الشارع المغاربي: تروح وتجيء الانتخابات وتبقى تونس. لكن أن يصبح أحد الرموز العالمية لحركة الاخوان المسلمين رئيسا للبرلمان التونسي قلب السلطة حسب الدستور القائم في الوقت الذي ما انفك الوزن الانتخابي لذلك التيار ينزل بانتظام إلى الأسفل، فإن التفسير الوحيد لذلك هو تراجع القوى التقدمية وما خلق ذلك من فراغ مهول تم ردمه بكل أنواع وأشكال المغالطات والأوهام والترهات.
وتحت غطاء مقاومة الفساد والتمسك بأهداف الثورة تتم عملية ممنهجة وخطيرة رجعية المحتوى وفوضوية الأشكال وانغلاقية المنحى غايتها الوحيدة نسف مكاسب تونس الإصلاحية التاريخية مثلما جسدتها بالخصوص دولة الاستقلال وتعميق الفراغ الأخلاقي والفكري والسياسي حتى تتوفر الأجواء المناسبة لتنظيم وتنفيذ الهجمة الهمجية على إحدى أكبر التجارب العربية والإسلامية تجذرا في الحداثة وحقوق المرأة والتعليم المنفتح على الكون والمكتسبات الاجتماعية والابداع والبحث والتفاعل الإيجابي مع المحيط العالمي المتنوع وتنمية الشخصية التونسية الطريفة المتأصلة في ثقافتها الخصوصية والمتفاعلة إيجابيا مع مكتسبات العصر التقدمية.
وبعد تأثير “لطخة” الانتخابات ونتائجها الغريبة رغم أنها كانت متوقعة نظرا لتشتت وانقسامات الجبهة التقدمية وانغماسها في ممارسات الانتقام والتشفي في ما بينها وبعد الحيرة والتساؤل والتخوف من المجهول ومن المخاطر التي تهدد الوطن العزيز والتجربة التونسية الرائدة يأتي وقت رد الفعل الإيجابي والتصحيح المطلوب بما فيه وربما بالأساس بناء على استخلاص دروس التجربة وتجاوز العوائق الذاتية والتسريع بالخروج على البلاد والعباد بمبادرات وقرارات الفعل الإيجابي.
والجواب على الوضع الوطني المتردي ومآلاته المنتظرة نحو المزيد من السلبيات لا يتمثل فقط، رغم أهمية ذلك، في نقد “الطرف المقابل” ولكن أيضا في تقديم الاقتراحات سواء في ما يتعلق بالوضع التونسي الراهن والصعوبات المتنوعة والمتعددة والإجراءات المطلوبة لإيقاف النزيف أو في ما يهم البديل المتكامل كطرح مغاير لما أفرزت الانتخابات الأخيرة من لخبطة وسفسطة وهواية وتراجع مهول عقود إلى الوراء في خصوص تسيير الدولة واحترام نواميسها.
وأحسن رد إيجابي على هذا الوضع هو 20 مارس 2020 بمناسبة الذكرى الرابعة والستين لعيد الاستقلال ليكون موعد تنظيم “الندوة الوطنية الاستثنائية والاستراتيجية لإعادة بناء الجبهة التقدمية التونسية” التي تشرك كل المكونات الفكرية والاجتماعية والمجتمعية والسياسية الراغبة في ذلك دون أي اقصاء أو استثناء تحت أي عنوان من العناوين شرط الالتقاء طبعا حول المشتركات الأساسية المعروفة والتي تتبلور في نداء مشترك وتعمق في أرضية جماعية.
وتعمل الندوة على تعميق الأرضية وتدقيقها وصياغة التوجهات الأساسية ورسم برنامج وخطة العمل واقتراح آليات وأطر وهياكل التشاور والتنسيق والمبادرة من أجل تحقيق الأهداف المرسومة.
وفي هذا الجانب بالذات من مجمل المبادرة تتنزل مستلزمات التجديد المطلوبة والتي تقتضي أوسع وأنجع طرق التشريك والانفتاح على الجهات والشباب والمرأة والمثقفين والمبدعين وأصحاب الأعمال والنقابيين والطلبة حتى يتم تجاوز نقائص تجارب الأحزاب والتي على أهميتها لا تزال في حاجة إلى التحسين المعمق شكلا ومحتوى لكي تتحسن تبعا لذلك صورة العمل السياسي لدى الرأي العام ويتراجع الشك والعزوف وتعود الرغبة في المشاركة من أجل البناء الوطني والتقدم الاجتماعي والتطور الديمقراطي.
بوجمعة الرميلي