجلسة راشد الغنوشي، فإنه كان الاولى ان يرد عليها نواب من النهضة وليس من ائتلاف الكرامة.
التطور الاخر في علاقة ائتلاف الكرامة بحركة النهضة وبمختلف مكونات المشهد السياسي داخل البر لمان، لخّصه عماد دغيج في فيديو بثه على صفحته ليلة الجمعة، تحدث فيه عما وقع من تحالفات ومن مشاورات قبل وخلال التصويت على رئاسة الغنوشي وعلى نائبيه، وبيّن بما لا يدع مجالا للتأويل كيف ان النهضة “غدرت بهم” ولم تعاملهم مثلما تعاملوا معها، وأنها فضلت التعامل مع أحزاب “الفساد” مثلما سمّاها.
وأشار أيضا ضمن حديثه الى أنه لا يبدو أن الحركة تريد ان تتناقش معهم من منطلق الندّ للندّ، والى أنها لا تنوي منحهم حقائب وزارية، وهو ما ظهر من خلال قوله في الفيديو، “قلنالهم نمشيو معاكم حتى من غير ما نشاركو في الحكومة… نحن نساندوكم” وهو دليل على أن النهضة لم ترحّب بهم كشركاء في الحكم، ولم تعرض عليهم مناصب.
وهو ما أكده موقفها من خلال التصويت لطارق الفتيتي في البرلمان، ومن خلال أيضا حضور سيف الدين مخلوف في قناة “حنبعل” صحبة عامر العريض، حيث بدت المرارة ظاهرة من حديثه عن العلاقة مع النهضة وكيف أنها تفضّل التعاطي والتفاعل مع أحزاب “الفساد” وتبحث عن حلفاء من خارج من عرّفهم بالصفّ الثوري، لا لشيء الا لتحكم ولتوثق علاقاتها بالاخرين حتى على حساب انتظارات من انتخبوها ومن تحالفوا معها.
كلام سيف الدين مخلوف في قناة “حنبعل” بدا مليئا بنوع من العتاب والنقد لاداء الحركة خلال جولات المفاوضات السابقة، وخلال اليوم الاول والثاني من جلسات البرلمان، وأكد ان خياراتها لا تلزم الائتلاف رغم أنه مستعد لمساندتها، لكنها اختارت ان تحكم مع حزب قلب تونس على ما يبدو، وأدارت ظهرها لحلفائها.
وهنا يتبادر الى ذهن كل متابع للحياة السياسية سؤال: ماذا سيكون دور ائتلاف الكرامة خلال العُهدة الجديدة للبرلمان؟
فالتيار الديمقراطي وحركة الشعب اختارا التحالف في كتلة معارضة ستكون بلا شك حازمة وقاسية في محاسبة الحكومة وفي نقد برامجها وتوجهاتها، وقلب تونس يبدو أنه اختار ان يكون شريكا في السلطة، وسيلعب دور النداء سابقا، وحزبا عبير موسي والرحمة وكتل الشاهد والناصفي وغيرها لازالت تتشكل الان ولم تتضح ملامحها ولا توجهاتها، في حين ظلّ ائتلاف الكرامة الى حدّ الان غير معروف الجهة التي سيتمركز فيها، فهو محسوب على النهضة أي على الحكم، وهو بنفسه ومن خلال تصريحات كل رموزه ونوابه قال إنه مساند لحركة النهضة، في نفس الوقت النهضة انخرطت في مسار تحالفي على ما يبدو مع قلب تونس وآخرين، وهو يرفض التعاطي مع هؤلاء وهؤلاء، فأين سيتموقع بالضبط، وما هو دوره في البرلمان وفي الحكم القادم؟ ذاك ما ستكشف عنه الايام والاسابيع القادمة، رغم أن كثيرا من المتابعين يقولون إنه لن ينال حقائب وزارية ولن يتعدّى دوره دور رأس حربة في مواجهة خصوم النهضة، حتى دون مقابل.