الشارع المغاربي – تونس والجدولة "السرّية" لديونها لصندوق النقد الدولي

تونس والجدولة “السرّية” لديونها لصندوق النقد الدولي

قسم الأخبار

27 أبريل، 2021

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: زفّ يوم أمس الاثنين 27 افريل 2021 وزير المالية علي الكعلي “بشرى” جديدة للتونسيين مفادها اعتماد الحكومة تكتيكا استراتيجيا جديدا في المفاوضات المنتظرة مع صندوق النقد الدولي قال انه تمثل في تحديد الإصلاحات المزمع تنفيذها مسبقا حتى يكون النقاش مع المؤسسة المالية الدولية على أساس برامج وليس علي قيمة مالية معينة، على عكس المرات السابقة التي أثبتت فشلها، على حد تقديره.
 غير انه يبدو ان افادة الكعلي “المطمئنة” تتضارب مع عدة تصريحات سابقة له مفادها ان تونس ليست في حاجة لديون وان الحصول على ديون جديدة هو لخلاص الديون القديمة لا غير وما الى ذلك من الاقوال والافتراضات…

 في المقابل، أبرزت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي في المراسلة الأخيرة التي توجهت بها للحكومة انه لا يمكن الانطلاق في أي تفاوض دون تقديم برنامج “إصلاحات” واقعي وقابل للتنفيذ وذلك من حيث المبدأ مما يعني أن مسألة تحديد قيمة التمويلات المفترض منحها لتونس وهو ما كرره بكل بساطة وزير المالية على مسامع التونسيين.

ويذهب، في جانب اخر، العديد من المطلعين على الشأن الاقتصادي الوطني انه حتى في صورة قبول صندوق النقد أي مطلب مالي تونسي فان الامر لن يتعلق بالتأكيد بعشرات المليارات من الدولارات سيما أن الموضوع برمته يأتي في سياق انقاذ تردي تونس في وضعيات مشابهة لحالات عديدة تعيشها دول مختلفة سيما في الشرق الأوسط بل ان أقصى قيمة مالية يمكن الحصول عليها بعد املاء الصندوق شروط من كافة الأصناف والأشكال لن تتجاوز في أحسن الحلات مليار او مليار ونصف دولار بما يعادل قيمة الشريحتين السادسة والسابعة التي قطع الصندوق صرفهما عن تونس بعنوان القرض الائتماني لعام 2016.

كما أن الغاية الحقيقية للصندوق كأية مؤسسة مالية تتمثل في ضمان أمواله والمتخلد بذمة تونس لديه من أقساط غير مدفوعة بعنوان قرضي 2013 و2016 وبالتالي فإن الوضعية بأكملها تختزل في إعادة جدولة ديون وهي عملية كلاسيكية يقع التوجه إليها مع المدينين من العاجزين عن الإيفاء بالتزاماتهم في الآجال وسائر المتلكئين في خلاص القروض…

كما بين وزير المالية أن أبرز محاور البرنامج الذي أعدته تونس لتقديمه لصندوق النقد الدولي هو اعادة النمو في تونس وتحسين المقدرة الشرائية للمواطن وارساء نظام جبائي شفاف وعادل وما رد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي إلا دليل على التمشي السليم لتونس في مصارحة الشعب بحقيقة الوضع الاقتصادي وهذا يعتبر سندا ايجابيا. 
 

وكان صندوق النقد الدولي قد أصدر مذكرة في أكتوبر من العام الفارط أبرز فيها أنه من الضروري على البلدان المنكشفة لمخاطر الديون أن تعالج مواطن الانكشاف بصورة عاجلة، وهو الحال بالنسبة لتونس، عبر الجمع بين إدارة الدين وإجراءات استعادة النمو.

وإذا كان الدين وفقا لمذكرة الصندوق في حدود مستدامة، فإنه من الضروري إعادة هيكلته بمعنى جدولته، ويفضل أن يتم ذلك في أقرب وقت ممكن وربما الأهم من ذلك كله هو الحاجة إلى إصلاح “تصميم” الديون الدولية، وهو ما يشمل عقود الدين السيادي، ومؤسسات كصندوق النقد الدولي ونادي باريس، وأطر السياسات التي تدعم إعادة الهيكلة المنظمة للديون. والهدف من ذلك هو إتاحة تخفيف عاجل وعميق بالقدر الكافي لأعباء ديون البلدان التي تحتاج إلى هذا التخفيف، الأمر الذي يعود بالنفع على النظام كله وليس على هذه البلدان وحدها.

ومن المؤكد أن اول مستفيد من مسألة إعادة جدولة ديون الدول المتعثرة بشكل متقدم اقتصاديا هو صندوق النقد الدولي حيث تمكنه إعادة الجدولة من تضخيم هرم ديونه وإبقاء البلدان المدينة في منطقة التعامل معه وبالدولار خصوصا أن إعادة الجدولة تتم حسب منطق الإصدارات النقدية البسيطة…

غير أن الصندوق يطلب قبل النظر في مطالب إعادة جدولة الديون أن تلتزم الدول الراغبة في ذلك بتوفير شفافية ديونها وهو ما لا يمكن لتونس ان تنفذه لعدة اعتبارات أبرزها ان الديون تستخدم في سياقات “غامضة” للدعم المباشر للميزانية. وبالتالي وبدون معرفة ما تدين به البلدان كتونس بالفعل وبأي شروط، يتعذر على الدائنين اتخاذ قرارات إقراض مستنيرة استنادا الى رؤية صندوق النقد الدولي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الدائنين يحجمون عن المشاركة في عمليات إعادة الجدولة إذا لم يكونوا على علم بالشروط التي يقدمها مجمل الدائنين.

كما تعتبر اعادة جدولة الديون دوليا عملية يتم بمقتضاها تغيير بنود الدين المتعلقة بسعر الفائدة، أو بآجال استحقاق الاقساط عبر تمديد فترة السداد أو بهما معا. وتتم إعادة الجدولة عادة بناء على طلب واضح ومشروط تبعا لمواجهة المالية العمومية صعوبات في السداد والايفاء بالالتزامات تجاه الدائنين في آجال استحقاقها.

وتكون إعادة جدولة ديون الدول بخلاف ديون الأفراد والشركات بالضرورة مصحوبة بشروط قاسية تكون لها تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة .ومرد ذلك أن أهم الدائنين الدوليين (البلدان المنضوية تحت لواء ما يسمى بنادي باريس) يشترطون الموافقة المبدئية للمؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) على إعادة الجدولة.

ومن المعروف أن هذه المؤسسات تُلزم الدول المدينة بانتهاج سياسات اقتصادية انكماشية تقضي بخفض النفقات في الميزانية العامة والترفيع في الضرائب (الضريبة على الدخل وعلى القيمة المضافة)، مما يعمق مشكل المديونية بسبب تراجع النمو الناجم عن تدني مستويات الاستهلاك والاستثمار، وتترتب عليه كلفة اجتماعية وسياسية عالية، تتمثل خاصة في ارتفاع معدلات البطالة ونسب الفقر وازدياد الاحتقان الاجتماعي.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING