الشارع المغاربي: في حين تغيب الدولة عن توفير مقوّمات العودة المدرسيّة الناجحة بجميع الجهات وتكتفي بالشعارات ودون أن توفّر بنية تحتية شاملة وملائمة وصالحة لتنزيل الأفكار صلب الواقع، تحضر الإرادة الشّعبيّة مرّة تلو الأخرى؛ تارة للتّصرّف وتدوير الأثاث من طاولات وغير ذلك قصد إعادة استعمالها كما فعل “كريم عرفة” في السابق، حيث عمل على ترميق وترميم المعدم من الطاولات التي عادة ما نجدها ملقاة في الجهات الخلفية للمؤسسات التربوية، وقد أجاد في ذلك وكانت مبادرته تلك قد لقيت ترحيبا ومباركة من المواطنين.
هذه المرّة تتدخّل مسنّة بنفسها، امرأة لا نعرف عنها الكثير سوى وجهها الضّاحك/ الباسم في الصورة التي تناقلتها صفحات التّواصل الاجتماعي، وهي تضع آخر قطعة حجر في الطريق ليُخلّد عملها وجهدها الذي استمرّ عاما بأكمله دون انقطاع أو كلل. هذه المرأة لا نعرف حتى اسمها غير أنّ كثيرا من الصفحات الاجتماعيّة قد وصفتها بأنّها “امرأة برتبة دولة” وبأنّها من أرياف جندوبة، يبدو من ملامحها أنها بلغت الستين من العمر، لكن كما يُقال العمر مجرّد رقم بالنسبة لمن اختار سبيل العمل والجدّ والاجتهاد، هذه المرأة الدّولة اختارت أن تتدخّل بنفسها لتعبّد الطريق الذي يربط بين المدرسة ومنازل المتمدرسين. قد يقول البعض إنّ هذا شأن الدّولة، فهي التي تسهر على تسخير طاقتها ومواردها المالية والبشرية من أجل تنزيل قاعدة “التلميذ محور العملية التربوية”. لكن يبدو أن الدولة قد قصّرت مفهومها على احتكار العنف بالمعنى الفيبري، فهي لا تتدخل إلا من أجل فرض القوة دون أن تبالي بالبعد الاقتصادي والاجتماعي المناط بعهدتها. وبقدر ما نثمّن مبادرة هذه المرأة وندعو إلى تكريمها ولو باستدعائها لإحدى الإذاعات الوطنيّة، فلا أحد يمكنه أن ينكر أهمّية هذه المبادرة، خصوصًا في أرياف الشمال الغربي حيث تغيب أبسط مقوّمات العيش الكريم، ومن بين ذلك الطرق، فالمسالك الفلاحية، عادة ما تغرق في الأمطار والأوحال وتحول دون وصول التلاميذ إلى مقاعد دراستهم، قلت رغم قيمة المبادرة لكن يجب ألا يُسلَّم الأمرُ إلى غير أهله، فمن واجب الدولة أن تعبد الطريق حتى بالحجارة مثلما فعلت هذه الجدّة، ومن واجب الدولة أن ترعى مصالح المواطنين وتستصلح ما فسد وتبني ما يُحتاج إليه من مرافق عمومية فحتّى المشاريع المموّلة من جهات أجنبيّة لم تر النور بعد ولا أدلّ على ذلك المستشفى المموّل من الطّرف السّعوديّ والذي يُزمَع تشييده في القيروان.
في الختام لا يسعنا إلا أن نرفع آيات الشكر لهذه الجدّة الصبورة والكادحة وعساها تُلهم مسؤولي الدولة روح المسؤوليّة ويقظة الضّمير وتدفعهم نحو استعادة رشدهم.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 19 سبتمبر 2023