الشارع المغاربي-الحبيب القيزاني: «لا دخان بلا نار»… هذا هو المغزى الرئيسي من المظاهرات التي تشهدها مدن وقرى الضفة الغربية اثر وفاة المعارض السياسي للسلطة الفلسطينية والذي تؤكد العديد من الشهادات أنه تعرض للقتل تحت التعذيب اثر اعتقاله من طرف رجال الأمن الوقائي الفلسطيني بالضفة الغربية منذ أيام بسبب انتقاده محمود عباس.
مظاهرات ردّد خلالها المحتجون «ارحل… ارحل يا عباس» و»الشعب يريد اسقاط النظام» و»يسقط يسقط حكم العسكر» وتكشف عن مدى القطيعة بين جماهير باتت مقتنعة بأن «شلّة أسلو هي خط الدفاع الأوّل عن الاحتلال الإسرائيلي» مثلما كتب ذلك المستشار والمؤلف والباحث الفلسطيني – الأردني الراحل عبد الحي زلّوم، ورموز سلطة لا همّ لهم سوى المحافظة على كراسيهم ولو كان ذلك على حساب القضية.
هل «انتهت اللعبة» بالنسبة لمحمود عباس ورجال السلطة الفلسطينية؟ السؤال بات مطروحا في ضوء المسار الذي زجّت فيه هذه السلطة بالشعب الفلسطيني يوم انساقت حركة «فتح» لاتفاقيات «أوسلو»… مسار عرّت عوراته الحقائق على ارض الواقع ونزعت عنه فصائل المقاومة بقطاع غزة آخر أوراق التوت التي حاول التدثر بها عبر الانخراط في مفاوضات مع إسرائيل كشفت الأيام انها عبثية وأن الشعب الفلسطيني لم يجن منها سوى مزيدا من المعاناة والدماء.
بعيدا عن التحامل نكتفي في هذا التشخيص لسبب غضب الشارع الفلسطيني بما كتب عبد الحي زلوم من موقعه كـ «شاهد من أهلها» عن «مغامرات» وسيرة رموز «فتح» وما يسمى بالسلطة الفلسطينية وخفايا صفحات مجهولة من تاريخهم والتي أوصلتهم الى كراسي السلطة.
يقول زلوم في مقال تحت عنوان : «شلة «أوسلو» هي خط الدفاع الأول عن الاحتلال» بتاريخ فيفري 2020 :
«بعد هزيمة 1967 وقيام المقاومة الفلسطينية كحركة تحرير وطنية فلسطينية وعربية انضم الى صفوفها الاردني مع الفلسطيني والمغربي مع الخليجي. ثم بدأت الأنظمة العربية اختراق المقاومة تلك وإنشاء ميليشيات تعمل لحسابها لا لحساب القضية الفلسطينية . لكن بدأت المشاكل تظهر في قيادة تلك المقاومة الفلسطينية منذ ايامها الاولى.
كنت قد رجعت من الولايات المتحدة الى الكويت بعد أن أصبحت المقاومة الفلسطينية تختطف عناوين الاخبار . دعاني أحد أقربائي الى مأدبة غداء لتكريمي ودعا اليها بعض الاقرباء والاصدقاء فسلمت عليهم . كان أحدهم يتوقع ان يكون سلامي حارا أكثر مما كان فبدت عليه بعض علامات الحرج. قال مضيفي : هل نسيت فلان فقد كان معنا في المدرسة الرشيدية بالقدس فتذكرته وعانقته بحرارة. انتقل الكلام عن الفدائيين وقال مضيفي صديقنا فلان كان من المؤسسين في حركة فتح لكنه تركها وانفصل عنها. استغربت وسألته لماذا؟ قال لي كان ياسر عرفات يقوم بزيارات لا نعرف عنها شيئا لكن كنا نعرف احيانا البلد الذي يزوره. ثم علمنا انه كان يتردد على السعودية ويقابل كمال ادهم مدير المخابرات والمعروف بصلته الوثيقة مع وكالة المخابرات المركزية الامريكية . وعندما نسأله عما تحقق في الزيارة كان يقول انه يأتي بمساعدات. كان يحضر الى القيادة اشخاص لا نعرف شيئا عن خلفيتهم. وأضاف: ستثبت الايام ان هناك ايادي مريبة وآمل ان اكون مخطئا. صديق اخر من المؤسسين قال لي ان عرفات جاء باستاذ مدرسة يعمل في قطر اسمه محمود عباس. لم يزعجني انه يدعي انه مسلم واخرون يقولون انه من الديانة البهائية ولكن ما ازعجني هي كيفية اختيار عرفات اناس لا نعرف الف باء عن سيرتهم الذاتية. كان عرفات يدير الحركة وكأنها مزرعته دون استشارات فقررت ان اترك تلك الحركة.
عملية اختطاف الثورة الفلسطينية لتصبح شأنها شأن أي نظام رسمي عربي وظائفي تكرّست في مؤتمر الرباط بحيث اصبحت منظمة التحرير الفلسطينية جزءا لا يتجزأ من النظام الرسمي العربي واصبحت بذلك امتدادا لذلك النظام الذي أسسه ورعاه الاستعمار لنهب ثروات الامة وسرقة فلسطين لجعلها دولة احتلال صهيونية واصبحت المنظمة عضواً في الجامعة العبرية (وليست العربية).
الفتح العظيم الذي تبجّح به عباس في خطاباته كان ان اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بشرعية سرقة 78% من مساحة فلسطين من طرف دولة الاحتلال الصهيوني مقابل ورقة تعترف بأن هذه المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وذلك لتمرير كافة القرارات غير الشرعية باسم هذه الشرعية المزيفة. فكانت بدايات اوسلو بخنق أول وأشرف ثورة ضد الاحتلال مما سمي بالانتفاضة الاولى وتم الزج بقياداتها في السجون وتعذيبهم بعد برامج تدريب على التعذيب من وكالة المخابرات الامريكية والمخابرات الصهيونية بتنسيق أمني من اليوم الاول لدخول «ابطال أوسلو» .
لكي نعرف نوعية شلة اوسلو والنظام الرسمي العربي بدءا بياسر عرفات نقتبس ما جاء في فيلم وثائقي كشف فيه شمعون بيريز خفايا اللحظة الحرجة لاتفاقية أوسلو :
في احدى جلسات التوقيع على معاهدة اوسلو برعاية القاهرة رفض عرفات توقيع بعض الخرائط لعدم الاتفاق عليها سابقا باعتبارها تنازلات جديدة . اعلم بيريز الرئيس المخلوع مبارك فخرج مبارك عن طوره وصرخ في وجه عرفات أمام الجميع على المنصة “وقّع يا ابن الكلب.
في خطاباته الممجوجة مؤخراً يقول عباس أن أعداد المستوطنات كانت معدودة عند بداية اوسلو وأنها زادت بطرق غير شرعية وأن عدد سكانها أصبح 750 ألفا وأن الضفة الغربية قُسمت لتصبح كالجبنة السويسرية . لكنه لم يقل أن كل ذلك حدث اثناء مفاوضاته العبثية لاكثر من ربع قرن ولحمايته المستوطنات والمستوطنين بل وتزويد المستوطنات بالاسمنت واليد العاملة لبنائها.
لا يستحي عباس وسلطته اللاوطنية من القول إنه نشر ثقافة السلام وأن أقصى ما يسمح له هو مظاهرة سلمية بل وقال في مؤتمر وزراء الخارجية أن التعاون الامني الذي وصفه سابقاً بأنه مقدس قدم لشركائه الامريكان والصهاينة من المعلومات ما لم يكن (ابو ابوهم) يستطيع الحصول عليه . برافو …
الثابت الوحيد في كل خطابات عباس بعد اعلان صفقة نتنياهو-ترامب (ما يسمى بصفقة القرن) كان يركز على انه سيستمر في محاربة الارهاب فما هو الارهاب الذي سيحاربه؟ أليس احتلال اراضي الغير ارهابا ؟ أليس القتل دون محاكمات ارهابا ؟ أم ان المقصود بالارهاب هو المقاومة الفلسطينية بل هو لم يستح حين قال انه سيحارب الارهاب بكافة انواعه سواء كان وطنيا او دوليا فما هو الارهاب الوطني الذي سيحاربه ؟ ثم لماذا الاصرار على ان الوسيلة الوحيدة التي سيلجأ اليها هي الطرق السلمية فقط وكيف اذن سيصنع وحدة مع ابطال غزة المقاومين؟ لن يكون هناك اي وحدة للفصائل الفلسطينية بوجود عباس وامثاله .
سألت مذيعة البي بي سي في برنامج «بلا قيود» وزير خارجية السلطة اللاوطنية: ” هناك تلميح من جانب الرئيس الفلسطيني الى ان العلاقة الامنية مع الولايات المتحدة والجانب الاسرائيلي لا تزال قائمة … وهذه ليست المرة الاولى اذ سبق له ان اعلن في سبتمبر 2015 امام الجمعية العامة للأمم المتحدة ان الرئيس الفلسطيني انسحب من اتفاق اوسلو ، حدث في 2019 و 2017 انه ادلى بتصريحات مشابهة ولم يقع او يطبق منها شيء…” اسمعوا الجواب المضحك المبكي :
”نحن بالتاكيد نلوح بانهاء تلك الاتفاقيات ونحن نستعملها كورقة للضغط كسلاح بالنسبة لنا وننفذها في الوقت الذي يناسبنا نحن والذي نستطيع من خلاله ان نحقق اكبر انجاز ممكن . في ما يتعلق بالتنسيق الامني نحن اذا كنت تذكرين عندما وضعت سلطات الاحتلال البوابات الالكترونية على مداخل المسجد الاقصى هددنا بوقف التنسيق الامني وبالفعل قمنا بوقف التنسيق الامني ، فقامت اسرائيل برفع تلك البوابات الالكترونية وبالتالي عندما نحن نهدد نحن ننتظر الوقت المناسب”.
ولنا سؤال : اذا تم ايقاف التنسيق الامني عند تركيب بوابات الكترونية واعطى نتيجة وتنتظرون الوقت المناسب لتنفيذ تهديداتكم أفليس الوقت مناسباً بعد أن :
– اعلنت الولايات المتحدة وحليفتها ان القدس الموحدة عاصمة ابدية للكيان الصهيوني بل وتقسيم الاقصى زمانا ومكانا للصلاة بين اليهود والمسلمين
وضم اكثر من 30 % من الضفة الغربية والتي هي اساسا مع غزة تمثل 22 % من فلسطين؟ .
– اعلامكم بأنه يمكن اعطاؤكم كنتونات بلا سيادة في الارض والجو وتحت الارض وفي البحر ، بعد 4 سنوات من اثبات حسن سلوككم وتجريد حماس والجهاد الاسلامي من اسلحتهما والاعتراف بنظام الفصل العنصري وتقليص اعمال سلطتكم اللاوطنية الى اعمال الحراسة والكناسة فقط .
– منعكم من الانضمام الى كافة المؤسسات الدولية.
– عزلكم في كنتونات بلا حدود مع الاردن او اي بلد عربي اخر .؟ فهل هذا يا معالي وزير عباس ليس كافيا ليكون وقتا مناسبا لايقاف الخدمات الامنية؟
من الطريف ان عباس قرأ نص الرسالة التي قال انه ارسلها الى الكيان الصهيوني والولايات المتحدة. لمن قدم هذه الرسالة ؟ قدمها الى رئيسة وكالة المخابرات المركزية الامريكية لانها هي مرجعيته ومرجعية سلطته اللاوطنية .
الملخص : لم تبق حتى ورقة توت لتغطي عورات عباس وسلطته وازلامه، وهؤلاء باستمرار دورهم كحرّاس للاحتلال أصبح من الواجب إزاحتهم كبداية حركة تحرير عن طريق مقاومة مشروعة بكل الوسائل حسب الشرائع الدولية.
ويقول عبد الحي زلّوم في مقال له نشره في شهر جويلية 2020 تحت عنوان : «كيف تم تحويل حركة تحرير فلسطين ضد الاحتلال إلى عصابة مافيا لحمايته؟»:
«تمّ جرّ منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1974 في قمة الرباط اثناء مفاوضات كيسنجر السادات لتصبح واحدة من النظام الرسمي العربي الوظيفي لها ما له وعليها ما عليه. أستحضر هنا نقطتين يحتاجان الى تفسير : اولهما كيف اختار ياسر عرفات معاونيه في الدائرة الضيقة المحيطة به بعدما اصبحت منظمة التحرير الفلسطينية اغنى ( ثورة خمس نجوم ) في العالم ، حيث كان يتم اقتطاع 5% من رواتب الفلسطينيين في الخليج بالاضافة الى المساعدات الاخرى فتم تعيين شخص تركماني لا يعرفه احد كاتم اسرار استثمارات المنظمة والشؤون المالية لياسر عرفات، في حين يوجد من الفلسطينيين الكفاءات وخبراء عالميون في الشؤون المالية والمحاسبية. والنقطة الثانية من اين جاء عرفات بمحمود عباس استاذ المدرسة الابتدائية او الثانوية في قطر ودون ان يعرف احد اصله وفصله ؟ لو كان مناضلا كغيفارا لفهمنا ولكن السؤال كيف يأتي برجل يتفاخر بأنه لم يطلق رصاصة في حياته ولا يؤمن بالكفاح المسلح؟ كيف يأتي به على رأس منظمة شعارها البندقية وميثاقها يدعو الى التحرير عبر الكفاح المسلح ؟».
ويقول زلوم في موضع آخر من المقال : «جاء هذا الجيل. كان من جيل الشباب الذي ولد و ترعرع تحت الاحتلال فأشعل ثورته الانتفاضة سنة 1987 لم تستطع كل اجهزة جيش الاحتلال ومخابراته اخمادها طيلة 6 سنوات . كان حقد ثوار الخمس نجوم في تونس واليمن اشد حقدا من الصهاينة على قيادة الانتفاضة، فثوار الخمس نجوم الذين اعترفوا لتوهم بتسليم 78% من فلسطين مقابل ورقة فقط يعترف فيها بهم العدو انهم هم الممثلون للشعب الفلسطيني كما خولهم النظام الرسمي العربي وحدهم لخيانة القضية الفلسطينية وتسليم ما تبقى من فلسطين. ارسل عرفات “عباسه” الى اوسلو مع موظف بنك في السعودية ليوقعوا اتفاقية اوسلو.كان اول ما فعل عرفات ان ارسل الى تل ابيب من وصفه بوش الابن بانه “our boy” لانشاء قوة من 15000 اسموها الامن الوقائي تم انشاؤها بالمشاركة مع المخابرات الصهيونية والامريكية وكان من باكورة اعمالها اعتقال قياديي الانتفاضة وأنصارها والتنكيل بهم… نعم عرفات قبل عباس نسق امنيا مع الاحتلال.
وفي مقال له نشره في فيفري 2020 تحت عنوان : «المقاومة هي الطريق والهدف: التحرير من البحر الى النهر .. وهذه هي خطيئة عرفات الأكبر» كتب زلوم : «عرفات هو بين يدي الله وما الله بظلام للعبيد. ولكن باعتباره اصبح رمزا وطنيا فدراسة سيرته ضرورة وطنية لمعرفة ما لها وما عليها. بعض الاخوة المعلقين ممن احترمهم ظنوا اني قسوت على الرجل . الهدف من مراجعة التاريخ هو الاستفادة من الاخطاء لتجنبها ونقاط القوة لتعظيمها وضمن هذا المفهوم بحثنا ونبحث في سيرة عرفات كما نفهمها بلا مكياج .
ـ لو لم يكن لياسر عرفات خطيئة سوى اختياره عباس وتمكينه ليكون الرجل الثاني في حركته لكفى.
ـ لا اود ان اقول انه كان مراوغا ، فدعني اقول إنه كان تكتيكيا بلا استراتيجية واضحة وهذا خطأ قاتل لاي قائد خصوصا لمن يقود حركة تحرير وطنية. لو كان يمتلك رؤيا واضحة عن الحركة الصهيونية لعلم انها حركة توسعية عنصرية وأنها جزء من منظومة الاستعمار العالمي وان مرجعية هذه الحركة ومرجعية منظومة النظام الرسمي العربي واحدة بل ومتكاملة ، وكان يجب ان يعمل حساباته على الدعم الجماهيري في الداخل ودعم صمود الداخل اقتصاديا وتسليحيا وسياسيا بدعم عربي والتي كانت جماهيره تخرج الى الشارع كلما انحرفت بوصلة حكوماتها .
ـ عندما علم عرفات بخطيئة اوسلو تم اغتياله. لعله من المفيد هنا التذكير بأن نهاية أن كل من تعاون مع وكالات الاستخبارات الامريكية والغربية سواء عن اعتقاد بتقاطع مصالح أو غير ذلك كانت اما الاغتيال او الخلع او التنحية. ولنا في شاه ايران وحسني مبارك ونورييغا وماركوس وسوهارتو عبرة لمن يعتبر . وسوف يعلم المطبعون العرب أنهم أكلوا يوم أكل الثور الابيض .
ـ من يقبل بيع القدس سواء كان فلسطينيا ام عربيا ام مسلماً مقابل كرسيه سيبيع غدا امه وابيه وبناته وبنيه .
– يجب أن يعرف الجميع بأن طريق المفاوضات قد فشل فشلاً ذريعاً وأنه نتجت عنه خسائر فادحة وأن الاصرار عليه بأي شكل من الاشكال دون مقاومة هو نوع من التآمر . وعلينا أن نبدأ بمحو ثقافة عباس التي اسماها ثقافة السلام لأنها كانت ثقافة الاستسلام لا السلام ، فالحقوق تؤخذ ولا تعطى.
ـ فلسطينياً يجب على قيادة منظمة التحرير أن تختفي هي والسلطة الى الابد ليسمى الاحتلال احتلالا . أعطى من لا يملك شرعية الشرعية لمنظمة التحرير لتكون وسيلة التنازلات التي اوصلتنا الى الوضع الراهن».
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ الثلاثاء 6 جويلية 2021