الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: كشفت عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر في فيديو بثته على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” يوم الثلاثاء 24 نوفمبر 2020 وجود مدرسة خاصة “إسلامية” بحي راق بالعاصمة و تحديدا بالمنزه. وأبرزت أن المدرسة تحمل من الخارج لافتة كتب عليها “مدرسة ن – ….” وان مظهرها لا يوحي بكونها تختلف عن سائر المدارس الخاصة باعتبار ما تحمل جدرانها الخارجية من تزويق والوان وما تبدو عليه من صيانة جيدة الى جانب ضمان أنشطة متنوعة وتقديم خدمات اكلة الغداء وما الى ذلك مما توفر المدارس الخاصة لروادها من التلاميذ.
غير أن رئيسة الحزب أكدت انه وبمجرد الاقتراب من المدرسة يمكن بسهولة ملاحظة حركة مسترابة لأشخاص غرباء عن المحيط التعليمي وصفتهم بـ “المشبوهين” يقدمون دروسا للتلاميذ فضلا عن سماع شعارات “سياسية” وأخرى “إيديولوجية”، وفق تقديرها. كما أوضحت أنه تتم مناداة الأطفال في هذه المدرسة بـ “الشيخ الصغير” والبنت بـ “الداعية الصغيرة”.
ونفت، في مرحلة أولى، وزارة التربية أية معرفة بهذه المدرسة ليقدم على هذا الأساس الحزب الدستوري الحر كل المؤيدات التي تثبت أنها موجودة فعليا وتنشط بشكل كامل على خلاف الصيغ القانونية.
وأكدت عبير موسي ان عنوان المدرسة هو نفسه عنوان احدى المنظمات “الاخوانية” الموجودة في تونس.
وبالتدقيق في الموضوع تبرز العديد من التقارير والتحقيقات أن هذه المدرسة هي جزء من شبكة كاملة تم حل روضاتها “القرآنية” منذ مدة لتعود الى النشاط من واجهة التعليم التحضيري والابتدائي وانها جمعية دينية تستغل “مؤسسات” تدريس “ديني” سيما في المناطق الراقية بالعاصمة وتحقق ارباحا عالية باعتماد وسائل يغلب عليها طابع المكر والتحيل وان نشاطها بدأ سنة 2012.
وعمل منذ البداية القائمون على الجمعية وروضاتها ومدارسها وهم عموما من التيار “الإخواني” على الدخول تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية باعتبار الشبكة جمعية قرآنية. وبرر هؤلاء اختيارهم بوجود منظومة الكتاتيب التي تشرف عليها هذه الوزارة والتي تحتضن الأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة. هذه الكتاتيب تم تقنينها من طرف الدولة عدة مرات أهمها بعد 2011 وهي تطبق برامج يغلب عليها تعليم المواد الدينية.
ورغم الضغوطات منذ سنوات على وزارة الشؤون الدينية للتحقيق في دور الجمعيات الدينية التي تشرف على رياض ومدارس قرآنية لاعداد كراس شروط واضح وملائم على هذا المستوى في ظل موقف ملتبس لوزارتي التربية والمرأة والطفولة بتعلة بُعد الأمر عن صلاحياتهما، فإن هذه الضغوطات باءت بالفشل. ورضخت وزارة الشؤون الدينية منذ 2013 للجمعيات الدينية، وتحديدا لمبدأ الاشراف على المضمون البيداغوجي للرياض والمدارس القرآنية، من حيث الشكل، مع التخلي عن كل ما يخص الإجراءات المتعلقة ببعث الروضة او المدرسة والتشغيل واختيار المكان…
ومن الواضح أنه لا يوجد سعي لحظر رياض الأطفال والمدارس القرآنية أو الحد من وجودها. بل بالعكس توجد إرادة “خفية” لتجميعها في شبكات وايجاد اطر ترتيبية تسمح لها بالنشاط دون التعرض لها، حتى ولو اقتضى الأمر ارساء نظام مواز لتقنين عملها.
وإجمالا يتواصل اليوم وبنسق حثيث سعي الجمعيات الدينية للاستثمار في التعليم الابتدائي خاصة عن طريق تأسيس مدارس ابتدائية خاصة. فبعد الشبكات، تعمل عدة منظمات ناشطة تحت غطاء المراكز الإسلامية وحتى الطوائف والطرق الدينية على تكثيف إحداث المدارس الابتدائية. وهذه الاستراتيجية الغامضة المعتمدة في التعامل معها ضمنت مزيد انتشارها وازدهارها في سياق تمكينها من تغيير النموذج المجتمعي التونسي على المدى الطويل.
يذكر أن وزير الشؤون الدينية أحمد عظوم، كان قد كشف يوم 20 نوفمبر الجاري خلال جلسة مع نواب باردو لمناقشة ميزانية الوزارة للسنة القادمة، أن اكثر من خمسون ألف طفل في تونس يرتادون الكتاتيب البالغ عددها 1852 كتّابا في كامل تراب الجمهورية .وبين أن عدد المؤدبين والمؤدبات يناهز 1188 أغلبهم من ذوي الشهائد واعتبر الكتاتيب “قطاعا” مشغّلا.
ووصف عظوم التعليم بالكتاتيب بـ “العصري” بحكم تضمنه الى جانب مناهج تعليم القرآن مبادئ تربية الناشئة على حب الوطن وغيرها من القيم وتهيئته الأطفال للدخول للمدارس مما يعني وقوع الوزير في لبس واضح متواصل منذ 2011 باعتبار أن المسألة تعني فعليا غياب أي داع لوجود الكتاتيب للعبها نفس دور المدارس المدنية المعتمدة لدى الدولة.