الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: أبرز صندوق النقد العربي انه في إطار الجهود التي يبذلها لدعم متخذي القرار في الدول العربية، فانه يطلق الإصدار الخامس عشر من “تقرير آفاق الاقتصاد العربي” الذي يتضمن تحديثاً للبيئة الاقتصادية الدولية وانعكاساتها على الدول العربية، وتوقعات النمو الاقتصادي والتضخم في الدول العربية خلال عامي 2021 و2022.
واوضح التقرير أن الاقتصاد العالمي واجه في عام 2021 تحدياتٍ ترتبط بمدى قدرة دول العالم على دعم مستويات التعافي الاقتصادي من تبعات جائحة كوفيد-19 وتخفيف آثارها عن الأفراد والشركات لاسيما في ظل استمرار انتشار الفيروس والسلالات المتحورة منه بعدد من مناطق العالم مشيرا الى انه في ظل حزم التحفيز المالي السخية المتبناة في عدد من الاقتصادات المتقدمة، شهدت مستويات الطلب العالمي والتجارة الدولية تسارعاً ملحوظاً خلال عام 2021 مقارنة بعام 2020، والى ان ذلك يشكل ضغطاً على الموارد الاقتصادية العالمية، وعلى جانب العرض وسلسلات الإمداد الدولية في ظل استمرار بعض القيود المفروضة بسبب الجائحة.
ونتجت عما سبق، حسب الصندوق موجة من الضغوطات التضخمية قال انها وإن كانت تُعزى إلى عوامل مؤقتة من المتوقع زوالها مع عودة فتح الاقتصادات العالمية فإن المخاوف من إمكانية استمرارها قد يدفع البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة للعودة المبكرة إلى المسارات التقليدية للسياسة النقدية ومن ثم رفع أسعار الفائدة على العملات الرئيسية.
هذه التطورات قد تؤدي إلى نشوء عدد من المخاطر التي تواجه الاقتصادات الناشئة خلال الربع الأخير من عام 2021 وعام 2022، لا سيما تلك التي لديها مستويات مرتفعة من المديونية، وتعاني من ارتفاع مستويات الاختلالات الاقتصادية الداخلية والخارجية، وهو ما قد ينتج عنه تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى خارج هذه الأسواق، وحدوث أزمات مالية الأمر الذي قد ينعكس سلباً على التعافي الكامل والمتوازن للاقتصاد العالمي. من جانب آخر يواجه الاقتصاد العالمي خطراً آخر يتمثل في ارتفاع مستويات المديونية العالمية وتسجيلها مستويات قياسية بلغت نحو 296 تريليون دولار أمريكي نهاية الربع الثاني من عام 2021، بما يمثل نحو 353 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي حسب تقديرات معهد التمويل الدولي وهو ما قد يثير مخاطر ترتبط بإمكانية حدوث أزمات مديونية مماثلة لتلك التي شهدها العالم خلال ثمانينات القرن الماضي.
في ضوء ما سبق يتوقع صندوق النقد العربي تسجيل نمو الاقتصادات العربية مجتمعةً بنسبة 2.7 في المائة في عام 2021، حيث من المنتظر أن تختتم اقتصادات مجموعة الدول العربية المُصدرة للنفط السنة الجارية بنسبة نمو بـ2.8 في المائة، حيث استفادت دول المجموعة من عدد من العوامل لعل من أهمها ارتفاع الأسعار العالمية للنفط بنحو 63 في المائة منذ بداية العام الجاري وحتى منتصف شهر أكتوبر، إلى جانب التقدم المحرز في دول مجلس التعاون الخليجي على صعيد حملات التلقيح الوطنية، والاستمرار في تبني حزم سخية للتحفيز المالي.
كما يتوقع نمو اقتصادات مجموعة الدول العربية المستوردة للنفط بنسبة 2.5 في المائة خلال العام الجاري بفعل عدد من العوامل، يأتي على رأسها تحسن الطلب الخارجي، وارتفاع تحويلات اليد العاملة بالخارج والتعافي النسبي للقطاع السياحي مع التقدم في حملات التطعيم وعودة فتح الاقتصادات اضافى لاستفاد عدد من دول المجموعة من الآثار الإيجابية للإصلاحات الاقتصادية المتواصلة في هذه الدول لاحتواء الاخلالات الداخلية والخارجية.
اما على صعيد التوجهات العامة للمستوى العام للأسعار فيبرز تقرير صندوق النقد العربي انه من المرتقب أن تسجل معدلات التضخم مستويات مرتفعة نسبياً في بعض الدول العربيّة خلال عام 2021 تأثراً بمجموعة من العوامل أهمها الارتفاع الملموس في الأسعار العالمية للغذاء، إضافة إلى ارتفاع أسعار منتجات الطاقة لاسيما في ظل تطبيق عدد من الدول العربية آلية التسعير التلقائي لمنتجات الطاقة لتتوافق مع التغيرات في الأسواق العالمية. كما يتوقع أن يتأثر المستوى العام للأسعار بأثر التمرير الناتج عن الضغوطات التي تواجه أسعار صرف العملة المحلية في بعض الدول العربية إضافة إلى تصاعد الضغوط التضخمية الناتجة عن التضخم المدفوع بعوامل جذب الطلب في بعض الدول كنتيجة لزيادة مستويات المعروض النقدي والزيادة في مستويات الأجور. ويُتوقع أيضا أن يتأثر المستوى العام للأسعار في بعض الدول العربية الأخرى بالتغيرات في حجم الإنتاج الزراعي المرتبط بالتقلبات المناخية.
اما في تونس فتشير المعطيات على هذا المستوى الى ان نسبة التضخم ارتفعت خلال أكتوبر الماضي إلى 6,3 بالمائة بعد شهرين من الاستقرار عند 6,2 بالمائة في تعارض تام مع السياسة الرسمية التي اعلن عنها في خصوص الحرب على الغلاء والمضاربة.
وتفسّر زيادة نسبة التضخم بتطور نسق ارتفاع أسعار الغذاء الذي سجل نموا بنسبة 7 بالمائة، ولا سيما أسعار الدواجن التي ارتفعت بنسبة 27,3 بالمائة خلال شهر واحد وارتفاع أسعار البيض بنسبة 14,4 بالمائة، والغلال بنسبة 13,7 المائة والأسماك بنسبة 3,8 بالمائة.
وبالإضافة إلى مجموعة الغذاء، سجلت بقية المجموعات ارتفاعا حسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء، حيث سجّل ارتفاع في أسعار الملابس والأحذية بنسبة 6,4 بالمائة، وأسعار خدمات ومواد التعليم بنسبة 1,7 بالمائة، مقابل تراجع أسعار مواد التبغ بـ0,5 بالمائة مقارنة بشهر سبتمبر الماضي.
وسجل الغلاء حضوره أيضا خلال شهر أكتوبر الماضي في قطاع الخدمات، ولا سيما منها خدمات المطاعم والمقاهي والنزل، التي ارتفعت بنسبة 6,5 بالمائة، فيما زادت أسعار الخدمات الصحية بنسبة 6 بالمائة، وأسعار الكراءات بنسبة 4,5 بالمائة.
وتكشف الأرقام الرسمية جنوح الأسعار نحو الارتفاع، معاكسة السياسة العامة للدولة وتوصيات رئيس الجمهورية قيس سعيد، الذي أعلن منذ 25 جويلية المنقضي الحرب على الغلاء والمضاربين، وطالب التجار وأصحاب المؤسسات بالانخراط في توجهات مكافحة الغلاء.
وفي آخر لقاء له برئيسة الحكومة نجلاء بودن طلب سعيد التعويل على الموارد الذاتية من أجل توفير مصادر تمويل لميزانية الدولة، ومواصلة التقشف في المال العام، إلى جانب التصدي للمحتكرين والمضاربين.
لكن تجار الغذاء والمنتجين يرفضون سياسة التحديد المسبق للأسعار، مطالبين بالتحرير التام للسوق والتشاور مع المنظمات المهنية قبل فرض سياسة تحديد هوامش ربحهم بما يمكن ان يقوض إمكانية تواصل منظومات الإنتاج للمواد الغذائية، حسب تقديراتهم.
وأعلنت مؤخرا، وزارة التجارة تحديد أسعار قصوى وهوامش ربح توزيع البيض والأسماك، ودعت كافة المتدخلين إلى الالتزام بتزويد السوق عبر مسالك التوزيع المنظمة وتطبيق الأسعار والهوامش المحددة رغم تأثير قرارات تحديد الأسعار على توفر السلع في السوق حيث تشهد الأسواق بسبب توتر العلاقة بين السلطة والمزودين نقصاً في التزويد بمواد أساسية عديدة منها الزيت النباتي إلى جانب ارتفاع قياسي في أسعار اللحوم البيضاء ومشتقات الدواجن.