الشارع المغاربي-كريمة السعدواي: عبر رئيس الجمهورية قيس سعيد في العديد من المناسبات عن ضرورة التدقيق في القروض التي تعرف بالكريهة بمعنى عدم توجيهها للتنمية والبنية التحتية. كما تساءل مرارا عن مصير الاف المليارات التي انفقت في أوجه “غير معلومة” واعدا بتشكيل لجنة للبحث ومساءلة من تورط في اهدار هذه الأموال الكبرى التي كان حريا ان ينتفع بها المجتمع.
غير ان لجنة التدقيق في القروض لم تتشكل الى اليوم وكان اول ما فعلت حكومة نجلاء بودن هو السير على نفس نهج الحكومات السابقة منذ عهد “الترويكا” وذلك من خلال الحصول على قروض كبرى من هيئات مالية لا غرض واضح لها ليقتصر الامر على ابراز البيانات الرسمية انها موجهة لدعم الميزانية أي سد ثغرتها. ويفترض الامر إحالة نفس الوضعية على التدقيق الذي يطالب به الرئيس منذ مدة لان هذه القروض توجه كالعادة لنفقات عامة وأحيانا ظرفية خارج أي منطق تنموي تستفيد من وجوده الأجيال القادمة والتي ستتحمل عبء سداد هذه القروض اضعافا مضاعفة ولمدة تتجاوز الثلاثة عقود.
وبين المرصد التونسي للاقتصاد في مذكرة أصدرها اليوم 19 افريل 2022 ان وزارة الاقتصاد والتخطيط أعلنت في بيان نشرته يوم الأربعاء 6 أفريل 2022 عن امضاء اتفاقية تمويل بقيمة 400 مليون دولار من طرف البنك العالمي لفائدة مشروع الحماية الاجتماعية للتصدي العاجل لجائحة كوفيد-19. وتندرج الاتفاقية في إطار المرحلة الثانية من المشروع الذي انطلق العمل به في أوت 2021 حيث تحصلت تونس على تمويلات بقيمة 300 مليون دينار من قبل البنك العالمي لتفعيل برنامج “الامان الاجتماعي” في ظل تواصل تأثيرات جائحة كوفيد-19 على العائلات الفقيرة.
ويتضمن هذا البرنامج ثلاثة محاور: تحويلات مالية للتخفيف من تداعيات الجائحة، تحويلات لدعم الأطفال دون الخمس سنوات من أبناء العائلات الفقيرة ودعم منظومة الحماية الاجتماعية والمساعدة في تجسيم الاصلاحات خاصة على مستوى الحوكمة وتطوير إجراءات وعمليات الإدماج بالسجل الاجتماعي واعتماد الرّقمنة. وقدر المرصد ان المسالة تتعلق بالإجراءات الاجتماعية التي تضمنها قانون المالية لسنة 2022 دون أن يقع تحديد أليات تطبيقها في قانون المالية أو مصادر تمويلها خاصة مع المحافظة على حجم ميزانية وزارة الشؤون الاجتماعية في نفس مستوى سنة 2021 بارتفاع طفيف بـ 0.19 بالمائة في قانون المالية لسنة 2022.
ومع احتساب نسبة التضخم التي حددها البنك المركزي بـ 6.8 بالمائة عند نشر قانون المالية فإن ميزانية وزارة الشؤون الاجتماعية تشهد انخفاضا بـ 6.61 بالمائة بين 2021 و2022 دون احتساب نسبة التضخم الإضافي بعد اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية.
كما تطرّق المرصد التونسي للاقتصاد سابقا في تحليل لموجز الميزانية لسنة 2022 تحت عنوان “هل يحافظ قانون المالية 2022 على الدور الاجتماعي للدولة؟” الى تراجع الدور الاجتماعي للدولة نظرا لتدهور توازنات المالية العمومية والانعكاسات السلبية للسياسة التقشف المتبعة التي أدت الى تراجع هذا الدور .
وتم ايضا الوقوف على عجز الحكومة عن توفير التمويلات اللازمة لتغطية نفقاتها التنموية مما أدى الى الاعتماد على القروض والهبات الخارجية في اغلب المشاريع المبرمجة في قانون المالية لسنة 2022. وبعد مرور أربعة أشهر من بداية سنة 2022 يستنتج أن الدولة لا تعتمد على التمويلات الخارجية لتغطية نفقاتها التنموية فقط، وأنها أصبحت تعتمد على تمويلات البنك العالمي لتوفير المساعدات الاجتماعية وحوكمة قطاع الضمان الاجتماعي.
ويتم حسب المرصد انتهاج هذا التوجه بتعلة عدم قدرة تونس او الدول ذات الدخل الضعيف والمتوسط عموما، على الانفاق على نظام الحماية الاجتماعية نظرا لمحدودية مواردها المالية وهو ما وقع التطرق اليه خلال شهر فيفري لسنة 2022 في ندوة افتراضية شارك فيها المرصد التونسي للاقتصاد حول ” الضمان الاجتماعي الشامل: استكشاف القيود والإمكانات الاقتصادية والمالية” . وتم التأكيد، في هذا الاطار، على أن عديد الخيارات متاحة امام الحكومة لتعبئة الموارد اللازمة لتمويل نظام الحماية الاجتماعية في الدول ذات الدخل الضعيف والمتوسط. وبالنسبة لبلدان منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، على غرار تونس، يمكن الاعتماد على: أولا إطار اقتصادي أكثر ملائمة، ثانيا الزيادة في الموارد الضريبية، ثالثا مكافحة التدفقات المالية غير مشروعة، ورابعا واخيرا الاقتراض واعادة هيكلة الديون وهو اسهل الحلول الذي غالبا ما تلجأ له الحكومات التونسية دون العمل على تطوير نظام الضمان الاجتماعي ليصبح أكثر شمولية مع العمل ايضا على توسيع قاعدة الموارد المتاحة واستخدام جميع مصادر العائدات المحتملة من قبل الحكومة.