الشارع المغاربي – الخفايا‭ ‬السياسية‭ ‬للوزراء‭ ‬مزدوجي‭ ‬الجنسية - بقلم أحمد بن مصطفى

الخفايا‭ ‬السياسية‭ ‬للوزراء‭ ‬مزدوجي‭ ‬الجنسية – بقلم أحمد بن مصطفى

قسم الرياضة

3 سبتمبر، 2019

الشارع المغاربي : التطورات‭ ‬المتلاحقة‭ ‬بالمشهد‭ ‬السياسي‭ ‬والانتخابي‭ ‬التونسي‭ ‬ومنها‭ ‬تخلي‭ ‬يوسف‭ ‬الشاهد‭ ‬عن‭ ‬جنسيته‭ ‬الفرنسية‭ ‬وسعيه‭ ‬لتوظيف‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬انتخابيا،‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬مفعولا‭ ‬عكسيا‭ ‬سيما‭ ‬وانه‭ ‬تعمد‭ ‬إخفاء‭ ‬هذا‭ ‬الامر‭ ‬وسعى‭ ‬جاهدا‭ ‬من‭ ‬موقعه‭ ‬على‭ ‬راس‭ ‬الحكومة‭ ‬لخدمة‭ ‬المصالح‭ ‬الغربية‭ ‬وطموحاته‭ ‬الانتخابية‭ ‬والسلطوية‭ ‬اللامحدودة‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬إمكانيات‭ ‬الدولة‭ ‬والدعم‭ ‬الفرنسي‭ ‬الغربي‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬مكشوفا‭ ‬ومعلنا‭ ‬منذ‭ ‬ماي‭ ‬2018‭ ‬وذلك‭ ‬مقابل‭ ‬تعهدات‭ ‬بإعطائه‭ ‬الأولوية‭ ‬لتمرير‭ ‬أهم‭ ‬بنود‭ ‬اتفاق‭ “‬الآليكا‭” ‬بالقوانين‭ ‬التونسية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬بالفعل‭.‬

الا‭ ‬ان‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬مكترثا‭ ‬لردود‭ ‬الفعل‭ ‬المحلية‭ ‬المستهجنة‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬المدمرة‭ ‬لمصلحة‭ ‬البلاد‭ ‬والأقرب‭ ‬الى‭ ‬التحيل‭ ‬السياسي‭ ‬خاصة‭ ‬وان‭ ‬الفوز‭ ‬بالرئاسة‭ ‬للبقاء‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬اضحى‭ ‬بالنسبة‭ ‬اليه‭ ‬امرا‭ ‬مصيريا‭ ‬وحيويا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬منافسة‭ ‬شديدة‭ ‬من‭ ‬أطراف‭ ‬سياسية‭ ‬عديدة‭ ‬تخشى‭ ‬هي‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬ومن‭ ‬احتمالية‭ ‬حصول‭ ‬تحول‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الجغراسياسي‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬الى‭ ‬فقدانها‭ ‬للدعم‭ ‬الخارجي‭ ‬سيما‭ ‬إذا‭ ‬ارتأت‭ ‬فرنسا‭ ‬وحلفاءها‭ ‬ان‭ ‬مراجعة‭ ‬تحالفاتها‭ ‬هو‭ ‬السبيل‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬نفوذها‭ ‬ومصالحها‭ ‬بتونس‭. ‬

في‭ ‬الواقع‭ ‬ان‭ ‬التاريخ‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬التونسي‭ ‬الخفي‭ ‬منه‭ ‬والعلني‭ ‬يبين‭ ‬ان‭ ‬فرنسا‭ ‬لجأت‭ ‬باستمرار‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬مراحل‭ ‬مخططها‭ ‬الاستعماري‭ ‬بتونس‭ ‬الى‭ ‬‭ ‬اختراق‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬التونسية‭ ‬وانتداب‭ ‬المتعاونين‭ ‬والعملاء‭ ‬صلبها‭ ‬مع‭ ‬السعي‭ ‬لتمكينهم‭ ‬من‭ ‬الولوج‭ ‬الى‭ ‬مواقع‭ ‬قريبة‭ ‬او‭ ‬مؤثرة‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬سلطة‭ ‬القرار،‭ ‬وقد‭ ‬تواصلت‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬بصيغ‭ ‬جديدة‭ ‬واشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬متناغمة‭ ‬مع‭ ‬مقتضيات‭ ‬العولمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬الكفاءات‭ ‬التونسية‭ ‬واستقطابهم‭ ‬وضمان‭ ‬ولائهم‭ ‬بمنحهم‭ ‬الجنسية‭ ‬وتمكينهم‭ ‬من‭ ‬الحوافز‭ ‬وفرص‭ ‬العمل‭ ‬المجزية‭ ‬صلب‭ ‬الشركات‭ ‬المتعددة‭ ‬الأطراف‭ ‬او‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬وغيرها‭. ‬

وامتدت‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬لتشمل‭ ‬المعارضين‭ ‬للنظام‭ ‬السابق‭ ‬المنتمين‭ ‬الى‭ ‬مختلف‭ ‬العائلات‭ ‬والمشارب‭ ‬السياسية‭ ‬الذين‭ ‬لجأوا‭ ‬الى‭ ‬البلدان‭ ‬الأوروبية‭ ‬ثم‭ ‬عادوا‭ ‬بكثافة‭ ‬وبتخطيط‭ ‬مسبق‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬ليتصدروا‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬وليحتلوا‭ ‬مناصب‭ ‬حكومية‭ ‬وخطط‭ ‬وظيفية‭ ‬عليا‭ ‬صلب‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بسياسة‭ ‬توزيع‭ ‬السلطة‭ ‬والمغانم‭ ‬بين‭ ‬الاحزاب‭ ‬الفاعلة‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬المحاصصات‭ ‬والولاءات‭ ‬الحزبية‭ ‬وبما‭ ‬يتلاءم‭ ‬أيضا‭ ‬مع‭ ‬مصالح‭ ‬الأطراف‭ ‬الخارجية‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مؤثرة‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬مراحل‭ ‬الانتقال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬لتضمن‭ ‬عدم‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬مصالحها‭

.‬ ‭ ‬وهكذا‭ ‬تولت‭ ‬فرنسا‭ ‬وأوروبا‭ ‬ممثلة‭ ‬بعدد‭ ‬هام‭ ‬من‭ ‬الوزراء‭ ‬مزدوجي‭ ‬الجنسية‭ ‬مناصب‭ ‬هامة‭ ‬وسيادية‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬الحكومات‭ ‬المتعاقبة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬رئاسة‭ ‬حكومتي‭ ‬جمعة‭ ‬والشاهد‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬الأولوية‭ ‬القصوى‭ ‬التي‭ ‬حظيت‭ ‬بها‭ ‬المفاوضات‭ ‬حول‭ ‬الآليكا‭ ‬و‭”‬استراتيجية‭ ‬بناء‭ ‬تونس‭” ‬2016‭ – ‬2020‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬بمساهمة‭ ‬فرنسية‭ ‬أوروبية‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬انسجام‭ ‬تام‭ ‬مع‭ ‬سياسات‭ ‬اقتصاد‭ ‬السوق‭ ‬وفي‭ ‬تناقض‭ ‬تام‭ ‬مع‭ ‬بنود‭ ‬دستور‭ ‬الثورة‭ ‬الحامل‭ ‬لمقاربة‭ ‬سيادية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وعلاقات‭ ‬التعاون‭ ‬الدولية‭ ‬لتونس‭. ‬

وعلى‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬يؤمل‭ ‬ان‭ ‬تحظى‭ ‬هذه‭ ‬الملفات‭ ‬بما‭ ‬تستحقه‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬الحملة‭ ‬الانتخابية‭ ‬القادمة،‭ ‬سعيا‭ ‬لإقناع‭ ‬الراي‭ ‬العام‭ ‬بخطورة‭ ‬تكرار‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬وضرورة‭ ‬تحقيق‭ ‬تداول‭ ‬سلمي‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬مشفوع‭ ‬بأغلبية‭ ‬جديدة‭ ‬حاكمة‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬وطنيين‭ ‬غير‭ ‬مورطين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬وحاملة‭ ‬لمشروع‭ ‬وطني‭ ‬جامع‭ ‬مستوحى‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬بما‭ ‬يجعلها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الحلول‭ ‬الكفيلة‭ ‬بإعادة‭ ‬التوازن‭ ‬لعلاقات‭ ‬تونس‭ ‬الخارجية‭ ‬ومعالجة‭ ‬المديونية‭ ‬المفرطة‭ ‬المكبلة‭ ‬لسيادتنا‭ ‬وإعادة‭ ‬بناء‭ ‬العلاقات‭ ‬التونسية‭ ‬الفرنسية‭ ‬الأوروبية‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬جديدة‭ ‬تراعي‭ ‬مصالحنا‭ ‬العليا‭ ‬وتمكن‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬استعادة‭ ‬قرارها‭ ‬السيادي‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬خياراتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الكبرى‭ ‬ووضعها‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬كفاءاتها‭ ‬الوطنية‭ ‬الاصيلة‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬كافة‭ ‬اشكال‭ ‬الوصاية‭ ‬والهيمنة‭.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING