الشارع المغاربي: راشد الغنوشي في مقال نشره باسمه في الصحيفة الأمريكية الواسعة الانتشار “USA Today”يوم 20 فيفري 2021 وباللغة الانڤليزية (زادة)، التي لا يحسنها لا نطقا ولا حتى قراءة، وموجّه أصلا للإدارة الامريكية الجديدة برئاسة بايدن، يستنجد فيه بالأمريكيين صراحة لا تلميحا بما معناه “أنتم أعنتمونا على الفوز بالحكم في 2011 فلا تخذلونا في 2021 وانقذونا من خطر كنسنا من الموجة الجارفة للتيارات الرجعية والشّعبويّة التي تحنّ للاستبداد وللنظام القديم” حسب تعبيره.
وفي الحقيقة صادق الغنوشي هنا في اعترافه بفضل الادارة الأمريكية في عهد الرئيس أوباما وحتى قبله على قرارها المراهنة عمّا سمّوه بـ”الإسلام المعتدل” ليعوّض الأنظمة المستبدة التي تآكلت شرعيّتها والتي سوف توظفه في مشروع أوسع اطلقوا عليه الشرق الأوسط الجديد، فوصول الإخوان للحكم لم يكن لا ثمرة نضال لهم من اجل الديمقراطية ولا مساهمة فعّالة في التحركات الشعبية التي ركبوها والتي اسقطت بن علي، كانوا فقط تسلّلوا للسلطة عبر الدعم الأمريكي كما خُطّط له وعبر المال القطري وسواه كما فاضت به خزينة النهضة وشيخها العائد من منفاه الاختياري بلندرة.
الغنوشي يقدّم نفسه في هذه الرسالة وكأنّه ديمقراطي اصيل أفنى عمره في الدفاع عن الحرية وتمجيد النظام الديمقراطي ونشر الفكر الحر والدفاع عن حقوق الإنسان وهو الآن مع حزبه تتهدّده “التيارات المعادية للديمقراطية وللثورة” والتي تتزعمها عبير موسي بالأساس رئيسة الحزب الدستوري الحر.
ثرثرة الغنوشي ربما يصدقهّا الأمريكي العادي المهتم صدفة بتونس لكن لن تنطلي ادعاءاته على اصحاب القرار في أمريكا، فهم لديهم استعلاماتهم وخبراؤهم ويعرفون حقيقة الأمور في تونس وبتفاصيلها، وما يجهله الغنوشي الذي يستنجد بالدعم الأمريكي وكأنه “ابنهم المستبنى”، ان الدول الكبرى ليس لها صداقات دائمة بل مصالح دائمة، والاخوان قد استعملوهم لأهداف معينة في برنامجهم الاستراتيجي في تغيير خريطة البلاد العربية وقد انتهت مهمتهم الآن، خاصة وانهم فشلوا فشلا ذريعا في حكم بلدانهم وتقلصت شعبيتهم الى الحضيض.
ثم أنّ الغنوشي وصحبه يعرفه الأمريكيون قبل تونس الثمانينات وبعد تونس مرورا بالجزائر والسودان وانقلترا فهو اخواني ذي نفس وهّابي عقيدة وممارسة وصديقا لعبد الله عزّام واسامة بن لادن وينهل من مؤلفات منظري التكفير والجهاد من ابن تيميّة ومحمد ابن عبد الوهاب وصولا للمودودي والقرضاوي، والامريكيون يعرفون كذلك التاريخ الدموي للإخوان في تونس منذ سبعينات القرن الماضي حتى الأيام الأخيرة من نشرعقيدة التكفير والمعاداة للغرب حضارة وقيما الى استباحة اجساد المختلفين بالحرق والتشليط والتفجير.
والتونسيون قبل الامريكيين هم واعون بما عانوه من نحلة هذا الدّعي رافع راية الديمقراطية كذبا و بهتانا. لم ينس التونسيون ونخبهم المستنيرة تلك النسخة من الدستور التي اراد فرضها حزب النهضة ذات 2013 والتي كانت تبغي فرض الشريعة مصدر اساسي للتشريع في البلاد وهي ضرب لأسس الدولة المدنية وللديمقراطية التي يتبجح الغنوشي في الدفاع عنها، والتونسيون كما الامريكيين يتذكرون شعارات الاخوان في بناء دولة الخلافة وتطبيق الشريعة والجهاد واستعدائهم لغير المؤمنين بعقيدتهم وتقسيم التونسيين لمسلمين وكفارعلمانيين وجلب دعاة التكفير والجهاد من كل حدب لنشر سمومهم في تونس وخاصة قد رأى التونسيون في العشرية السوداء من حكم الإخوان وحلفائهم ما لم يروه طيلة تاريخ تونس المعاصر من انتشار وتركيز للإرهاب واغتيالات للمعارضين ولقوات الأمن والجيش على اساس انهم طواغيت في خدمة من لا يحكمون بما أنزله الله سلاحهم في ذلك مجاميع السلفيين الجهاديين وجهازهم السري الاستخباراتي المسلح والتونسيون كما الامريكيين هم يشهدون على فشل حكم الاخوان وفساده حيث انتشر الفقر والبطالة وانعدم الأمن وتدهورت كل الخدمات ونزلت حالة بلادهم للحضيض واغرقت دولتهم في الديون والتبعية مقابل استثراء دوائر الحكم واوّلهم جماعة الغنوشي ومن يدورون في ركابهم واضحى الفساد والرشوة والمحسوبية من قواعد حكم الإخوان وهي ممارسات على طرفي نقيض مع الحوكمة الرشيدة والنظام الديمقراطي التي يدعي الغنوشي بطولتهما.
مجّ التونسيون في غالبيتهم الساحقة حكم جماعة النهضة لذاك تراجعت شعبيتهم وانفض من حولهم الكثيرون وخاصة تصاعدت تجابهم القوى الديمقراطية والوطنية وعلى رأسها الحزب الدستوري الذي اتسع انتشاره وأصاب الإخوان بالهلع، كذلك اتحاد الشغل ومكونات المجتمع المدني ، كلها تنتقد حكم الغنوشي المستبد بالبرلمان وبالقضاء و بالإعلام والمتحكم عبر عناصره في هياكل الدولة ، متفقة كلها على رحيل حزب النهضة وقلب هذه الصفحة السوداء من تاريخ تونس.
الغنوشي يستظل بظل الرئيس الأمريكي ويستجديه الدعم ضد الشعب التونسي لكنه لن يجني منه ولا من غيره الا الريح لأنه يستقوي على شعبه بالأجانب ومن التونسيين لن يربح الا مزيد الكره والإحتقار.
نُشر بصحيفة “الشارع المغاربي” الصادرة يوم 2 مارس 2021