الشارع المغاربي: تتالى التصريحات الدافعة للتهدئة بين الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الاعراف واخرها تأكيد محمد علي البوغديري الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل اليوم الجمعة 5 نوفمبر 2021 على ضرورة عودة المفاوضات بين منظمة الاعراف والاتحاد واصفا منظمة الاعراف بالمنظمة التاريخية التي لعبت دورها. ويأتي هذا التصريح بعد تصعيد متبادل بين المنظمتين اتخذ منحا غير مسبوق بسبب الاضراب العام في صفاقس.
ويوم امس نفى امين عام الاتحاد نور الدين الطبوبي في تصريح لقناة “التاسعة” وجود أزمة بين المنظمتين مبرزا ان الإتحاد تجنب عقد الحوار الإجتماعي في ظل ما وصفه بالوضع المتشنج، داعيا لتهيئة مناخ إيجابي والإبتعاد عن المشاحنات مطالبا بتجنب الجدل العقيم في مرحلة قال انها تتطلب مزيدا من التعقل والحكمة.
من جهته اعتبر بشير بوجدي عضو المكتب التنفيذي لمنظمة الاعراف ان العلاقة مع الاتحاد طيبة مبينا ان الحوار الاجتماعي لا يجب ان ينحصر في الزيادة في الاجور مشددا على ان يكون الحوار ثلاثيا ( الاتحاد والاعراف والحكومة) ومسؤولا حول جملة من الملفات على غرار ضرورة التحكم في الكلفة وتطوير مسالك التشغيل ومحاربة الاحتكار وسوء الحوكمة والاقتصاد الموازي.
وقال في تصريح لقناة “التاسعة” ان افضل طريقة لتجاوز الازمة هي السهر على الاحترام المتبادل وتجنب المزايدات من الجهتين ومواصلة العمل على المبادئ المشتركة الضامنة للتقدم مبينا ان الازمة السابقة هي سحابة صيف .
وبالعودة الى البوغديري فقد دعا الى “تغليب صوت الرُشد وإيقاف سياسة الهروب إلى الأمام الذي لا يؤدي إلى أي شيء” .
ووجه رسالة إلى سمير ماجول رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية قائلا “منظمة الأعراف منظمة تاريخية ولعبت دورها ولا بدّ من العودة إلى المفاوضات”.
وتابع لدى حضوره في برنامج “الماتينال” على اذاعة “شمس أف أم”: “الاتحاد اسمه الاتحاد العام التونسي للشغل وليس اتحاد العمال أي أنه يعني العمال والمؤسسة وسنعمل من أجل استقرارهم” مواصلا “هناك برود في علاقة الاتحاد بالأعراف” مذكّرا بأن المنظمتين لم تجتمعا منذ سبتمبر 2018.
وكانت منظمة الاعراف قد استنكرت بشدة الاضراب العام في صفاقس الذي شمل 170 مؤسسة انتاج متهمة اتحاد الشغل بـ”السعي الى إدخال شركاء الإنتاج في دوامة الصراعات الاجتماعية عبر الإضرابات غير المبررة ولا المعقولة والبلاد تعيش أزمة خانقة مما يدفع الجميع نحو حافة الانهيار ومزيد تسريح العمال وغلق المؤسسات والتأثير سلبيا على الاستثمار الوطني وعلى استقطاب الاستثمار الأجنبي اللذين تحتاجهما بلادنا”.
واضاف اتحاد الاعراف انه “وان كان لا يهتم بالأسباب الداخلية وبالخفايا التي تقف وراء هذا التصعيد فإن من واجبه التصدي لكل تهديد للمؤسسات الاقتصادية أو أية محاولة لضرب استقرارها وتعميق الوضع المتردي بجهة صفاقس” التي قال انها تعيش وضعا بيئيا كارثيا واقتصاديا دقيقا وانه “ليس من المعقول ولا المقبول الزيادة في تعقيده باحتقان اجتماعي وتعطيل حركة الإنتاج وتدمير مواطن الشغل المباشرة وغير المباشرة.”
وتساءل “هل من المعقول زرع بذرة الإضرابات وإيقاف العمل والاستفراد ببعض المؤسسات والضغط عليها وابتزازها وتهديد السلم الاجتماعية ونحن لم نتجاوز بعد الآثار السلبية لجائحة كورونا التي ستلازمنا بالتأكيد لفترة أطول من تعايشنا مع الفيروس نفسه؟”.
واكد ان الوضع الحالي لا يمكن أن يكون زمنا مناسبا للحديث عن زيادات في الأجور والامتيازات بما يثقل كاهل المؤسسات دون أن يعود بالنفع على العمال وبما يلهب الأسعار ويزيد من التضخم،داعيا الجميع الى النظر بكل جدية وواقعية إلى حصاد عشر سنوات من المطلبية المجحفة وغير المسؤولة وكيف انتهى ذلك إلى تراجع تنافسية المؤسسات وتفاقم المديونية الخارجية وانخرام توازنات المالية العمومية وتقهقر خطير في ترتيب تونس الائتماني منذ سنة 2011 لينحدر إلى الدرجة ( C) .
ولفت الى ان ذلك ما يدفع اليوم لضرورة الانخراط كرها لا طوعا في مسارات الضغط على المصاريف وتقديم التضحيات.
وذكر الاتحاد بأن غاية الحوار الاجتماعي هي تجاوز الأزمات وتحقيق التوازنات على قاعدة التعامل مع الواقع بوعي وبروح المسؤولية بعيدا عن التوظيف والمزايدة وبان الزيادة في الأجور ليست عملية آلية وانما تتويج طبيعي لتحقيق نمو اقتصادي وخلق قيمة مضافة يقع توزيع ثمارها على كل عوامل الإنتاج”.
واعتبر ان نتائج الزيادة في الاجور في غير تلك الحالات خاصة ان تونس لم تتعاف بعد من مخلفات الكوفيد 19 ستكون حتما عكسية على العمال وكارثية على فاقدي الشغل والفئات الفقيرة والهشة من عائلات معوزة وغيرها.”
وشدد على ضرورة السعي لتدعيم القدرة الشرائية عبر التحكم في الأسعار والضغط على مواطن الكلفة في حلقات الإنتاج والخزن والتوزيع وكذلك السعي إلى إعادة تأهيل المنظومات وتدعيم طاقات البلاد الصناعية وحمايتها من التهريب والتوريد العشوائي والتجارة الموازية.
ورد الاتحاد على بيان الاعراف بالادانة وحمل مسؤوليته ذلك لرئيس المنظمة سمير ماجول الذي حمله ايضا مسؤولية تدهور المناخ الاجتماعي في البلاد، معتبرا ان البيان “اعلان حرب على العمّال وعلى قوتهم وشنّ من خلاله هجمة شرسة على الهياكل النقابية وعلى الحقوق الدستورية وفي مقدّمتها الحقّ النقابي بما فيه حقّ الإضراب في محاولة لاستغلال الظرف الذي تمرّ به البلاد لشيطنة الاتحاد العام التونسي للشغل والتحريض عليه ودسّ سموم التدخّل في شؤونه واختلاق التعلّات لالتهام حقوق العمّال”.
كما اعتبر الاتحاد ان بيان احاد الصناعة يعد تحضيرا لما سماه “حفلات الابتزاز التي يمارسها بعض أرباب العمل على الدّولة ومواصلة سياسة التواكل عبر الحصول على الامتيازات والحوافز والإعفاءات التي تُستخلص من دافعي الضرائب وأهمّهم الأجراء”.
وحمّل اتحاد الشغل منظمة الأعراف مسؤولية تدهور المناخ الاجتماعي لافتا الى انه ” في الوقت الذي تتظاهر الجهود بالاستعداد للحوار، تواصل منظمة الاعراف سياسة الهروب إلى المجهول والتنصّل من التعهّدات والتنكّر لتضحيات العمّال، خاصة على امتداد سنتين من جائحة كوفيد 19 التي فقد فيها الآلاف منهم مواطن شغلهم وحُجبت أجورهم أو جزء منها وتدهورت مقدرتهم الشرائية ولكنّهم لم يتوقّفوا عن الإنتاج رغم جحود بعض أصحاب المؤسّسات” حسب نص البيان.
وعبّر عن تمسّك المنظمة الشغيلة بحقّ الأجراء في تحسين مقدرتهم الشرائية وفي التخفيف من الأعباء الضريبية عليهم والحدّ من معاناتهم وتحقيق حدّ أدنى من العدالة الاجتماعية تجاههم بعيدا عما اعتبره عقلية الاستغلال المتوحّشة التي تسكن بعض الكارتيلات واللوبيات والاحتكارات.
وتواصل التصعيد المتبادل ، وردت منظمة الاعراف على عملية الفصل التي قام بها الاتحاد بين رئيسها وبقية الهياكل ببيان صادر عن مجلس رؤساء الجامعات القطاعية الوطنية اعرب فيه عن انشغاله الكبير وقلقه المتزايد مما وصفه بالانحراف وبالتصعيد الاجتماعي الخطير من طرف الاتحاد العام التونسي للشغل مؤكدا أن بيانات منظمة الاعراف تعكس مواقف مختلف هياكلها.
وذكر المجلس ان الانحراف بدأ بتنفيذ إضراب عام بولاية صفاقس والتلويح بجملة من الإضرابات بعدد من الولايات الأخرى تحت غطاء الدعوة للتفاوض والزيادة في الأجور وبحملة شيطنة جديدة لأصحاب المؤسسات قال ان “اصحابها التجؤوا فيها إلى الافتراء والتجييش وكيل أبشع التهم المغرضة للمستثمرين وأصحاب العمل”.
وشدد على أن التصعيد لن يزيد إلا في تعقيد الأوضاع منبها الى ان ذلك سيؤدي إلى تدمير المؤسسات وفقدان مواطن الشغل والإضرار بالاقتصاد الوطني والإساءة إلى صورة المنظمات الوطنية أمام الرأي العام.
واعرب المجلس عن استغرابه مما وصفه بالاصرار المتعمد على خلط المفاهيم واعتبار آليات تشجيع الاستثمار المعمول بها في كل دول العالم “ابتزازا واستغلالا للمال العام”.
وادان بشدة استمرار ما اسماها حملات التجني على أصحاب المؤسسات ناصحا “ البعض بالنظر مليا في المرآة وبمراجعة حساباتهم قبل الإقدام على تشويه الاخرين”مجددا تأكيده على تمسكه بمقومات دولة القانون والشفافية وتكافؤ الفرص.
وابدى “انشغاله ازاء ركود المجلس الوطني للحوار الاجتماعي وغياب أي حوار أو نقاشات داخله منذ نحو سنة رغم ما عاشت تونس من رهانات صعبة على كل المستويات الصحية والاقتصادية والاجتماعية إضافة للملفات الملحة المتعلقة بالتنمية الجهوية وخلق مواطن الشغل” معتبرا ان المجلس الوطني للحوار الاجتماعي يظل الإطار الأمثل لتفعيل الحوار الاجتماعي الثلاثي ومعالجة الأزمات وطرح البدائل التي تتطلبها الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الملحة.
وحذر من ان “التصعيد يشكل دفعا نحو طريق مسدودة “مؤكدا انه ملتزم كل الالتزام بالدفاع عن مصالح المؤسسات الاقتصادية وأنه رغم امتلاكه عددا من الاليات القانونية لرد الفعل بما في ذلك اللجوء إلى الصد عن العمل فإنه كان ولا يزال ينتهج الحكمة والمسؤولية ويفضل منوال الحوار الاجتماعي الثلاثي الجاد والرصين داخل الأطر المؤسساتية القائمة.