ولئن تقوم اتفاقية السماوات المفتوحة على مبدأ التبادلية، بمعنى أن البلدان الأوروبية سترفع من جهتها القيود أمام نفاذ الناقلة التونسية الى الفضاء الجوي الأوروبي، باعتبار أن هذا المبدأ هو أحد المبادئ الأساسية لأحكام اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة بما في ذلك الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات التي تشمل خدمات النقل الجوي، فإن حالة عدم التكافئ بين بلد معزول مثل تونس وتكتل اقتصادي قوي مثل الاتحاد الأوروبي، تفرض طرح تساؤلات حول أسباب هرولة الحكومة التونسية نحو التوقيع على الاتفاقية في مارس المقبل لتدخل حيز التنفيذ الفعلي، وحول أسباب اقتصارها على استثناء وحيد يتمثل في استثناء مطار تونس قرطاج من فتحه أمام الشركات الأوروبية لمدة محدودة، على خلفية إعطاء الناقلة الوقت الكافي لاستكمال مخطط إصلاحها واستعادة توازناتها المالية والحال أنه بإمكان الحكومة طلب مزيد من التريث وإعطاء الوقت للنواب الجدد لدراسة الملف.
وفي هذا السياق نتساءل بخصوص التقدم الذي حققته وزارة النقل من أجل انقاذ الناقلة الوطنية المهددة اليوم بالإفلاس خاصة أنه حسب احصائيات المعهد الوطني للإحصاء سجل عدد مسافري الناقلة الوطنية خلال الثلاثي الرابع من سنة 2019 تراجعا ب 7.7 بالمائة بما يوحي بتعمق الأزمة المالية للشركة الوطنية التي بلغت درجة العجز عن اقتناء قطع الغيار لعدم توفر العملة الصعبة.
اتفاقيات على مقاس الشركات العملاقة
تستند اتفاقية السماوات المفتوحة الى اتفاقية شيكاغو الرئيسية للنقل الجوي التي تم إقرارها في سنة 1944، والاتفاقية المكملة لها المتعلقة بمجموعة من الحقوق أطلق عليها الحريات الجوية الخمسة لتشكل أرضية للقانون الجوي الدولي.
وبإرساء النظام التجاري متعدد الأطراف ببعث المنظمة العالمية للتجارة جاءت الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات التي تشمل خدمات النقل الجوي وإخضاع سوق النقل الجوي الى أحكام هذه الاتفاقية التي تتسم بإلزامية التنفيذ والاعتماد على التحكيم الدولي لفض النزاعات بين الدول والشركات الأجنبية. وفي ظل التقدم الصاروخي الذي حققته حكومة الشاهد في إرساء الإطار التشريعي والقانوني لمشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق من خلال تمرير الاطار القانوني لتحرير القطاع الفلاحي ممثلا في قانون السلامة الصحية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات، وتحرير قطاع الخدمات ممثلا في القانون الافقي للاستثمار وتحسين مناخ الاعمال، نفهم اليوم خفايا تصريح وزير النقل بالنيابة الذي يؤكد استعداد تونس للتوقيع على اتفاقية السماوات المفتوحة وعدم الإشارة الى انعكاسات ذلك على الناقلة الوطنية التي تبقى أحد رموز السيادة في المجال الجوي وجب حمايتها، ودون الإشارة الى مستقبل تموقع تونس في السوق العالمية للنقل الجوي.
في انتظار تحرك القوى الوطنية في البرلمان
فقبل تحرير خدمات النقل الجوي في اطار الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات، أي في اطار اتفاقية شيكاغو 1944، تمارس الدول سيادتها الشاملة والمطلقة على فضائها الجوي بمعنى أنه بإمكانها تطبيق سياسات حمائية لناقلتها الوطنية عبر فرض قيود على أنشطة وعمليات شركات الطيران غير الوطنية العاملة على أراضيها ووضع بعض العقبات أمامها للنفاذ الى السوق المحلية في اطار اتفاقيات ثنائية تحدد مثلا عدد الرحلات… أو ضبط مطارات الإقلاع أو النزول …حيث تتجسد حماية الناقلة الوطنية من المنافسة من خلال عدم منح دولة الناقلة بعض حريات النقل الجوي الستة للشركات الأجنبية، ومن خلال تحديد عدد رحلات الناقلة غير الوطنية وضبط أوقات هبوطها في مطاراتها.
وبتطبيق اتفاقية السماوات المفتوحة تفقد الناقلة الوطنية احتكارها للخدمات المباشرة وغير المباشرة في مجال النقل الجوي كما أنها تفقد كل أشكال الدعم من الدولة لمساعدتها على مواجهة المنافسة. ولئن تروج السلط التونسية مزايا عدة لاتفاقية السماوات المفتوحة مثل تحسين جودة خدمات الناقلة الوطنية وتنمية حركة السياحة …فان ذلك يبقى مردودا عليها باعتبار ضعف الموقف التنافسي لشركة الخطوط التونسية، ليس فقط على المستوى الأوروبي، بل على المستوى الافريقي حيث نجد الخطوط الجوية الاثيوبية في المرتبة الأولى ثم الخطوط المصرية فالخطوط المغربية، ولا على المستوى العربي حيث نجد الخطوط الخليجية وفي مقدمتها الاماراتية التي دخلت في مواجهة مع شركات الطيران الأوروبية التي اتهمتها بالاستحواذ على نسب أكبر من المسافرين بفضل جودة خدماتها مما تسبب لها في خسائر كبيرة ونذكر في هذا السياق رفض ألمانيا منح «طيران الامارات» حقوق نقل جوي الى مطارات داخلية في مدينة برلين مثلا.
وفي ظل التحديات والتهديدات التي سيفرزها تطبيق اتفاقية السماوات المفتوحة بين تونس والاتحاد الأوروبي، وباعتبار هشاشة الوضع المالي لشركة الخطوط التونسية فان البرلمان مطالب اليوم بالاحتكام الى دراسات حقيقية حول تداعيات هذه الاتفاقية على الناقلة الوطنية وعلى سيادتنا على الفضاء الجوي والبحث عن صيغ أفضل للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي في إطار تكتل عربي أو افريقي أو مغاربي بما يمنح تونس قدرات تفاوضية أفضل.
الحريات السماوية
وضعت اتفاقية شيكاغو 1944 للنقل الجوي حريات ستة في مجال النقل الجوي الدولي وهي كما يلي:
– الحرية الأولى: حق الطيران فوق دولة أجنبية دون الهبوط،
– الحرية الثانية: حق التوقف بالبلد للتزود بالوقود أو للصيانة في الطريق الى جهة أخرى دون تحميل أو تنزيل المسافرين أو الشحن،
– الحرية الثالثة: حق نقل المسافرين من دولة الناقلة الى دولة أخرى،
– الحرية الرابعة: حق حمل المسافرين أو الشحن من دولة أجنبية الى دولة الناقلة،
– الحرية الخامسة، حق نقل المسافرين والشحن بين دولة أجنبية ودولة ثالثة، – الحرية السادسة: حق نقل المسافرين والشحن من دولة أجنبية وعبر دولة الناقلة الى دولة ثالثة.
ملاحظة: لا بد من التعامل بكل حذر مع مفهوم «الحرية» و»منح حق» لشركة طيران أجنبية من قبل الدول النامية مثل تونس، فهذه المفاهيم وضعتها الدول المتقدمة لشركاتها العملاقة للطيران لفرض تنازل البلدان النامية عن سيادتها تحت مفاهيم ملغمة.
نُشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في العدد الصادر بتاريخ الثلاثاء 25 فيفري 2020