الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: ولى منذ آلاف السنين زمن المعجزات والخوارق بمعنى القدرة على تجاوز الواقع وتحقيق ما لا يمكن للإنسان العادي فعله وإتيانه في ظروف معينة، غير أن تأكيدنا لهذا الأمر يبدو غير صالح لتونس وحكومتها بالتحديد برئاسة الياس الفخفاخ الذي عبّر يوم أمس الأربعاء 3 جوان لدى لقاءه بوفد عن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة و الصناعات التقليدية عن اعتزامه إطلاق خطة، لإصلاح أحوال البلاد والعباد عبر تنفيذ سبع مراحل بغية إنعاش الاقتصاد، جملة وتفصيلا.
ويرتكز، وفق الفخفاخ، برنامج الإنعاش الاقتصادي لدعم الاقتصاد التونسي المتضرر من الأزمة الصحية على 7 نقاط تتعلق بالأساس بتعزيز السيادة الوطنية والأمن، والحفاظ على النسيج الاقتصادي، والعمل على الإنعاش القطاعي والتركيز على القطاعات الأكثر تضررا، والتقليص من البيروقراطية والتعطيلات الإدارية ومكافحة التشغيل الهش والبطالة بالإضافة إلى عودة النشاط في الحقول البترولية والفسفاط.
كما تقتضي، حسب رئيس الحكومة، دقة الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد إيجاد حلول عاجلة لتأمين عملية الإنعاش الاقتصادي للتسعة أشهر القادمة وتعبئة موارد الميزانية لسنة 2020 ومرافقة المؤسسات في تجاوز تداعيات الأزمة والمحافظة على مواطن الشغل وعلى دورها الحيوي في استحثاث نسق النمو والتشغيل إلى جانب تعزيز قدرة المؤسسة وحسن استغلال الفرص الواعدة التي ستفرضها المتغيرات الاقتصادية الإقليمية والدولية لمرحلة ما بعد كورونا مما يستوجب وضع تصوّر استراتيجي لخطة الإنعاش الاقتصادي وذلك بتوخي حلول عمليّة وقابلة للتنفيذ وتقطع مع سياسة الحلول الترقيعية ومع سياسة الترضيات الحينية وتؤسس لمرحلة الإصلاحات الحقيقة التي تأجلت على امتداد السنوات الفارطة.
وأعطى إلياس الفخفاخ صباح يوم الثلاثاء الفارط من المدرسة الوطنية للإدارة إشارة انطلاق أشغال اللجان الفنية المعنية بإعداد مخطّط الإنعاش الاقتصادي.غير أن ما تحدث عنه الفخفاخ من محددات لإنعاش الاقتصاد كان هو من أول من بدأ الخوض في تفاصيله لدي توليه مقاليد وزارة المالية في أواخر 2012 زمن حكم الترويكا وعجز عن الإيفاء بتعهداته سواء تجاه التونسيين آو تجاه الهيئات المالية الدولية وأبرزها صندوق النقد الدولي الذي وضع على ذمة الفخفاخ والشاذلي العياري محافظ البنك المركزي آنذاك أكثر من 1.5 مليار دولار لتجسيم مخطط الإنعاش المذكور. وبعد الفخفاخ تداول تقريبا كافة وزراء المالية على ترديد محاور مخطط إنقاذ الاقتصاد والذي تحول إلي مجرد شعارات لا تمت للواقع الاقتصادي المتردي للبلاد بصلة والذي عرّت عيوبه بالكامل عنه وأسقطت عنه ورقة التوت جائحة كورونا.
ومن المثير للاستغراب أن يتم اليوم التأكيد على أن إنعاش الاقتصاد يمر عبر إدماج القطاع الموازي في الدورة الاقتصادية رغم أنه قد تحول منذ مدة إلى ركيزتها الأساسية ومصدر وجودها وبقائها . كما أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن إصلاحات مالية واستثمارات وتعديل لمنظومة الصرف في ظل وجود منظومة بنكية مهددة بفقدان ثلثي أموالها الذاتية استنادا إلى تقرير أنجزته الوكالة الدولية للتصنيف الائتماني “ستندارد اند بورز” وتسجيلها خسائر مع نهاية العام الحالي باعتبار تقديرات بتراوح نسبة الديون المتعثرة بين 19 و22 %.
ومن المؤسف أيضا التوجه للمواطنين بمقولات من قبيل “تعزيز القدرة التنافسية للمؤسسات” وهي التي تستغيث في الظرف الحالي للحصول على بعض السيولة ولا تغاث، ومن المؤكد أن وعود دعم القطاعات الاقتصادية التي أعلن عليها الفخفاخ عند اشتداد وطأة الجائحة برصد اعتمادات بنحو 2.5 مليار دينار ذهبت أدراج الرياح.
يذكر كذلك أن جائحة كورونا عمقت إلى حد بعيد الأزمة الاقتصادية في تونس و ظهرت انعكاساتها السلبية على الفئات الهشة وعلى القطاعات الاقتصادية في وقت حرج ستضطر فيه إلى تسديد ديون بقيمة 4.2 مليارات دولار خلال سنة 2020 وهو ما سيجعلها تلتجا إلى المزيد من الاقتراض. فعلى سبيل المثال أعلنت الحكومة بداية ماي الجاري عن توقيعها على اتفاقية قرض بقيمة 1.180 مليار دينار مع 12 بنكا محليا لمجابهة تداعيات فيروس كورونا الاقتصادية وهي ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي تلتجا فيها الحكومة إلى الاقتراض من البنوك بالعملة الأجنبية رغم خطورة العملية الكبيرة على النهوض باقتصادها في ظل هذه الأزمة الصحية .
ويزداد باستمرار التخوف من الترفيع في الضغط الضريبي على الأفراد والشركات بسبب انحسار إمكانيات الاقتراض الخارجي وتراجع أهم القطاعات الاقتصادية الحيوية في البلاد. يأتي ذلك في ظل توقعات بتراجع شديد في تسبة النمو.