الشارع المغاربي – طباعة‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭ :‬المغالطة‭ ‬الكبرى‭!‬ / بقلم: عز الدين سعيدان

طباعة‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭ :‬المغالطة‭ ‬الكبرى‭!‬ / بقلم: عز الدين سعيدان

قسم الأخبار

4 مايو، 2023

الشارع المغاربي: قرأت‭ ‬مؤخرا‭ ‬تصريحا‭ ‬لاطار‭ ‬سام‭ ‬بالبنك‭ ‬المركزي‭ ‬التونسي‭ ‬يؤكد‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬المؤسسة‭ ‬المذكورة‭ ‬لم‭ ‬تلجأ‭ ‬قطّ‭ ‬الى‭ ‬طباعة‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭ ‬Planche à‭ ‬billet ‬وأقول‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬ان‭ ‬تصريحا‭ ‬مماثلا‭ ‬لا‭ ‬يُصدق‭.‬

ذلك‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬طباعة‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭ ‬معتمدة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بطريقة‭ ‬متواصلة‭ ‬منذ‭ ‬ديسمبر‭ ‬2020 ‭ ‬لكن‭ ‬وتيرة‭ ‬اللجوء‭ ‬اليها‭ ‬تسارعت‭ ‬بقوة‭ ‬سنة‭ ‬2022‭ ‬وأكثر‭ ‬منها‭ ‬خلال 2023.

يُشنّفون‭ ‬آذانكم‭ ‬باستمرار‭ ‬بأن‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬لا‭ ‬يطبع‭ ‬أوراقا‭ ‬نقدية‭ ‬وهو‭ ‬كلام‭ ‬صحيح‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬طباعة‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭ ‬التونسية‭ ‬تتمّ‭ ‬في‭ ‬الخارج‭. ‬لكنّنا‭ ‬عندما‭ ‬نتحدث‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬طباعة‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭ ‬فذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬حديثا‭ ‬عن‭ ‬طباعة‭ ‬فعلية‭ ‬بمفهومها‭ ‬المادي‭ ‬أي‭ ‬وجود‭ ‬مطبعة‭ ‬وورق‭ ‬وحبر‭ ‬فهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬وكل‭ ‬العالم‭ ‬يدرك‭ ‬اليوم (‬إلا‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬إدراك‭ ‬ذلك‭ ( ‬أن‭ ‬طباعة‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭ ‬تعني‭ ‬كل‭ ‬تمويل‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬لسدّ‭ ‬عجز‭ ‬ميزانية‭ ‬الدولة‭ ‬سواء‭ ‬تم‭ ‬ذلك‭ ‬بطريقة‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬عبر‭ ‬البنوك‭. ‬لكن‭ ‬البعض‭ ‬يفضّلون‭ “‬رفاهة‭” ‬الانكار‭ ‬وسياسة‭ ‬الهروب‭ ‬الى‭ ‬الأمام‭ ‬بل‭ ‬وأحيانا‭ ‬الكذب‭.‬

الإنكار‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬غياب‭ ‬الشجاعة‭  ‬لقول‭ ‬الحقيقة

إن‭ ‬عدم‭ ‬الاصداع‭ ‬بالحقيقة‭ ‬يُنهك‭ ‬قدرات‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬اصطياد‭ ‬الحيل‭ ‬والبراهين‭ ‬الكاذبة‭ ‬ويدفعه‭ ‬الى‭ ‬الانكار‭. ‬واخفاء‭ ‬الحقيقة‭ ‬يمنع‭ ‬المرء‭ ‬من‭ ‬التوصّل‭ ‬الى‭ ‬حلول‭ ‬صائبة‭ ‬وتطبيقها‭ ‬ويدفعه‭ ‬الى‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬الهروب‭ ‬الى‭ ‬الأمام‭ ‬بما‭ ‬يؤدي‭ ‬دائما‭ ‬الى‭ ‬تفاقم‭ ‬خطورة‭ ‬الأوضاع‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يسمح‭ ‬بتأخير‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الى‭ ‬أجل‭ ‬غير‭ ‬مسمّى‭. ‬فهل‭ ‬هناك‭ ‬داع‭ ‬لمطالبة‭ ‬الدولة‭ ‬بالشروع‭ ‬في‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الضرورية‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬صعوبتها‭ ‬اذا‭ ‬كانت‭ ‬الأموال‭ ‬تتدفق‭ ‬بغزارة؟‭ )‬بفضل‭ ‬سياسة‭ ‬طباعة‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭ ‬طبعا ).‬

لنتأكد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬يكفي‭ ‬استعراض‭ ‬سريع‭ ‬لبعض‭ ‬الأرقام‭ : ‬فبالنسبة‭ ‬لعام‭ ‬2023‭ ‬أجازت‭ ‬الدولة‭ ‬لنفسها‭ ‬الترفيع‭ ‬في‭ ‬ميزانيتها‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬22‭ ‬٪‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬مشاكل‭ ‬اقتصادية‭ ‬ومالية‭ ‬واجتماعية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭.‬

ميزانية‭ ‬ارتفعت‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬22‭ ‬٪‭ ‬وباتت‭ ‬تمثل‭ ‬نحو‭ ‬45‭ ‬٪‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬الداخلي‭ ‬الخام‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬اية‭ ‬نجاعة‭ ‬اقتصادية‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬ميزانية‭ ‬استثمار‭ ‬هزيلة‭ ‬نسبة‭ ‬إنجازها‭ ‬ضعيفة‭ ‬جدا‭. ‬ميزانية‭ ‬بـ‭ ‬70‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭)‬وهذا‭ ‬رقم‭ ‬مؤقت‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬التكميلي‭( ‬ تنص‭ ‬على‭ ‬اللجوء‭ ‬الى‭ ‬تمويل‭ ‬محلّي‭ ‬بنحو‭ ‬10‭ ‬مليارات‭ ‬دينار‭ ‬بينما‭ ‬نعلم‭ ‬جميعا‭ ‬أن‭ ‬طاقة‭ ‬التمويل‭ ‬المتوفرة‭ ‬لدى‭ ‬المنظومة‭ ‬البنكية‭ ‬والمالية‭ ‬بالبلاد‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬توازناتها‭ ‬المالية‭ ‬معرضة‭ ‬للأخطار‭ ‬بسبب‭ ‬ثقل‭ ‬وزن‭ ‬قروض‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬محافظها‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬2‭ ‬الى‭ ‬3‭ ‬مليارات‭ ‬دينار‭ ‬في‭ ‬السنة‭. ‬فمن‭ ‬أين‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬الرقمين؟‭ ‬طبعا‭ ‬كالعادة‭ ‬من‭ ‬طباعة‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭. ‬لكن‭ ‬من‭ ‬البداهة‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬التمادي‭ ‬في‭ ‬الانكار‭ ‬وسياسة‭ ‬الهروب‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬إعداد‭ ‬إخراج‭ ‬للمسألة‭. ‬اخراج‭ ‬لن‭ ‬يأتي‭ ‬على‭ ‬ذكر‭ ‬طباعة‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬تمويل‭ ‬عجز‭ ‬الميزانية‭.‬

السوق‭ ‬المفتوحة‭ ‬Open market‭ ‬وطلبات‭ ‬العروض ‭ ‬Appels d’offres

تملك‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬تحت‭ ‬تصرّفها‭ ‬تقنيتي‭ ‬السوق‭ ‬المفتوحة‭ ‬وطلبات‭ ‬العروض‭ ‬اللتين‭ ‬تخوّلان‭ ‬لها‭ ‬التصرف‭ ‬في‭ ‬السيولة‭ ‬المعروضة‭ ‬أي‭ ‬الكتلة‭ ‬النقدية‭. ‬وتسمح‭ ‬تقنية‭ ‬السوق‭ ‬المفتوحة‭ ‬لأي‭ ‬بنك‭ ‬مركزي‭ ‬بشراء‭ ‬سندات‭ ‬الخزينة‭ )‬دين‭ ‬الدولة‭( ‬لضخّ‭ ‬السيولة‭ ‬كلّما‭ ‬احتاج‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الى‭ ‬ذلك‭. ‬كما‭ ‬تسمح‭ ‬له‭ ‬ببيع‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬سندات‭ ‬الخزينة‭ ‬عندما‭ ‬يُقدر‭ ‬وجود‭ ‬فائض‭ ‬من‭ ‬السيولة‭ ‬وأن‭ ‬ذلك‭ ‬يمثل‭ ‬خطرا‭ ‬يُنذر‭ ‬بارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬التضخم‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬مهمة‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬سندات‭ ‬الخزينة‭ ‬فقط‭ ‬ويتم‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬يوم‭ ‬اكتتاب‭ ‬رقاع‭ ‬الخزينة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬البنوك‭. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬بفضل‭ ‬عملية‭ ‬طباعة‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭.‬

أما‭ ‬تقنية‭ ‬طلبات‭ ‬العروض‭ ‬فتهدف‭ ‬بدورها‭ ‬الى‭ ‬تحقيق‭ ‬نفس‭ ‬الغرض‭ : ‬ضخّ‭ ‬سيولة‭ ‬بالدينار‭ ‬لتمويل‭ ‬اكتتابات‭ ‬البنوك‭ ‬في‭ ‬سندات‭ ‬الخزينة‭. ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬بتاتا‭ ‬شكلا‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬طلبات‭ ‬العروض‭ ‬وإنّما‭ ‬لا‭ ‬يتعدّى‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬عملية‭ ‬طباعة‭ ‬أوراق‭ ‬نقدية‭ ‬للتغطية‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬القيام‭ ‬به‭. ‬ويتلخّص‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬رقم‭ ‬واحد‭ ‬ينشره‭ ‬يوميا‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬ويُدعى‭ “‬الحجم‭ ‬الإجمالي‭ ‬لإعادة‭ ‬التمويل‭”. ‬Volume global de financement‭ ‬وأدعوكم‭ ‬الى‭ ‬مراجعة‭ ‬صفحة‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ (‬bct.gov.tn‭) ‬والضغط‭ ‬على‭( “+‬d’info‭” ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭) ‬التي‭ ‬يعرض‭ ‬جدولها‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬نفس‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬السابقة‭.‬

انّ‭ ‬الفوارق‭ ‬التي‭ ‬ستلاحظونها‭ ‬تعود‭ ‬أساسا‭ ‬الى‭ ‬طباعة‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭. ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬ناهز‭ ‬حجم‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬طبعها‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬5‭ ‬مليارات‭ ‬دينار‭.‬

ومنذ‭ ‬بداية‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬بلغ‭ ‬الحجم‭ ‬نحو‭ ‬4‭ ‬مليارات‭ ‬دينار‭. ‬وتكشف‭ ‬نتائج‭ ‬موازنة‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬أيضا‭ ‬تمكينه‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬قرض‭ ‬مباشر‭ ‬بمبلغ‭ ‬2‭,‬810‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬يتم‭ ‬خلاصه‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬5‭ ‬سنوات‭ ‬وبلا‭ ‬فوائد‭. ‬والملاحظ‭ ‬انه‭ ‬تمت‭ ‬برمجة‭ ‬هذا‭ ‬القرض‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬التكميلي‭ ‬لعام‭ ‬2020‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أمواله‭ ‬اعدّت‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تقنية‭ ‬طباعة‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭.‬

كما‭ ‬أدعوكم‭ ‬الى‭ ‬مراجعة‭ ‬التقارير‭ ‬الحديثة‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬والبنك‭ ‬الدولي‭ ‬ووكالات‭ ‬الترقيم‭ ‬السيادي‭ ‬وكبريات‭ ‬البنوك‭ ‬العالمية‭ ‬لنرى‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تعوّدت‭ ‬تمويل‭ ‬تونس‭ ‬حذّرت‭ ‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬طباعة‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭.‬

لقد‭ ‬بات‭ ‬جليّا‭ ‬أن‭ ‬طباعة‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭ ‬هي‭ ‬أحد‭ ‬مصادر‭ ‬التضخّم‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بضخّ‭ ‬سيولة‭ ‬بلا‭ ‬مقابل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭. ‬والسؤال‭ ‬هو‭ : ‬لماذا‭ ‬اذن‭ ‬يتم‭ ‬الترفيع‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬الفائدة‭ ‬المديرية‭ ‬اذا‭ ‬كنّا‭ ‬وراء‭ ‬تأجيج‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬التضخم؟

الترفيع‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬الفائدة‭ ‬المديرية

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬الترفيع‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬الفائدة‭ ‬المديرية‭ ‬تخدم‭ ‬مصالح‭ ‬البنوك‭ ‬بالزيادة‭ ‬في‭ ‬أرباحها‭ ‬وتثقل‭ ‬كاهل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وتضعف‭ ‬تنافسيتها‭ ‬وتساهم‭ ‬بفعل‭ ‬كلفتها‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬التضخّم‭. ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬يسمح‭ ‬للسلطات‭ ‬النقدية‭ ‬بتلميع‭ ‬صورتها‭ ‬لتعطي‭ ‬بفعل‭ ‬اتباع‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬انطباعا‭ ‬بمكافحة‭ ‬تضخّم‭ ‬ساهمت‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬خلقه‭.‬

التضخم‭ ‬وسعر‭ ‬صرف‭ ‬الدينار

رغم‭ ‬بلوغ‭ ‬نسبة‭ ‬التضخم‭ ‬رقمين‭ ‬وركود‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وانفجار‭ ‬مستوى‭ ‬الدين‭ ‬العمومي‭ ‬والانخفاض‭ ‬الحاد‭ ‬في‭ ‬احتياطيات‭ ‬العملة‭ ‬الأجنبية‭ )‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬95‭ ‬يوم‭ ‬توريد‭ ‬مقابل‭ ‬ما‭ ‬يوازي‭ ‬126‭ ‬يوم‭ ‬توريد‭ ‬قبل‭ ‬عام)‭ ‬ارتفعت‭ ‬قيمة‭ ‬الدينار‭ ‬مقابل‭ ‬الدولار‭ ‬والاورو‭ ‬منذ‭ ‬يوم‭ ‬22‭ ‬نوفمبر‭ ‬2022‭ ‬بـ‭ ‬3‭ ‬٪‭ ‬أي‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الخمسة‭ ‬أشهر‭ ‬الأخيرة‭! ‬فبأية‭ ‬معجزة‭ ‬تم‭ ‬ذلك؟

لفهم‭ ‬التطور‭ ‬الحقيقي‭ ‬لسعر‭ ‬صرف‭ ‬الدينار‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بمزاوجة‭ ‬بين‭ ‬الدولار‭ ‬والاورو‭ ‬ومتابعتهما‭ ‬معا‭. ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬اقترحت‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تدوينة‭ ‬نشرتها‭ ‬بصفحتي‭ ‬الرسمية‭. ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬بها‭ ‬إدارة‭ ‬سعر‭ ‬صرف‭ ‬الدينار‭ ‬تشجع‭ ‬على‭ ‬الواردات‭ ‬وتعيق‭ ‬الصادرات‭ ‬وتؤدي‭ ‬بذلك‭ ‬الى‭ ‬انفجار‭ ‬عجز‭ ‬الميزان‭ ‬التجاري(‭ ‬25,2‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬سنة‭ ‬2022‭ ‬)وانفجار‭ ‬عجز‭ ‬ميزان‭ ‬الدفوعات‭ ‬الجارية‭ ‬وطبعا‭ ‬انفجار‭ ‬مستوى‭ ‬الدين‭ ‬الخارجي‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬يسمح‭ ‬للسلطات‭ ‬النقدية‭ ‬بالادعاء‭ ‬بأنها‭ ‬تضمن‭ ‬بذلك‭ ‬استقرار‭ ‬قيمة‭ ‬سعر‭ ‬صرف‭ ‬العملة‭ ‬الوطنية‭.‬

ملاحظة‭ : ‬كل‭ ‬الأرقام‭ ‬المقدمة‭ ‬مأخوذة‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬رسمية‭ : ‬وزارة‭ ‬المالية‭ ‬والبنك‭ ‬المركزي‭ ‬التونسي‭ ‬والمعهد‭ ‬الوطني‭ ‬للإحصاء‭.‬

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 2 ماي 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING