عصابات ومافيات الغابات تكبّد الدولة خسائر بـ 15 % في الناتج الداخلي الخام/ تحقيق: محمد الجلالي
قسم الأخبار
7 أكتوبر، 2022
0share
الشارع المغاربي: من شمال البلاد الى جنوبها بات النسيج الغابي الذي يغطي اكثر من ثلث مساحة تونس يواجه عمليات تدمير ممنهجة وأخرى عشوائية من طرف شركات وعصابات منظمة في ظل عجز اغلب اعوان الغابات عن التصدي لجحافل المعتدين وصمت ادارتهم وتقصيرها في احيان اخرى عن مساندهم.
حراس الغابات وفنيوها المجندون لحماية الملك العمومي اضحوا يتوجهون الى مراكز عملهم بالجبال والوهاد على ايقاع مخاطر محدقة بهم من كل جانب. فإن سلِموا من القضايا الكيدية ومن عمليات التعنيف والوعيد والتهديد بالقتل ومحاولات القنص والحرق في اماكن نائية تكون الملاحقات الادارية والنقل التعسفية والتجميد في انتظارهم.
في مواجهة مهربي الكليل
في مدينة القيروان تم تكليف الموظفة سعيدة خطاب بمراقبة مئات الهكتارات من الغابات. لم تدخر الموظفة العمومية جهدا في تطبيق القانون على مخالفيه لتجد نفسها في مواجهة نقلة تعسفية بدعوى حمايتها من المعتدين وضحية محاولة حرق امام زملائها وعلى مرأى من اعوان امن حسب افادة احد زملائها. قال موظف بوزارة الفلاحة: “الزميلة سعيدة كانت مثالا للعون العمومي المتفاني في الذود عن الغابات رغم جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقها وحجم المساحات المطالبة بحمايتها. كانت دائما تتصدى للمهربين فتفطنت الى ان اغلب بضاعة شاحنات الكليل المنهوب من الجبال تسلم الى معمل مختص في تقطيره بولاية القيروان. وتابع الموظف الذي فضل عدم الكشف عن هويته تفاديا لأية هرسلة ادارية: “الزميلة أوقفت في مناسبات متكررة شاحنات تنقل الكليل من جبال سليانة الى معمل التقطير بمعتمدية الوسلاتية باعتراف سواقها. وفي مناسبات اخرى رفض السواق التوقف هاربين بسرعة جنونية رغم المخاطر المحدقة بالعاملات الراكبات فوق اكداس الكليل”. المتحدث اكد ان عمليات نقل عاملات جني الكليل بطريقة غير قانونية ولا مؤمنة وتعمد المهربين السير بسرعة فائقة تسببت مؤخرا في حادث مرور اودى بحياة امرأة وجرح اخرى بعد انزلاق شاحنة بالطريق الرابط بين زغوان والقيروان. واضاف الموظف “اقتفت سعيدة خطاب قبل اشهر اثار شاحنة لم ينصع سائقها للتوقف فتبين لها ان الشاحنة دخلت المعمل المذكور بالوسلاتية فرابطت الموظفة غير بعيد لمعاينة الامر فرفعت بها الشركة شكاية متهمة اياها بمحاولة تكسير باب المعمل ورميه بالحجارة. وتهاطلت على والي القيروان شكايات ضدها بدعوى تعطيل العمال الفقراء من ممارسة نشاطهم اليومي المتمثل في جني الكليل”. الموظف اكد ان زميلته استنجدت في عملية تفقد روتينية للمعمل بفرقة امنية لتوثيق وجود شاحنة تهريب داخل المعمل بعد تقفي اثرها لافتا الى انها اكتشفت ان الشاحنة تخلصت من الكليل المسروق قبل المغادرة من باب خلفي والى انها في المقابل عاينت وجود احد مهربي الكليل بالمعمل. وواصل المصدر “نفس المهرب الذي سبق له الاعتداء على اعوان غابات بمكاتبهم في مندوبية الفلاحة بالقيروان كان في استقبال سعيدة خطاب حين تحولت مؤخرا صحبة زملائها وبعض اعوان الامن الى احد جبال معتمدية الوسلاتية لحجز آلات تقطير الكليل. واللافت ان العمال حضروا باعداد غفيرة وكانوا مسلحين بقوارير بنزين ومذراة وحجارة بما يعني انهم كانوا مستعدين لارتكاب امر ما.” واشار الموظف الى ان محاولة حجز معدات التقطير كادت تودي بحياة زميلته بعد ان سكب عليها احد العمال البنزين محاولا اشعال النار فيها قبل ان تسقط الولاعة ارضا مبينا ان سائقا بالمندوبية الجهوية للفلاحة بالقيروان لاحظ ان نفس المهرب الذي يزوّد المعمل بالكليل اعطى اشارة الهجوم على الاعوان العموميين ثم تظاهر بفض النزاع.
عون غابات بالقيروان أسر من جهته لأسبوعية “الشارع المغاربي” بان محاولة حرق زميلته تسببت في اجهاضها بعد اصابة الجنين باختناق مؤكدا ان الحادثة كشفت ان اعوان الغابات يواجهون مخاطر شتى بلا أي دعم من وزارتهم او من الادارة العامة للغابات. وابرز ان ملف محاولة حرق سعيدة خطاب شهد ايقافات في صفوف المعتدين قبل ان يتم اطلاق سراحهم وانه دفع ادارة الغابات في شهر جوان المنقضي الى اتخاذ قرار بنقلة الموظفة صحبة زوجها العامل ايضا بنفس الوزارة الى مركزي عمل اخرين خارج حركة النقل المعتادة بدعوى حمايتها من الاعتداءات مشيرا الى ان الادارة تراجعت عن قرارها بعد رفض الموظفة. مصدر بوزارة الفلاحة اكد من جانبه ان شركات مختصة في تثمين المنتجات الغابية تعمد الى الحصول على بتّات قانونية لكراء مقاسم خاصة بالاخشاب او الكليل او الزقوقو او الخروب او الزيتون وانها تتفق بعد ذلك سرا مع مهربين لتزويدها بالمنتجات من مقاسم اخرى مشددا على ان اعوان الغابات يجدون انفسهم في مواجهة شركات تبدو في الظاهر منضبطة للقانون وفي الخفاء مستولية على مئات الهكتارات من الملك الغابي عبر اتفاقيات سرية مع عصابات خارجة عن القانون. المصدر بيّن ان ما يحدث في القيروان ليس سوى عينة مما يجري في اغلب الجهات مشيرا الى ان بعض زملائه بولاية سليانة لاحظوا تكرر نفس السيناريو في السطو على الملك الغابي وان شركة على ملك نائب بالبرلمان المحل على علاقة باحد المهربين مؤكدا ان اغلب المحاضر المسجلة في نهب الغابات تحرر ضد مواطنين ومهربين يبيعون المنتوج المهرب الى نفس الشركة. وقال المصدر انه سبق لاعوان غابات بسليانة ان لاحظوا ان وزيرا سابقا للفلاحة كان يتردد بصفة دورية على منزل النائب ملاحظا ان علاقة وصفها بالمريبة تجمع نفس النائب باحد المشرفين على القطاع.
ابحث عن المستفيد
موظف بالمندوبية الجهوية للفلاحة في سليانة تطرق الى حرائق الغابات لافتا الى ان اغلبها عادة ما يكون بفعل فاعل. وقال “بعيدا عن التعتيم الكبير الذي يحيط بملف حرائق الغابات التي تطورت من 14 الف هكتار في 2014 الى 28 ألف هكتار في 2021 لاحظنا ان سلطة الاشراف تتفادى طرح الاسئلة الحقيقية” مضيفا ” لو بحثنا عن المستفيدين من الحرائق لاكتشفنا ان هناك شبكات منظمة – قد يكون لها امتداد داخل الادارة- تقف خلف التدمير الممنهج للغطاء الغابي”. واستطرد “لا يخفى على احد ان عديد الاطراف تتحرك مباشرة بعد الحرائق بين من يعمد إلى التوسع على حسابها فيحوّلها إلى أراض زراعية ومن يسارع إلى تشييد بناءات واقامات ومن يقتني منتجاتها من وزارة الفلاحة بأثمان بخسة ثم يستولي على مساحات شاسعة بالتواطؤ مع عصابات تهريب ومن ينتهز فرصة الحرائق لاقتناء صابات الكليل التي عادة ما تكون اكثر انتاجية بعد عودة النبتة الى النمو.” من جهة اخرى كشف احد فنيي الغابات لـ “الشارع المغاربي” انه قبض قبل خمس سنوات على شاب بصدد اشعال النار في غابة بالشمال الغربي وانه فوجئ بتبرئته بعد تدخل ابيه المنخرط في حزب سياسي كان في السلطة طيلة العشرية السابقة. وأضاف ان السياسي استظهر بشهادة تثبت ان ابنه يعاني من إعاقة جسدية” متسائلا: “هل يعقل ان يكون الابن معوقا وهو متزوج ويتنقل بين الاسواق ويتاجر في العقارات على مدى سنوات؟” وتابع” في المقابل اتهمني الشاب بالاعتداء عليه فلم تدعمني ادارتي التي ماطلت في تمكيني من وثيقة ضرورية في القضية والا ما الذي يفسّر تباطئها في انجاز تقرير اداري يثبت براءتي بالتوزاي مع حضوري كتمهم في ثلاث جلسات بالمحكمة؟” المصدر عرّج على ظروف عمل اطارات الغابات مشيرا الى انهم يشكون من نقص فادح في الامكانات والى انهم لا يتمتعون بأية حوافز مقابل قضاء ما لا يقل عن 12 ساعة عمل يوميا وفي ظل مخاطر تتربص بهم من كل جانب. وبيّن ان عمليات التصدي للحرائق في الجبال ما فتئت تكشف عن تهميش القطاع ملاحظا ان العمل جنبا الى جنب مع وحدات الحماية المدنية عرّى حقائق وصفها بالمُرّة لافتا الى ان مسؤولي الديوان الوطني للحماية المدنية كانوا يقفون مع اعوانهم في مواجهة السنة اللهب في الجبال ويزودونهم بالاكل والشرب ويمتعونهم بحوافز وبمنح مجزية لمكافأتهم على مجهوداتهم المضنية في عمليات الاطفاء والى أن اعوان الغابات يقضون في المقابل ساعات طوال في الجبال دون اية مساندة من ادارتهم بما يدفع بعضهم الى الاتصال بعائلاتهم لتوفير الطعام لزملائهم. أسبوعية “الشارع المغاربي” ارسلت في 21 سبتمبر الماضي الى وزارة الفلاحة مطلب نفاذ للحصول على معطيات حول عدد القضايا التي رفعتها بمتسببين في حرائق بالغابات بين 2011 و2022 وعدد الاحكام الباتة في هذه القضايا وحجم الغابات المحروقة التي تم تشجيرها ومساحة الغابات المحروقة التي تم تغيير صبغتها ولم تحصل على اجابة الى حدود نشر هذا المقال.
أمير خليجي يلاحق غزلانا
قبل ثلاث سنوات تفطّن حارس غابات بولاية قفصة الى تسلّل ركب مكوّن من سيارات رباعية الدفع قال انها كانت على ملك أمير خليجي الى غابة عمومية لملاحقة بعض الغزلان فاتصل برئيسة دائرة الغابات فايدة مقدمي التي سارعت بالحاق بالموكب دفاعا عن الثروة الحيوانية المنهوبة وفق تأكيد احد زملائه. الموظف أشار الى ان الظروف الصحية لرئيسة الدائرة التي كانت حاملا في السابع لم تمنعها من الوقوف مع زملائها والى انه كان لذلك وقع كبير في شد ازرهم ورفع معنوياتهم وهم يتصدون الى صيد غير قانوني مبرزا ان المقدمي اخفت عنهم حالة الاعياء الذي كانت تشعر به طيلة اليوم الى ان سألت وهي في حالة يرثى لها عمن ينجدها بما يسد رمقها وجنينها. والاهم من كل ذلك وفق نفس الموظف ان “رئيسة الدائرة لم تسمح للامير الخليجي باستباحة الغابات وارتكاب مجازر في حق الغزلان”. وتابع المصدر” استبسال المقدمي في الالتزام بالقانون لمسناه في تعاطيها مع ملف آخر لمّا تمسّكت بمحاسبة شركة على ملك النائب السابق بالبرلمان المحل لطفي علي بسبب ما اعتبرها المصدر تجاوزات خطيرة في استغلال مقاطع. وأشار الى ان ذلك دفع النائب الى التهديد بنقلتها خارج قفصة والى ان ذلك كاد يحصل بعد صدور قرار اداري بنقلتها الى مندوبية الفلاحة بصفاقس ملاحظا ان رئيسة الدائرة رفضت القرار وان ذلك ادى الى تعيينها في ادارة للمنتوجات البيولوجية معتبرا ذلك تجميدا مقنّعا. المصدر شدّد على ان الادارة عينت خالة وزير في الحكومة الحالية رئيسة جديدة لدائرة الغابات وعلى ان ذلك ساهم في تثبيط عزائم الاعوان مؤكدا انها لم تساند زملاءها حين لجؤوا اليها لمعاضدتهم في التصدي للصيد العشوائي بعد عودة الامير الخليجي. من جهة اخرى يؤاخذ موظفون بمندوبية قفصة الرئيسة الجديدة لدائرة الغابات على عدم التعاطي الجدي مع الشكايات الواردة عليها مشددين على انها تحاول قدر الامكان طمس ملف انتدابات مقابل رشاوى ورد عليها من مواطنين ثم من رئاسة الحكومة. وأوضح احد الموظفين ان عمالا تقدموا بشكايات متهمين منسق حضيرة بابتزازهم ماليا ومطالبتهم بدفع رشاوى مقابل التنصيص على تسجيل حضورهم. “الشارع المغاربي” حصلت على وثائق تؤكد ان “منسقا عاما باحدى حضائر مندوبية الفلاحة بقفصة كان يُجبر العمال على دفع مبالغ مالية بداية كل شهر مقابل التزامه بعدم شطب اسمائهم من دفاتر الخلاص” وان “المنسق كان أيضا يفرض عليهم تحت التهديد العمل لحسابه الخاص.” واكد ان عدم تفاعل المندوبية مع شكايات المواطنين تسبب في نزاعات بين العائلات وان ذلك ادى الى تعطيل نقل الفسفاط وغلق ادارات محلية بمعتمدية المظيلة بعد تفاقم احتجاجات الرافضين للابتزاز. كما حصلت الجريدة على مراسلة وجهها فلاحون الى المندوب الجهوي للفلاحة بقفصة بتاريخ 23 أوت الماضي تتهم مهندسا مشرفا على احدى المحميات بتعمد تسجيل 9 أشخاص غير اصيلي معتمدية بلخير قالت المراسلة ان من بينهم زوجته وصهره لتمكينهم من اجور وانهم في المقابل لم يباشروا عملهم بالمحمية. ويبدو ان هذه المراسلة لم تلق التعاطي الاداري الضروري وفق ما كشف موظف بالمندوبية اكد ان “الفساد اصبح امرا واقعا ما دامت الوزارة ترفض اعفاء المندوب المحال على القضاء او نقلته وما دامت الادارة العامة للغابات تستجيب لضغوطات بعض النقابيين المشتبه في ضلوعهم في تجاوزات ولا تتصدى لعمليات صيد عشوائي يقترفها اشخاص نافذون داخل المحميات”. هكذا باتت الغابات التي توفر اكثر من مليون موطن شغل وتساهم في مناعة السيادة الغذائية والامنية مسرحا لجرائم تقترف من طرف شركات وشخصيات نافذة وعصابات منظمة في حين يؤكد بعض الخبراء ان صيانتها وتعهدها بالحماية والتشجير والتثمين قد يساهمان في توفير 15 % من الناتج الداخلي الخام. في الاثناء يعاني الاعوان الميدانيون الامرّين لحماية ما تبقى من النسيج الغابي رغم التهديدات والهرسلة الإدارية والقضايا الكيدية.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 4 اكتوبر 2022