الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: أعلن صندوق النقد الدولي، يوم 15 اكتوبر الجاري عن توصله الى اتفاق مع السلطات التونسية على مستوى الخبراء لمنحها قرضا بقيمة 1.9 مليار دولار يسدد على مدى 48 شهرا مبينا أن الاتفاق النهائي يبقى مرتبطا بموافقة المجلس التنفيذي للصندوق والذي من المبرمج أن يناقش طلب تونس في شهر ديسمبر القادم.
وابرزت المؤسسة المالية الدولية ان الاتفاق يندرج ضمن آلية “صندوق التسهيل الممدد” وانه يهدف إلى استعادة الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلي وتعزيز الأمن الاجتماعي والعدالة الجبائية وتكثيف الإصلاحات لإرساء مناخ ملائم لتحقيق النمو الشامل وفرص العمل المستدامة بتونس.
وتفرض اللوائح التنظيمية لصندوق النقد ان يوقع على الاتفاقات التمويلية بمختلف اصنافها مسؤولو الوفد المفاوض وهم كل من محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي ووزيرة المالية سهام نمصية في ما يتعلق بالاتفاق الأخير مع تونس. كما تفرض معايير الصندوق نشر مجمل وثائق بروتوكول التمويل بمجرد التوصل الى اتفاق في الغرض مع إمكانية حجبها في صورة طلب الحكومة المقترضة ذلك.
ولا تفرض اللوائح التنظيمية لصندوق النقد الدولي توقيع رئيس الدولة المدينة باعتبار ان اتفاقات التمويل هي بروتوكولات مالية تخضع لموافقة السلطة التشريعية دون سواها كقوانين مالية لها نفس علوية القوانين الأساسية والمعاهدات الدولية. ومن الواضح انه في ما يتعلق بالحالة التونسية، فان الصندوق مجبر على المطالبة بتوقيع قيس سعيد على الاتفاق التمويلي في غياب البرلمان الذي قام بحله بمقتضى إجراءات استثنائية وذلك بناء على قواعد توازي الصيغ القانونية.
وتشكل الوضعية سابقة من نوعها في تعامل المؤسسات المالية الدولية مع تونس والتي خرقها يوسف الشاهد لأول مرة لدى توقيعه على القرض السابق لصندوق النقد، ولكن بصفته رئيسا للحكومة.
في جانب اخر، لم يتم الى اليوم نشر تقرير خبراء الصندوق وخطاب النوايا الملحق به وجوبا والمقدم للصندوق من قبل وفد الحكومة التونسية الى المؤسسة المالية الدولية رغم ما تفرض لوائحه على مستوى الإفصاح عن هذه الوثائق في اجل أقصاه 10 أيام من تاريخ التوصل المبدئي للاتفاق التمويلي.
ويفترض حسب المعايير المعتمدة من قبل الصندوق أن تشمل وثائق القرض التي ينشرها، خطاب النوايا المقدم من الحكومة لتأكيد التزامها بالسياسات والأهداف الاقتصادية والمالية التي اتفقت عليها معه للحصول على القرض، وكذلك مذكرة السياسات المالية والاقتصادية التي تتضمن الأهداف التفصيلية والإجراءات التي تتخذها الحكومة لتحقيق الإصلاح الهيكلي وفق الجداول الزمنية المتفق عليها، وأخيرا مذكرة التفاهم الاولي الموقعة بين الصندوق (ممثلا في خبرائه) والحكومة.
غير ان عدم نشر الصندوق الوثائق الى اليوم يعود بالتأكيد لطلب الحكومة التونسية عدم الإفصاح عنها وهو ما تكفله لها لوائح الصندوق في صورة طلب حجبها.
يذكر ان العديد من المؤشرات تؤكد ان قرار الصندوق المبدئي لمنح تونس قرضا جديدا بقيمة 1.9 مليار دولار بصيغة التسهيل الممدد هو قرار سياسي بامتياز على أكثر من صعيد وذلك نظرا لإدراك خبرائه العميق ان تونس غير قادرة على تحمل المزيد من الديون الخارجية وهو ما تؤكده تقاريرهم المتواترة منذ مدة اضافة الى معرفتهم بان القرض المذكور سيصرف بالأساس في تسديد اقساط الديون السابقة لصندوق النقد قبل غيره من دائني تونس.
وتعيد الوضعية عموما الى الواجهة معضلة الديون الكريهة التي تحصل عليها تونس باستمرار باعتبار الشروط غير المقبولة لهذه الديون وارتفاع نسب فوائدها وتوجيهها حصرا لسد ثغرة الميزانية وخلاص خدمة القروض على حساب نفقات المرفق العام وفي سياق تقشفي صارم يمليه الدائنون وهو ما يفسر تكتم الحكومة الحالية على كل الوثائق الفنية المتعلقة باتفاق التمويل الأخير الذي توصلت اليه مع صندوق النقد على مستوى الخبراء.
وتعتبر الدول التي تتخطى نسبة ديونها الخارجية عتبة الأربعين بالمائة قد بلغت مرحلة الإنذار المبكر السابق لمرحلة الخطر الجسيم خاصة إذا كانت المديونية الخارجية تشكل 75 بالمائة من كتلة الديون كما هو الشأن بالنسبة لتونس. وفي مثل هذه الحالات تفقد الدولة المدينة حرية التصرف في الأموال المقترضة ويكون الخيار العقلاني الوحيد أمامها هو إعلان عجزها عن التسديد والتفاوض على إعادة الجدولة أو الحلول البديلة الأخرى المتاحة. لكن تونس لم تتجرأ حتى على مجرد التفكير في الامر، بل ذهبت للمرة الرابعة منذ 2011 الى تجديد التعاقد مع صندوق النقد الدولي وقروضه المشروطة بالتدابير التقشفية وبإعطاء أولوية الانفاق لتمويل الواردات ودفع الديون بقطع النظر عن انخرام التوازنات المالية الكبرى للبلاد.