الشارع المغاربي: الأوضاع الاقتصادية والمالية في تونس تسوء يوما بعد يوم . الكثير من التونسيين يتساءلون ويسألون “هل وصلنا الى الحالة اليونانية؟”، “هل وصلنا الى الحالة اللبنانية؟” أو “هل وصلنا الى الحالة الفينيزولية؟”.
وهذه التساؤلات تعكس طبعا خوف التونسي وحيرته على مستقبله ومستقبل ابنائه ولكنها تعكس أيضا نوعا من الاحباط ومن العجز امام التدهور المتواصل لأوضاعنا الاقتصادية والمالية. ولكن عوض ان نهتم بالحالة اليونانية او الحالة اللبنانية او غيرها لماذا لا نهتم بالحالة التونسية؟ نحن اصبحنا فعلا حالة، الحالة التونسية (ونحن “في حالة” فعلا) لماذا لا نحاول تشخيص اوضاعنا بطريقة علمية وموضوعية ونواصل في اصرارنا خطأً على اننا متفقون على التشخيص؟ لماذا لا نحاول فهم الاسباب الحقيقية التي ادت بنا الى هذا الوضع الاقتصادي والمالي المأساوي؟
لماذا لا نحاسب المسؤولين السياسيين ومستشاريهم ومستشاري ومستشارات مستشاريهم الذين أوصلوا تونس بجهلهم وتعنتهم أو ربما حتى بسوء نيتهم إلى هذا الطريق المسدود؟
الحالة التونسية
1 – النمو الاقتصادي
الاقتصاد التونسي أصبح عاجزا عن خلق النمو وخلق الثروة وخلق مواطن الشغل. الاقتصاد التونسي أصبح آلة تدمير للنمو وللثروة ولمواطن الشغل. باعتبار سنتي 2020 و2021 نسبة النمو الفعلية المسجّلة في تونس منذ 2011 هي صفر او ربما هي دون ذلك. الثروة في تونس تقلّصت ومواطن الشغل ضاعت. اقتصاديا أفضل تعبير عن الامل هو الاستثمار، الاستثمار في الانسان التونسي وفي تطوير معارفه وقدراته والاستثمار قصد خلق الثروة المادية. نحن لم نعد نستثمر لا في الانسان ولا في خلق الثروة.
الحالة التونسية تشهد الآن ارتفاعا متواصلا في نسبة الفقر وفي نسبة البطالة وفي نسبة الامية، نعم الامية. كما تشهد ايضا حالة من التصحر الصناعي. نسبة الصناعة في الناتج الداخلي الاجمالي في تراجع متواصل منذ 2011.
الارقام التي اصدرها المعهد الوطني للاحصاء يوم 15 نوفمبر 2021 تدل على اننا عدنا الى مستوى الناتج الداخلي الاجمالي (PIB) المسجل في 2010 (نعم 2010) . اما البطالة فقد ارتفعت بشكل مخيف والثروة تقلصت بشكل كبير. نسبة النمو المسجلة خلال الثلاثي الثالث من السنة الحالية بالانزلاق السنوي اي لمدة 12 شهرا من 1 اكتوبر 2020 الى موفى سبتمبر 2021 كانت 0.3 % وهذا بعد أن سجلنا نسبة نمو سلبية بـ 9 % في 2020. وهكذا يعود الناتج الداخلي الاجمالي الى مستوى 2010 وذلك بالدينار التونسي. أما بالدولار قصد المقارنة مع الدول الاخرى في ارقام الامم المتحدة (CNUCED) تشير الى ان الناتج الداخلي الاجمالي التونسي تراجع من مستوى 43 مليار دولار سنة 2009 الى مستوى 35 مليار دولار سنة 2020. أما مستوى دخل الفرد في تونس فقد تراجع في نفس الفترة من 4300 دولار في السنة الى 3000 دولار في السنة. تفقير ممنهج نتيجة التصرف في الشأن العام وفي الشأن الاقتصادي والمالي بالخصوص. البطالة ارتفعت من 13% سنة 2010 الى 18.4 % في نهاية سبتمبر لهذه السنة. البطالة في صفوف الشباب المتراوحة اعمارهم بين 15 و24 سنة تجاوزت 42%. هذا جزء من الحالة التونسية.
2 – المالية العمومية
لا يمكن الفصل بين الوضع الاقتصادي والمالية العمومية ولكن وضع المالية في تونس تدهور بنسق أسرع حتى من تدهور الأوضاع الاقتصادية. جبال من الديون تراكمت وتجاوزت مستوى 100 % من الناتج الداخلي الاجمالي وأُدخلت تونس في ما يسمى بالتداين المشطّ أي أن تونس أصبحت غير قادرة على تسديد ديونها بطرق طبيعية. الترقيم السيادي لتونس، اي تقييم قدرة تونس على مواصلة تسديد ديونها تمت مراجعته الى الادنى تسعة مرات خلال عشر سنوات ونحن لم نستوعب الدرس وفي كل مرة يركّز المسؤول في تونس على اختلاق الاسباب والمسببات والمبررات المزيفة والمخجلة احيانا مثل أن نقول إن البنك المركزي مسؤول عن نسبة التضخم المالي فقط أو أن نقول إن قانون الصرف (الذي يعود الى قانون الصرف الفرنسي لسنة 1946) “أنقذ تونس من الوصول الى الحالة اللبنانية”. أهذا يعني أنكم فخورون بالحالة التونسية؟
أرقام الميزانية التكميلية لسنة 2021 هي أقوى دليل على المأزق الذي وصلت اليه المالية العمومية التونسية. ولا فائدة في ذكر المزيد من التفاصيل. نحن الآن في نهاية شهر نوفمبر وليس لدينا ميزانية أو حتى مشروع ميزانية لسنة 2022. كيف ستموّل الدولة نفقاتها العامة للسنة القادمة لا احد يدري؟ لم نتوصل الى اي اتفاق مع صندوق النقد الدولي ومن الصعب جدا ان نتوصل الى اتفاق مع هذه المؤسسة وبالتالي تصبح تعبئة الموارد من التحديات الكبرى لتونس. البنك المركزي واصل تمويل عجز الميزانية مباشرة او عن طريق البنوك التونسية والنتيجة واحدة ولكنه يمعن في انكار ذلك لانه يعلم ونحن نعلم ان في هذا التمويل مخاطر كبيرة على كل التوازنات الاقتصادية والمالية بما في ذلك ارتفاع الاسعار وتدهور القدرة الشرائية وتدني سعر صرف الدينار.
3 الدين الاجنبي
التقرير الذي اصدره البنك الدولي منذ اشهر قليلة يشير الى ان الدين الاجنبي لتونس وصل الى مستوى 41 مليار دولار سنة 2020 اي انه تجاوز سقف 110 % من الناتج الداخلي الاجمالي. وبما ان معدل كلفة الدين الاجنبي (اي الفوائد ) هي بين 4 و5 % سنويا وبما ان الناتج الداخلي الاجمالي لا يزال يسجل نسب نمو سلبية فهذا يعني حسابيا اننا نحتاج الى تحقيق نسب نمو ايجابية في حدود 6 الى 7 % سنويا قصد تسديد كلفة الدين الخارجي من فوائد فقط وهذا يعني حسابيا اننا حتى اذا سجلنا نسب نمو ايجابية بـ6 او 7 % فلن نتمكن من تسديد أصل الدين او تحسين معدل مستوى عيش المواطن التونسي. تونس سقطت في فخ الدين الاجنبي المشطّ.
هذا جزء من توصيف الحالة التونسية ونحن “في حالة فعلا”. العقل يقول إن أول خطوة في طريق حل أي مشكل هو أن نعترف أولا بأن هناك مشكلا.
نشر بأسبوعية الشارع المغاربي الصادرة بتاريخ الثلاثاء 23 نوفمبر 2021