الشارع المغاربي – معز زيّود : شللٌ شبهُ تامّ للمدارس الإعداديّة والمعاهد الثانوية في مختلف جهات البلاد التونسيّة، هذا ما خلّفه الإضراب الوحشي المفتوح الذي شنّته نقابة التعليم الثانوي للمرّة الأولى في تاريخ تونس الحديث.
وقد أثار إغلاق المدارس إلى أجل غير محدّد حالةً من الذهول والغضب والمرارة لدى الرأي العام التونسي بسبب إقدام نقابة لسعد اليعقوبي على تجاوز كلّ الخطوط الحمراء والاستهانة بتضحيات العائلات التونسيّة من أجل تدريس فلذات أكبادها، وتوريط أبنائها في خلاف بين النقابة والوزارة لا ناقة لهم فيه ولا جمل.
الجدير بالذكر أنّ الإضراب المفتوح للتعليم الثانوي الذي فرضه لسعد اليعقوبي فرضًا، تحت مسمّى “تعليق الدروس”، يُعدّ إضرابًا غير مسبوق إطلاقا خلال العقود الماضية. فلا يذكر التونسيون أنّ أبناءهم اضطرّوا للمكوث في منازلهم أو أمام معاهدهم بلا دراسة، إلاّ خلال بعض الكوارث الطبيعيّة القاهرة أو بسبب اضطرابات اجتماعيّة عارمة أعوام 1969 و1978 و1984 و1991 و2011.
وللإفادة والتوضيح فإنّ المعاهد الثانويّة في تونس لم تُغلق بعد الاستقلال إلاّ خلال عام 1969 بسبب فيضانات عارمة اجتاحت الكثير من مناطق البلاد، فاقتلعت في طريقها الأخضر واليابس، بل وهزّت سيولها الطوفانيّة حتّى بعض السكك الحديديّة وحوّلت أغلب جسور البلاد إلى ركام…
كما حدث أن تعطّلت الدراسة لأيّامٍ معدودة خلال فترات إعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال في كامل مناطق الجمهوريّة أثناء أحداث يوم 26 جانفي 1978، أو ما يُسمّى بـ”الخميس الأسود”، بعد إعلان الاتّحاد العام التونسي للشغل لإضراب عام واجهه النظام بقمع دموي. والأمر ذاته تقريبا خلال أحداث الخبز التي جدّت يوم 3 جانفي 1984.
وبالإضافة إلى إغلاق المدارس والجامعات لبضعة أيّام عام 1991 لاعتبارات واضطرابات داخلية وخارجيّة عند شنّ الحرب الأمريكيّة على العراق، فقد كانت أيّام الثورة، وأساسا في جانفي 2011، آخر عهد للتونسيين بإغلاق مدارسهم أبوابها لفترة أسبوعين تقريبا، بعد أن عدّها اليعقوبي مجرّد ضيعة تجريبيّة خاصّة في صراعه مع الحكومة، مسّت التونسيين في مقتلٍ بصرف النظر عن كلّ المطالب النقابية المشروعة أو التبريرات الواهية…