الشارع المغاربي -كريمة السعداوي: تؤكد المؤشرات المالية للمؤسسات العمومية انهيارها الواحدة تلو الاخرى بعد عقود طويلة من سوء التصرف واهدار مقدراتها وهي ظواهر اشتدت خلال العشرية الماضية بفعل التعيينات السياسية وانحراف عدد من النقابات.
ويتجسد سقوط عدة مؤسسات عمومية في انهيار عدد منها يعمل في مجال المرفق العمومي كالنقل والتزويد بالمواد الاساسية، غير ان الانهيار بصدد الاستفحال منذ مدة ليشمل مؤسسات تنشط في قطاعات ربحية وبصفة احتكارية تامة وذلك على غرار شركة الفولاذ.
ارتفاع عجز الأموال الذاتية للشركة إلى 333 مليون دينار
نشرت الشركة التونسية لصناعة الحديد “الفولاذ” الاسبوع الفارط بموقع هيئة السوق المالية قائماتها المالية والايضاحات المتعلقة بها بعنوان السنة المحاسبية المختومة في 31 ديسمبر 2021، بينت تسجيلها نتيجة سلبية بـ 25.8 مليون دينار وهو ما يعود أساسا الى الارتفاع القياسي للأعباء المالية.
وارتفع عجز الأموال الذاتية للشركة حسب قائمة ميزانيتها إلى 333 مليون دينار، وهو ما يعادل اكثر من ست مرات رأس مالها المقدر بنحو 53.4 مليون دينار وذلك وسط تطور مديونيتها الى 564 مليون دينار علما أن الشركة تأسست سنة 1962 وأنها تحتكر انتاج وبيع منتجات الحديد والصلب على غرار حديد التسليح والحديد التجاري والأسلاك المسحوبة والهياكل المعدنية فضلا عن احتكار تصدير الخردة.
كما تبين الايضاحات المتعلقة بالقائمات المالية للشركة تدهور خزينتها، باعتبار انها تعيش، وفق مراقبي حساباتها،وضعية مالية صعبة للغاية نتيجة الخسائر المتراكمة وارتفاع حجم التداين. كما تتسم وضعيتها بانخرام كامل للتوازنات المالية العامة وتواصل الارتفاع في مستوى التداين القصير المدى مما انجر عنه المزيد من الأعباء المالية يستوجب التعجيل بإنجاز عملية التطهير المالي وإيقاف هذا النزيف في تقدير مراقبي الحسابات.
افلاس غير معلن وسعي للخوصصة
يتضح من خلال مؤشرات المؤسسة، بلوغ رقم معاملات الشركة لسنة 2021 نحو 167 مليون دينار مقابل 165 مليون دينار سنة 2020 أي بزيادة تساوي مليونيْ دينار، وإذا لم يتم احتساب عائدات تصدير الخردة المنجزة خلال سنة 2020، تكون الزيادة في حدود 17 بالمائة وهي متأتية أساسا من ارتفاع سعر بيع حديد البناء بنسبة 58 بالمائة.
ويفيد مراقبو الحسابات باستمرارالصعوبات المالية للشركة وقد انجر عن ذلك عدم خلاص مستحقات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (107 ملايين دينار( منذ سنة 2011. وتفاقمت المديونية تجاه بعض المزودين اذ وصلت نهاية 2021 الى 121 مليون دينار لدى الشركة التونسية للكهرباء والغاز والى 28 مليون دينار تجاه الشركة الوطنية لتوزيع البترول. كما تخلفت الشركة عن سداد ديونها الجبائية وأبرمت لخلاصها روزنامة ميسرة لتقسيط تسديدها.
عجز سلطة الاشراف
رغم هذه الوضعية المتسمة بالتدهور الحاد لمؤشرات المؤسسة، فإن سلطة الاشراف تبقى عاجزة حتى عن مجرد تقديم خطة انقاذ وتطهير مالي قصيرة المدى لضمان استمرار نشاط الشركة وهي التي تحتكر تزويد السوق المحلية بمواد حساسة اذ اقتصر سعي الحكومة على التقيد بتوصيات المكاتب المكلفة بالتدقيق الشامل للبنوك العمومية بالتمديد في منح ضمان الدولة لفائدة الشركة بعنوان التعهدات المالية المتخلدة بذمتها لدى هذه البنوك والتي تناهز 158.5 مليون دينار.
كما تعهدت الحكومة بعرض ملف “الفولاذ” على انظار مجلس وزاري مضيق بعد الموافقة المبدئية لمجلس الوزراء المنعقد في 21 جانفي الفارط على خوصصتها جزئيا وذلك بالتوازي مع دراسة برامج تطهيرها المالي والاجتماعي والعقاري وجدولة ديونها لدى البنوك العمومية.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 7 فيفري 2023