الشارع المغاربي -كريمة السعداوي: قاومت معظم الدول العربية في الشرق الأوسط تاريخيًا تطبيع العلاقات مع إسرائيل وانحازت رسميًا إلى الفلسطينيين الساعين إلى صفقة تضمن لهم دولة مستقلة. لكن بعض الدول العربية تعاونت في السنوات الأخيرة بهدوء مع إسرائيل لمواجهة ما تعتبره عدوا جيو-سياسيا مشتركا هو إيران.وظهرت هذه العلاقات السرية للعلن على نحو متزايد حيث تعمل الدول العربية على كسب ودّ إدارة ترامب المؤيدة لإسرائيل والمناهضة لإيران، فيما يؤكد البعض ان الموقف التونسي الصادر عن رئاسة الجمهورية خجول وخافت ولا يرتقي الى المواقف السابقة للرئيس قيس سعيد خاصة خلال الحملة الانتخابية ووصفه التطبيع بالخيانة العظمى وتعهده بتقديم مبادرة تشريعية لتجريمه.
وتعددت التساؤلات حول الموقف التونسي ازاء التطبيع وما يتناقل في الكواليس من حديث عن ضغوطات امريكية خاصة، يقول البعض انها تجسدت في تعيين احد اعضاء الوزير السابق خميس الجهيناوي في مكتب الاتصال بتل أبيب، طارق لدلب سفيرا لتونس في الامم المتحدة ،اختيار يقول البعض انه مثل رسالة من تونس وتذكر بالتصريحات التي ادلى بها مؤخرا الدبلوماسي السابق احمد ونيس والتي كشف فيها عن ممارسات وضغوطات وصفها بالملحة على تونس من قبل الولايات المتحدة الامريكية ذاكرا بالتحديد صهر الرئيس ترامب ، مرجحا ان يكون ذلك وراء قرار اقالة السفيرين السابقين بالامم المتحدة.
والمعلوم ان مواقف الأحزاب في تونس تراوحت بين صمت من لا يرى ضررا في التطبيع وبين مزايدة آخرين على الدول التي طبّعت مؤخرا خاصة الإمارات العربية المتحدة على سبيل المناكفة لا غير.
الأحزاب الحاكمة والتطبيع الخفي: حركة النهضة مثالا
يذكر أنّ راشد الغنوشي أجرى خلال زيارة لواشنطن في موفى سنة 2011 مقابلة مع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى (WINEP) وهو مركز أسسته لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC)، مجموعة الضغط النافذة للمصالح الجيوسياسية الإسرائيلية ومسؤول عن الضغط على وسائل الإعلام .وردّا على سؤال وجه إليه خلال الزيارة المذكورة وفحواه “أحد أسباب إبعادك عن الأراضي الأمريكية يكمن في بعض مواقفك خلال العشرين عامًا الماضية والتي تتضمن الإشارة إلى الولايات المتحدة باعتبارها الشيطان الأكبر وكذلك الدعوة إلى العنف ضد إسرائيل…. هل تغيرت هذه المواقف أم حافظت عليها؟ ” ردّ الغنوشي: “منذ أن أصبحت النهضة حركة سياسية في عام 1981، لم أدع إلى العنف مطلقًا. […] في ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فهو قضية معقدة لم يتم حلها أبدًا، على الرغم من قبول الفلسطينيين بفكرة حل الدولتين. المشكلة اليوم تهم الفلسطينيين والإسرائيليين أكثر من أي شخص آخر. إن مركز اهتمامي هو تونس التي لدي نموذج يحتذى به وخبرة لقيادتها بنجاح… وردا كذلك على سؤال “هل صحيح أن الدستور التونسي الجديد سيحتوي على مادة تجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني؟”، نفى الغنوشي ذلك نفيا قاطعا.
وأثناء كتابة الدستور خلال سنة 2014، رفضت حركة النهضة مبدأ تجريم التطبيع مع “إسرائيل” رغم أن معظم النواب صوّتوا بنعم لتجريمه .
وادّعى رئيس كتلة الحركة آنذاك، الصحبي عتيق، أن قرار عدم تجريم التطبيع جاء استجابة لنصيحة القيادي بحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، إسماعيل هنية، بعدم التنصيص على تجريم التطبيع في الدستور.
وفي فيفري 2017، فاجأ نائب رئيس حركة النهضة، علي العريض، الرأي العام الوطني بالقول إن قانون تجريم التطبيع يمكن أن يثير مشاكل لتونس مع الدول العربية والغربية ومؤسّسات أمميّة معلّلاً ذلك بأن “الفلسطينيّين لم يطلبوا من أيّة دولة عربية أن تسنّ قانوناً يجرّم التطبيع لأن العالم العربي بصفة عامة ضد التطبيع”.
وأضاف العريّض أن قضية التطبيع في تونس “هي من مشمولات السياسة الخارجية التي تعالَج في اطار الجامعة العربية وضمن صلاحيات رئاسة الجمهورية”، مؤكّداً أن مناقشة هذا القانون يعدّ من قبيل “المغامرة بمصلحة تونس”.
ويرى ملاحظون أنّ حزب الأغلبية النيابية وتوابعه أي حركة النهضة والتي وإن كانت اعترضت على تجريم التطبيع علنا فان موقفها يتسم بالغموض كالعادة، ورغم اعتراف “قدوتها” التركية بإسرائيل ورغم تطبيع حليفتها قطر الخفي منذ عقود ورغم شبهة تعامل حليفها الحزبي “قلب تونس” مع شركة علاقات عامة رئيسها ضابط سابق في أجهزة أمنية إسرائيلية خلال الانتخابات سنة 2019، تواصل استثمار غموض موقفها من التطبيع واستعماله من بين أصول تجارية انتخابية أخرى لإرضاء عدد من أتباعها الذين يرون في التطبيع أمرا مرفوضا…
وعلى كلّ حال وبعيدا عن المزايدات السياسية، يرى مراقبون أنّ موقف الحركات الإخوانية البارعة في التقلّب ليس مبدئيا ولم يكن ربّما رافضا للتطبيع في يوم من الأيام. وبالنسبة إلى أتباعها، لن تعدم الحركات الإخوانية كالعادة فتوى تجيز التطبيع كالتي استصدرها السادات في 1979 وربّما كانت ثمّة فتوى “سياسيّة” أخرى جاهزة لمن لا يقبل من الأتباع الفتوى الفقهية تجيز التطبيع بدعوى إكراهات السياسة…
قيس سعيّد
قال الرئيس قيس سعيد في حملته الانتخابية “إن التطبيع خيانة” وأعلن أنّ “تونس في حرب مع إسرائيل”. وقد توقع كثير من التونسيين أن يرفض الرئيس سعيّد التطبيع مع إسرائيل رفضا قاطعا. ولكنّ تحليل مواقف الرئيس من “التطبيع” يقف بنا أمام مفارقة واضحة بين الرغبة المبدئية في رفض التطبيع وبين إكراهات الواقع وتعقد وضع تونس دوليا ومحليا.
فالرئيس سعيّد، المسؤول عن السياسة الخارجية للبلاد، توقّف بعد انتخابه عن رفع شعار “التطبيع خيانة” وفي معرض حديثه عن التطبيع الإماراتي مع إسرائيل أعلن أنّه يحترم سيادة الدول وقراراتها. زد على ذلك أنّه ساند الموقف الرسمي التونسي الرافض لإدانة التطبيع الإماراتي مع الكيان عند امتناع ممثل تونس عن التصويت لمشروع القرار الفلسطيني في الجامعة العربيّة. غير أنّ الملاحظين يستبعدون إمكانية جنوح الرئيس إلى التطبيع في المدى القريب.
تونس والمديونيّة والضغوط الدولية
أمام التحدّيات الاقتصادية والسياسية المتفاقمة وتعاظم دور الدائنين من دول ومؤسسات دولية، يرى مراقبون أنّ الدوائر العالمية المؤثرة سياسيا في مجال التطبيع وامتداداتها في أوساط الدائنين قد تضغط على الطبقة السياسية في تونس والمحتاجة إلى الديون الخارجية، لدفعها نحو التطبيع نظرا إلى سعي هذه الطبقة إلى إطالة أمد حكمها ونفوذها ولو كان ذلك بثمن سياسي “باهظ” هو التطبيع. وللتذكير بوضع المديونية المرهق، فقد قال محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، في 7 فيفري 2020، خلال جلسة عامة بمجلس النواب “إنّ تونس ستواجه، خلال الفترة 2020-2025، ضغوطا مالية بسبب وصول آجال السداد السنوية للسندات والآجال المحددة للقروض من صندوق النقد الدولي”.
وأكد محافظ البنك المركزي التونسي أنه من المتوقع أن يصل أصل الدين الخارجي المتوسط والطويل الأجل بنهاية 2020 إلى نحو 80.957 مليار دينار مقابل 76.974 مليار دينار في 2019.
وأشار محافظ البنك المركزي التونسي إلى أن المدفوعات الرئيسية للسنة الجارية 2020 تتكون أساسًا من سداد أصل إصدارين من السندات بمبلغ 250 مليون دولار (أفريل) و400 مليون أورو (جوان).
فهل ستكون الديون ورقة ضغط على الطبقة السياسية المحلية في تونس للتطبيع؟
ونذكر في هذا السياق ، مطالبة نوّاب من الكونغرس الأمريكي تونس بالامتناع عن اتّخاذ أيّة مواقف معادية للكيان الصهيوني وذلك خلال الزيارة التي اداها رئيس الحكومة وقتها يوسف الشاهد في جويلية 2017 الى الولايات المتحدة الامريكية.