ثانيا تدوينة الاستاذ عدنان منصر تثير قضية حقيقية هي قضية روافع البناء المؤسساتي في المراحل الانتقالية وأصناف العلاقات الممكنة بين قديم خسر سطحه وجديد لم يبلور هويته ودون كثير خبرة ولا موارد. بالطبع انا مع حرية الكتابة وارفض ولكنني اتفهم الشحنات الانفعالية ضد الكاتب والمكتوب في مناخات حرب واحساس بالاستهداف.وهذا ايضا من معطيات مسارنا الانتقالي.
هل هو استهداف حقيقي او هو مجرد انطباع ؟ هل هو معطى مرتبط بهوية النهضة ام بأدائها ؟ و من هي القوى التي من مصلحتها استمرار هذا الاحساس ولأيّة غاية ؟ كلها قضايا تحتاج الى بحث ومعالجة هادئين. ولكن من ناحية المضمون فلعل الاستاذ وهو مؤرخ وبالتالي ينتبه للمسارات اكثر من اهتمامه بالأحداث الجزئية.
وفي هذا السياق كيف تتحول أشواق الثورة الى مسار سياسي، وكيف تتوفر ماديا على الأدوات التي تحدث بها التغيير، هذا على افتراض وضوح مضمون هذا التغيير عند الفاعلين. بوعي جديد بلورته التجربة والخيبات نعيد طرح اسئلة 2011. وهذا التحدي كان مطروحا على كل القوى المناضلة ضد الاستبداد .
ولكن نصيب النهضة كان اكبر بسبب /فضل حجمها٠ فرص اكثر ومسؤولية اكبر . النهضة كانت ضحية حجمها وتاريخها ومرجعيتها . خيار الالتقاء في مكان ما مع القديم لم يكن خاطئا في وصفة نصف الثورات.
اذن ما يجب ان يناقش من وجهة نظري هو هل كانت نقطة التوازن التي تم الوصول اليها بين الجديد الواقعي والقديم المتكيف هي اقصى ما كانت تسمح به موازين القوى ؟ وهل ان المسؤولية تقع فقط على النهضة ام على غيرها معها ؟ هذه اسئلة حقيقية تتطلب اجابة هادئة لان عدم الاجابة يفاقم الخسائر كما نرى اليوم و لان الاجابة غير الدقيقة قد تجر الى خلط للأوراق والى معارك عبثية في خارطة يختلط فيها الحابل بالنابل .
ثالثا -3- الالتقاء البرلماني الاخير بين النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة فرصة لاثارة نقاشات في مضمون السياسة. ولكن كالعادة منهج تسجيل النقاش يحول الوجهة ويفاقم من تعكير المزاج العام وفتح جبهات ترهق البلد. السؤال الجوهري ما هو البرنامج السياسي لهذه الالتقاء. هذا الاكثر اهمية في علاقة بالعمل البرلماني وبالعمل الحكومي.
في العهدة السابقة اعترض كثيرون على التوافق لاسباب هووية ولكن الاعتراض السياسي هو اعتراض الانجاز. لقد كان توافق الحد الأدنى السياسي واقل منه في التنموي .
يجب ان نتجاوز المداخل الانفعالية في التعامل مع القوى التي تقف على قاعدة الدستور والديمقراطية والتنافس السياسي السلمي .
هذا الالتقاء مفيد او غير مفيد من خلال الاجابة على خارطة طريق واقعية للعمل البرلماني ومن خلال ضبط العلاقة مع الحكومة من اطراف دعمتها. اما في المنهج ،ولست بصدد إصدار حكم اخلاقي ولا يحق لي ذلك . فما يحصل هو تأكيد لدرس التاريخ في قدرة “المؤسسة”على عقلنة القوى الاحتجاجية .من يتأبي على هذه السنة ينكسر .العبرة فقط بعدم نسيان البوصلة .
ولكن السؤال الاهم بالنسبة لقوى راكمت خبرة طويلة: هل كان علينا ان نخسر كل هذا الوقت وان نسقط حكومتين ونصف للوصول الى هذه النتيجة ؟ الم تكن ارقام الانتخابات واضحة بما فيه الكفاية منذ السادس من اكتوبر الماضي ؟الم تقدم افكار مثل هذه منذ ذلك الوقت ؟ .
رابعا -4- فرص الاسئلة الحقيقية متوفرة وهي التي توفر الثقافة السياسية وتعلمنا النسبية والشجاعة وتبني المشتركات وتتقدم بمسارنا. اما منهج تسجيل النقاط فلا يؤدي في احسن الحالات الا الى مكاسب تكتيكية وهمية.