الشارع المغاربي: أعلن النائب عبد اللطيف العلوي اليوم الاحد 22 أوت 2021 عن استقالته من ائتلاف الكرامة ومن رئاسة مكتبه السّياسيّ وعضويّته ومن كتلته البرلمانية ومن تمثيليّته في مكتب المجلس، معلنا ايضا انسحابه من الحياة السياسية مبرزا ان قراره هذا جاء بعد تفكير طويل ومراجعات عميقة .
وكتب العلوي في “بيان إلى الرّأي العامّ” نشره اليوم على صفحته الرسمية بموقع “فايسبوك”: “بعد تفكير طويل، ومراجعات عميقة ومؤلمة خضتها بيني وبين نفسي طيلة شهر كامل، في حالة من شبه العزلة التّامّة، أعلن أنّي ظلمت نفسي، يوم قرّرت السّباحة في مستنقع السّياسة الآسن في بلد مازالت السّياسة فيه بلطجة وميڨافون وكاسكا وأحقاد تاريخيّة وتكسير عظام وشعبويّة قاتلة مقيتة”.
وأضاف “أعترف أنّني قصّرت في حقّ الكثيرين، وخيّبت ظنّ الكثيرين، وأملي أن يغفروا لي أو يصفحوا عني إذا استطاعوا، فقد لا أستطيع أنا نفسي أن أغفر لنفسي أشياء كثيرة! ليس لي أعذار أقدّمها سوى أنّي حاولت ولم أنجح! لسبب ما لم أنجح، مثلما كان محرّما دائما على كلّ صادق شريف في هذه البلاد أن ينجح! لقد كنّا شجعان مخلصين، ولكنّنا خضنا حروب السّياسة في دولة المافيات والتّماسيح بلا أيّة أسلحة أو أدوات، ولو كانت بدائيّة حجريّة في غابة متوحّشة لا ترى منها إلاّ الأشباح تتراقص في الظّلال، غابة يحكمها قانون الأقوياء بكلّ ما لديهم: بأموالهم وعلاقاتهم ومخابراتهم وجيشهم وبوليسهم وإعلامهم ونقاباتهم ولوبيّاتهم، ولم يكن لنا في تلك المعركة سوى قلوب العصافير وأوهام الشّعراء وعصيّ العميان”.
وتابع ” نعم حلمت، مثل كلّ الشّعراء، بأنّ هناك وعدا آخر ممكنا، بحياة كريمة ممكنة، بقليل من العدل والمساواة والشّرف ومعارك الفرسان، حتّى أعدائي، كنت أتوقّع دائما أنّهم سيحاربونني بكلّ شرف، وسيقتلونني في ساحة عامّة، وفي وضح النّهار، وبسلاح مرخّص، فكنت أترفّع في حربهم وأبكي عليهم حين يرحلون! لكنّني انتهيت مثل كلّ الشّعراء الّذين يمضي بهم العمر، ولا ينتبهون إلى أنّهم يسبحون خارج العالم إلاّ حين تنشف أرواحهم وتجفّ عروقهم، ودموعهم أيضا…أعترف اليوم، بشيء من الفخر لا أستطيع كتمانه، أنّي هُزِمت وانكسرت، لكنّها هزيمة شريفة، في معركة قذرة فرضت عليّ فرضا، وربّما كان النّصر فيها لطخة عار لا تمحوه الأيّام! وأعترف أنّني اقتنعت أخيرا، بعد عمر طويل من العناد الغبيّ، أنّ الشّعراء لا يصلحون للسّياسة ولا للصّرافة ولا للتّجارة، ولا لصناعة الأوهام الكبيرة و الخطابات المريحة! وأعترف كذلك أنّي كذبت عليكم! كذبت عليكم، يوم قلت لكم إنّني واثق من نصر آت، وإنّ لي أملا في الشّعوب لا شيء يكسره، وإنّ شعبا ذاق الحرّيّة لن يقدر عليه إلاّ ربّ العالمين! حاولت أن أتظاهر دائما أمامكم بالثّبات والقوّة واليقين، وأن أشحذ هممكم وأنفخ في جمرها من ريح الأمل والتّفاؤل، في الوقت الّذي كان فيه كلّ شيء في داخلي ينهار يوميّا لهول ما أراه من دناءة النّفوس وخواء الرّؤوس، أمام نخب فاسدة مفسدة حتى العظم، وشعب مُجهّل مخدوع، ودولة من قشّ وريح ونار! لقد خدعتكم، مثلما خدعت نفسي، وبعتكم آمالا كاذبه، فأنا لم أفعل يوما في حياتي سوى محاربة اليأس الّذي كان يسكنني دائما ويدمّرني كالسّرطان، حاربته عمرا كاملا، لأكتشف في النّهاية أنّ القبول به والتعايش معه، ربّما كان أهون بكثير من محاربته لأجل أمل كاذب أو حفنة من الأوهام الخاسره”.
وواصل “أعتذر كثيرا لإخوتي في ائتلاف الكرامة، أنصارا وقيادات، فوالله لم أر أصدق منكم، ولا أشجع منكم، ولا أنظف ولا أشرف ولا أوفى للصّديق ولا أنصر للمظلوم ولا أحنى على الفقير، ولكنّ السّياسة في مزارع القطن العربي، عالم آخر مختلف تماما، لا مكان فيه إلاّ للحيتان الكبيرة والزّواحف السّامّه وآكلي لحوم البشر وأعراض البشر، كما أنّ أخطاء البدايات وأخطاء النهايات، قد لا تشفع معها الأعذار المريحة دائما، من نوع: حماسات الشّباب أو قلّة التّجربة أو النّوايا الطّيّبه. لقد أخطأنا وكفى، مثلما أخطأ الجميع، وعلينا أن نعترف و نتحمّل نصيبنا من المسؤوليّة بكلّ شجاعة أمام الله وأمام النّاس وأمام التّاريخ”.
واضاف “اليوم أعلن الاستقالة من ائتلاف الكرامة، من رئاسة مكتبه السّياسيّ وعضويّته، ومن كتلته البرلمانية، ومن تمثيليّته في مكتب المجلس، وأتمنّى لإخوتي عمرا أطول وحلما أجمل وأملا أكبر، في ظلّ قيادة قويّة واثقه صابره، فأنتم لها، ولم يعد يليق بكم بعد اليوم أن يتقدّمكم رجل مهزوم...أعلن كذلك انسحابي ممّا يسمّونه دجلا “الحياة السّياسيّة”، بكلّ ألوانها وتحالفاتها و”تكمبيناتها”، لهم حياتهم ولي حياتي! وانسحابي كذلك من أيّ ظهور إعلاميّ، أو نشاط ثقافيّ أو جمعيّاتي، وأحتفظ بعضويّتي في البرلمان، حتّى ولو كنت مجمّدا، نائبا حرّا مستقلاّ لا ينتمي إلاّ إلى ضميره، ولن أستقيل من البرلمان إلاّ يوم يعود البرلمان، يوم تعود إليّ حرّيّتي وإرادتي الكامله في الاختيار، عندها سيكون لي القرار”.
وختم العلوي تدوينته بالقول : “من هنا فصاعدا، سأكفّ عن الذّوبان لأجلك مثل السّكّر في فنجانك يا أيّها الوطن الجاحد، يا وطن الكذّابين ووطن المدّاحين ووطن الجلاّدين ووطن الرّاقصين في جنائز الشّرفاء وعلى قبور الشّهداء! سأتركك لقدرك، وأكرّس ما تبقّى من حياتي لحياتي الّتي سلبتها منّي خمسين عاما، لأهلي الّذين ظلمتهم في شبابي وظلمتهم في أواخر كهولتي، وحكمت عليهم بأن يدفعوا معي فاتورة الخوف والجوع والدّمع والعذاب لحياة لم يختاروها، ولا ذنب لهم فيها. أقول قولي هذا وأفوّض أمري إلى الله، إنّه على كلّ شيء قدير”.