الشارع المغاربي -كريمة السعداوي: تحدث مؤخرا محافظ البنك المركزي مروان العباسي وفي عدة مناسبات حول الوضع الحرج للمديونية وإمكانية التعثر في سداد ديون خارجية وهو ما يمكن ان يحصل لأول مرة في تاريخ الدولة الحديثة. وألمح المحافظ الى إمكانية “لطخة” كبرى (هكذا بالدارجة التونسية ودون بروتوكولات) بمعنى التوجه نحو سقوط حر للمالية العمومية والاقتصاد الوطني سيما في صورة انتقال ترقيم تونس من طرف وكالة “فيتش” الدولية للتصنيف الائتماني الى “ج” وانقطاع التمويلات الخارجية بالكامل خصوصا من قبل صندوق النقد الدولي وبعض البلدان الشقيقة والصديقة التي تراهن عليها السلط في تونس والتي عبرت بوضوح عن عدم استعدادها للتعامل مع الحكومة مستقبلا، تمويلا واستثمارا.
وفي هذا الإطار، يبرز تقرير مشروع ميزانية الدولة لسنة 2021 ان تونس مطالبة بتسديد أصل الدين لـ9 لقروض وهي من صنف رقاع الخزينة القابلة للتنظير واكتتابات خارجية وقرضين من السوق المالية بضمان الحكومة الامريكية إضافة الى أقساط من قرض بالعملة لدى البنوك وقسط من اكتتاب وطني ورقاع خزينة قصيرة المدى. ومن المؤكد انه حتى وان وافقت كافة الهيئات المالية الدولية والاشقاء والأصدقاء على اقراض تونس حالا كل ما تطلب من قروض فان الوقت الذي تأخذه اجراءات صرف هذه القروض لن يُمكّن البلاد من الإيفاء بالتزاماتها مما يعني ان “اللطخة” التي تحدث عنها محافظ البنك المركزي قادمة لا محالة وعلى الاغلب في المدى القصير. وستدفع تونس بالإضافة الى أصل الدين، فائدة الدين بقيمة 4.2 مليارات دينار وتتوزع على 2.4 مليار دينار للدين الداخلي و1.8 مليار دينار على شكل فوائد خارجية.
كما تناهز خدمة الدين الخارجي متوسط وطويل المدى 10.704 ملايين دينار سنة 2021، مقابل 8432 ملايين دينار، سنة 2020، أي بزيادة قدرها 27 بالمائة. كل ذلك يأتي في سياق خزينة خاوية تبعا لانهيار القطاع الخارجي اذ لم تتجاوز تدفقاته 2.5 مليار دينار نهاية ماي الفارط وهو ما يكفي بالكاد لاستجلاب الاعلاف وبعض مواد الاستهلاك لكي يتلاعب بها المضاربون. كما يتوجب على تونس التي تستعد لتوديع منظومة 2011 بعد ان بلغت اعلى درجات التعفن، أن تسدد خلال الشهرين المقبلين، أي جويلية وأوت 2021 قروضا بقيمة 1000 مليون دولار، أي ما يعادل 2700 مليون دينار. وتحل آجال سداد هذه القروض في وقت تؤكد كل المعطيات انعدام أي هامش للتحرك للحكومة لتعبئة الموارد المالية، سيما ان البلاد أضحت مكبلة بالمديونية الخارجية والنفقات العمومية العالية، فيما يتأكد يوما بعد يوم ان “المفاوضات” التي قيل انتونس شرعت فيها مع صندوق النقد الدولي وهو الامر الذي كذبه “جيري رايس” الناطق الرسمي باسم الصندوق نفسه للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار، لا تعدو ان تكون مجرد مزايدات تهم السياسيين لا غير. وينتظر عموما ان يبلغ مجموع حجم الدين العمومي للبلاد سنة 2021 قرابة 2ر111 مليار دينار، أي ما يمثل 7ر92 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي.
ومن الطريف ان يؤكد بعض من يشار إليهم بالخبراء ان الحل لإخراج تونس من وضعها الحالي يقوم على حزمة حلول محورها خروج صانعي القرار السياسي بخطاب موحد حول التعامل مع ملف القروض الخارجية، ولكن هؤلاء فاتهم ان التعامل الأنسب مع القروض يتمثل في تسديدها بعيدا عن مناقشتها في مسار لا يغير شيئا من قيمتها ومن اجال دفعها…
كما يؤكد هؤلاء الخبراء انه من الضروري عدم استخدام المدخرات من العملة الأجنبية لخلاص القروض رغم ان هذه المدخرات هي في الواقع مخزون قروض لم يصرف ويسعى البنك المركزي لإبقائه لا لشيء الا لخلاص الديون.
يذكر ان رئيس الجمهورية قيس سعيد، كان قد طلب يوم 4 جوان 2021، خلال محادثة مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في إطار مشاركة تونس في القمة الثانية تونس – الاتحاد الأوروبي، إعادة جدولة ديون تونس وتحويلها الى استثمارات، علما ان لهذه العملية تداعيات سلبية للغاية باعتبار انها تفتح المجال لـ “المستثمرين” وهم في الواقع “دائنون” للتحكم في المالية العمومية والاقتصاد الوطني لا عبر الدين بل عبر الاستثمارات التي تُسطّر على مقاسهم بعيدا عن منطق تقاسم الأرباح والمردودية.