الشارع المغاربي-التقاه صالح سويسي: الحديث مع سفير إندونيسيا بتونس زهيري مصراوي لا يخلو من طرافة، فالابتسامة لا تفارق محيّاه مهما كان الموضوع. يسوق المعلومة في قالب يمزج بين الجد والهزل ويُمرّر فكرته بأسلوب مباشر وواضح وبكثير من الثقة والتفاؤل بغدٍ أفضل.
يحب تونس بشكل لا يوصف ويمكن أن نلاحظ ذلك في حديثه عنها وعن تاريخها وأعلامها، ومُدنها وقراها وحضارتها، ولا يفوّتُ فرصة ليعبّر عن محبّته تلك عن طريق تصوير مقاطع فيديو لتهنئة تونس والتونسيين بحلول عيد وطني أو مناسبة دينية، كان آخرها تهنئته بحلول شهر رمضان المعظم وهو يرتدي الجبّة التونسية.
يعمل منذ وصوله على دعم العلاقات التاريخية العريقة بين البلدين في كل المجالات، ويتحرك في كل الاتجاهات كي يجعل من تونس نقطة جذب للسائح الإندونيسي ويسعى لإرساء جسر جوي بين جاكرتا وتونس العاصمة وجدة ليمرّ المعتمرون الإندونيسيون بتونس قبل الوصول إلى البقاع المقدسة.
كما يسعى لمضاعفة تصدير التمور التونسية لبلاده، فضلا عن زيت الزيتون والفسفاط والمنتوجات البحرية.
يتحدث عن علاقة الصداقة التي جمعت بين الزعيمين بورقيبة وسوكارنو، وتقارب الأفكار والتطلّعات في بناء الدولة.
ويوغل في الحديث عن الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور الذي يتبرّك به الإندونيسيون ويعتبرونه مرجعا للإسلام المعتدل، بل يدرّسون كتبه ويطبقون أفكاره…
في هذا الحوار حاولنا أن ننطلق من تاريخ العلاقات التونسية الإندونيسية وصولا إلى سعي محدثنا لمزيد تعميقها ودعمها.
كيف تقدّمون العلاقة التاريخية بين تونس وإندونيسيا؟ وكيف انطلقت؟
العلاقة بين إندونيسيا وتونس، هي بالأساس علاقة صداقة وأخوة، نحن كالعائلة الواحدة، حيث لما غادر الزعيم بورقيبة سنة 1951 جزيرة قرقنة إلى ليبيا ثم القاهرة ومنها إلى إندونيسيا، طلب من الزعيم أحمد سوكارنو دعم إندونيسيا تونس ومساعدتها وكان ذلك قبل 5 سنوات من حصولها على الاستقلال.
والحمد لله لبّى سوكارنو طلب بورقيبة وفتحنا المكتب التونسي في جاكرتا وأرسل بورقيبة رشيد إدريس ليكون رئيسا لذلك المكتب أين أعدّ كل الأمور لاستقلال تونس، ورفعنا علم تونس في جاكرتا، وكانت اندونيسيا أول دولة تعترف بتونس سنة 1951.
وفي المؤتمر الآسيوي الإفريقي لعدم الانحياز اعترفنا مرة أخرى بتونس وخصصنا لها كرسيّا في المؤتمر.
أنا أعتز وأفتخر دائما بالزعيم بورقيبة الذي كانت له أفكار مستنيرة وتطلّعات مستقبلية، زعيم فكّر في ذلك الوقت في السفر لإندونيسيا أين أرسى جسر تواصل وعلاقة ليست ديبلوماسية فحسب وإنما علاقة صداقة بين إندونيسيا وتونس انطلقت من خمسينات القرن الماضي وتتواصل حتى اليوم. وبعد الاستقلال دعا بورقيبة سوكارنو لزيارة تونس وكان هناك استقبال رهيب وهائل، حيث كتبت جريدة «الصباح» وقتها أن أكثر من 100 ألف تونسي استقبلوا زعيمنا، وقد طلبت من بلدية تونس إطلاق اسمه على أحد الشوارع تقديرا لدوره في استقلال تونس.
علاقتنا بتونس كانت دائما علاقة تاريخية، علاقة جميلة، تتواصل مع الأجيال الجديدة، وفي النهاية هي ليست علاقة بقدر ما هي أفكار متقاربة لزعيمين في بناء الدولة وتوجهاتها حول اللامركزية مثلا والاهتمام بالفقراء والأرياف وكيفية بناء دولة قومية وطنية، ونحن في إندونيسيا والحمد لله نفتخر إلى اليوم ونعتز ونطبق أفكار سوكارنو وبورقيبة ونجحنا في كل المجالات، في السياسة والاقتصاد والثقافة.
ثمّة علاقة خاصة تجمع الإندونيسيين بالشيخ محمد الطاهر ابن عاشور، كيف تفسّرون هذه العلاقة؟
محمد الطاهر ابن عاشور عالم نعتز به ونفتخر به كما نفتخر بالزعيم بورقيبة، ولمؤلفاته أثر كبير ودور كبير في إندونيسيا، فهي أفكار تعطي الأمل للتقدم والازدهار للدول المسلمة، وسوف نطبع كتابا جديدا له حول ”أسس التقدم في الإسلام” ومؤلفاته القديمة من ذلك ”مقاصد الشريعة” ورسائل التحرير والتنوير” و”أصول النظام الاجتماعي في الإسلام” و”أليس الصبح بقريب؟” وغيرها مشهورة جدا في إندونيسيا وأفكار الطاهر ابن عاشور مقروءة، مدروسة ومطبقة عندنا.
بلادنا من أكبر الدول الإسلامية المعتدلة، ولكن العالم لا يدري من أين يأتي هذا الاعتدال، والذي يعود للعلامة محمد الطاهر ابن عاشور ويكفي أن تزور المساجد والمعاهد والجامعات لتجد مؤلفاته كمراجع.
وحين حللت بتونس، كان أول ما فعلته هو زيارة ضريحه، حتى أن سائقي سألني إن كنت أعرفه فأجبته ”أنا لا أعرفه فقط بل هو في قلبي” ولليوم أزوره كل يوم 15 من الشهر، ونحن محظوظون كأجيال جديدة بأننا قرأنا له ودرسناه، وحتى سيّاحنا حين يأتون إلى تونس يذهبون مباشرة لزيارة ضريحه.
نحن نتبرّك بالعلامة ابن عاشور فلولاه لما كان المسلمون في إندونيسيا معتدلين، ولولاه لما كان لنا أن نتطلع للتقدم في إندونيسيا. والعلامة محمد الطاهر ابن عاشور يكتب من أجل خير الأمة الإسلامية والعالم الإسلامي وعلى كل تونسي أن يفتخر به ويطبق أفكاره، لأنها أفكار معاصرة وهي ما نحتاجه هذه الأيام، وفيها دعوة لحب الوطن والتسامح والعمل من أجل الإصلاح فهو يدعو للاجتهاد كي نساير المستجدات في حياتنا حتى نبدع وننتج من أجل مصلحتنا.
وكنا نظمنا ملتقى العلامة محمد الطاهر ابن عاشور، والعام المقبل سنعمل على إحياء الذكرى الخمسين لوفاته، وطبعا هناك علماء آخرون في تونس مثل أبي سعيد الباجي وبلحسن الشاذلي وابن خلدون وهم علماء مرموقون، ولكن مكانة ابن عاشور أكبر لأنه عاش في عالمنا المعاصر ومؤلفاته لامست حياتنا اليومية.
على مستوى التعليم العالي، ماذا عن حضور طلبة إندونيسيا في الجامعات التونسية؟
حاليا، هناك حوالي 150 طالبا إندونيسيا يزاولون تعليمهم العالي في تونس في جامعة الزيتونة وجامعة منوبة، وفي العام القادم سيأتي طلبة آخرون للدراسة في جامعات المنار والقيروان وقرطاج وجامعات أخرى، ولكن غالبيتهم يعرفون الزيتونة فيأتون للدراسة فيها، وسأسعى كسفير ليدرس الطلبة الإندونيسيون في جامعات أخرى.
كما أن السفارة تطمح لفتح ”زوايا إندونيسيا” وهي عبارة عن أعلام حضارة إندونيسيا وتاريخها وثقافتها وأفكارها فضلا عن اللغة، وكانت أولى الجماعات التي استجابت لدعوتنا هي جامعة سوسة، والآن شرعت الحكومة الإندونيسية في فتح باب تمتع طلبة تونسيين بمنح دراسية في إندونيسيا وهناك فعلا طلبة يدرسون مراحل الماجستير والدكتورا، ونحن نسعى لفسح المجال أكثر أمامهم علما أن حوالي أربعين تونسيا يتحدثون الإندونيسية بطلاقة وهم يحبون بلادنا كما أحب أنا بلادكم كثيرا والأكيد سيكون هذا التبادل التربوي والثقافي أقوى وأحسن في المستقبل.
ماذا يُعيق توافد السياح الإندونيسيين بأعداد كبيرة على تونس رغم عمق العلاقات بين البلدين؟
هناك مشكلان أساسيان أمام قلّة توافد السياح الإندونيسيين على تونس.
المشكل الأول هو فرض السلطات التونسية التأشيرة على السائح الإندونيسي، وكنت تحدثت مع وزير الداخلية ووزير السياحة لكي تكون هناك تسهيلات للسياح الإندونيسيين، فعدد السياح الذين يسافرون إلى الخارج سنويا يعادل 24 مليون إندونيسي، يزورون أوروبا وتركيا ومصر وأمريكا وطبعا السعودية ليناهز العدد 45 مليونا.
أمّا السبب الثاني فهو قلة الدعاية عن جمال تونس، رغم أنها مشهورة ومعروفة في إندونيسيا بجمالها، ونحن في السفارة نعمل على إعداد ”فيديوهات” عن تونس.
فأنا مثلا حين أريد السفر إلى تونس سأبحث في ”غوغل” أو في موقع ”يوتيوب” فلا أجد المعلومة الكافية عن المهدية مثلا أو القيروان حاضرة الإسلام أو المنستير أو سوسة أو جربة أو الجنوب التونسي أو بنزرت أو جندوبة… وجميعها نماذج لجمال الطبيعة الرائع في تونس، ونحن في السفارة نعمل على توفير مثل هذه «الفيديوهات».
وقد تحدثت مع وزير السياحة وقلت إنني أريد أن أساعد مثلما فعل رئيسنا في الماضي وساعد على استقلال تونس، فأنا سأساعد على مجيء مليون سائح إندونيسي إلى تونس لزيارة مغارة أبي الحسن الشاذلي وضريح العلامة محمد الطاهر ابن عاشور.
نحن نسعى لتنظيم زيارات سياحة روحية إلى القيروان وإلى مقامات سيدي أبي سعيد الباجي وسيدي محرز وجامع الزيتونة…
اليوم عدد المعتمرين الإندونيسيين يبلغ حوالي 30 مليون معتمر سنويا، ونحن في السفارة نريد أن يمرّ هذا العدد عبر تونس قبل التوجه إلى السعودية، لنمدّ جسرا للمعتمر الإندونيسي يبدأه من تونس ويكمله في البقاع المقدسة، ونحن نعمل على هذا، وقد تحدثت مع سعادة سفير تونس في جاكرتا رياض الدريدي عن كيفية تكثيف عدد السيّاح من الاندونيسيين المتوجهين إلى تونس.
ولا أخفي أنني متفائل بالمستقبل وسيكون القادم أفضل من حيث التسهيلات، ومن جانبنا سنعمل على تكثيف عدد السياح، علما أن لدى السائح الإندونيسي طبع خاص حيث لا يمكث في النُّزُلِ والشواطئ، بل يتجول كثيرا ويتسوق كثيرا، ويحب تونس ويتحدث عنها وعن شعبها بكل حب واحترام.
ماذا عن واقع التبادل التجاري بين تونس وإندونيسيا؟ وإلى ماذا تطمحون في المستقبل؟
من وجهة نظري الخاصة، أرى أنّ تاريخنا العريق والجميل يجعلنا نسعى ليكون التبادل التجاري أحسن وأكثر وأقوى في المستقبل.
الآن تحتلّ تونس المرتبة الثالثة في المنطقة من حيث التصدير بعد مصر والسعودية، وأنا أطمح لتكون في المرتبة الأولى، وقد بدأنا في تكثيف تصدير التمور وهي الآن في حدود 6 آلاف طن وأنا أريد أن تكون 20 ألف طن أي ثلاثة أضعاف وهذا ممكن جدا، والتمور التونسية موجودة في كل المنازل والبيوت الإندونيسية، والآن أنا أعمل على تصدير زيت الزيتون لأننا استوردناه من إسبانيا ولكن بأسعار مرتفعة، لذلك نريد استيراده من تونس، كذلك الفسفاط والمنتوجات البحرية، والفرص كثيرة وأنا أتحرك في أكثر من اتجاه خاصة أن هناك اتفاقية في مجال التجارة لرفع مستوى التوريد والتصدير بين البلدين ونرجو أن تتوفر تسهيلات أكبر في هذا المجال.
نترك لك حرية إنهاء هذا الحوار، هل من رسالة توجهها للشعب التونسي؟
نحن نريد الخير لتونس ونتمنى لها الازدهار والتقدم، وكما أقول إنّ لتونس كل الخيرات، الطاقات البشرية والطبية وكل المقومات، وينبغي عليها العمل الجماعي وليس العمل الفردي مثل إندونيسيا، وأنا كسفير عندي خبرة في الحكومة بحوالي 17 عاما وكنت وضعت خطة ازدهار بلادي وأنا أعمل بها، واذا كانت اندونيسيا التي تعد 280 مليون نسمة قد نجحت في كل المجالات فما الذي يمنع تونس من ذلك؟
أنا أقول دائما ”إن مع العسر يسرا” وتونس محروسة بأوليائها وبالعلامة محمد الطاهر ابن عاشور وستكون دائما بخير.
* نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 28 مارس 2023