الشارع المغاربي: أصدرت وزارة الخارجية التونسية بلاغا بتاريخ 31 أوت الفارط تعبر فيه عن ‘بالغ اهتمامها بالتطورات السياسية والامنية المتلاحقة التي يشهدها البلد الشقيق )الغابون( وتدعو فيه الى العمل على معالجة الوضع بالطرق التي تتناسب مع المصالح الوطنية العليا، وتوصي كل الأطراف “بضبط النفس” و”بالحفاظ على امن واستقرار وسلامة بلادهم بما يستجيب لتطلعات الشعب الغابُوني الشقيق”.
على العموم، لا جدال ان هذه النصائح وجيهة ومحبذة، وان اسداء النصائح والعبر الحكيمة معمول به في المجتمعات البشرية ومرغوب فيه؛ لكن التمعن في نص هذا البلاغ، من حيث مصدره ومضمونه وتاريخه والأطراف المقصودة بمحتواه يثير تساؤلات عديدة ومحرجة في آن واحد، نتعرض الى أبرزها فيما يلي:
-1 خرق تسلسل الصلاحيات في مجال السياسة الخارجية: لننظر في المصدر: إن هذا البلاغ صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين في الخارج، بدون أية إضافة او تدقيق حول مرجعه: وهذا ما يدفع الى الاستغراب باعتبار ان الأعراف المعمول بها تقتضي ان يُذكر ولو بإشارة عرضية، تعليمات رئيس الدولة في الشأن او على الأقل اطلاعه عليه؛
-2 المعاملة الغريبة للدولة المعنية: أي دولة الغابون الافريقية بالذات: لماذا هذا التدخل التونسي في هذه الأزمة ‘الغابونية’؟ – صحيح ان دولا كبرى تدخلت في شؤون هذا البلد لما لها من مصالح من واجبها حمايتها؛ لكن تونس ليست في مثل هذه الحال، وما تقدمت به لا يفهم الا على سبيل النصيحة والوصية، ليس إلا. – وهنا مربط الفرس: ليس من عادة الدول اسداء النصائح بصورة علنية واعتباطية، حيث قد يعتبر ذلك ضربا من التطفل والاحراج غير المحبذ ولا المرغوب فيه؛ وان هذا التهافت المجاني غريب عن الأعراف الدولية، بل هو عادة ‘تونسية’ بحتة وحديثة العهد ما يخشاه المرء هو ان يأتي رد “الغابُون الشقيق” كرد وزير خارجية أوكرانا الذي رفض الانتقادات الخارجية ودعا البلاد المنتقدة الى الالتزام بالصمت رغم مليارات الدولارات التي كانت قد أغدقتها على بلده؛
-3 التناقضات والاختلالات في الرسالة التونسية: الرسالة الموجهة الى “الغابُون الشقيق” تثير العديد من الاحترازات وتتضمن تناقضات واختلالات عديدة تونس في غنى عنها اليوم:
-4 لا تنهى عن خلق وتأتي مثله، عار عليك عظيم”: البلاغ يضرب عرض الحائط هذا المثل المحمود؛ وإذ جاء ليؤكد على “اهمية الاحتكام الى القانون واستعادة النظام الدستوري”، فإن هذا هو عين التدخل السافر في الشؤون الداخلية للغابُون؛ وحيث ان البلاغ يطالب بـ”الاحتكام الى القانون”، عموما، و”باستعادة النظام الدستوري” القائم خصوصا، فإن هذا يمثل تناقضا سافرا في المواقف التونسية يجب ان يندى له جبين حكامنا، باعتبار انهم قاموا في ماض غير بعيد بعملية انقلابية وتنكروا من خلالها لكل التنظيمات والمؤسسات الدستورية التي كانت قائمة في بلادنا قبل 25 جويلية 2021؛
-5 ما المقصود “بـإعلاء المصلحة الوطنية العليا” في البلاغ؟: معنى هذه العبارات مبهم تماما ولا يفي بشيء.
6- اللغة الخشبية: ما الفائدة من هذه اللغة الخشبية الفضفاضة؟ – بل، أليست هي مجرد نقل وتقليد للخطاب الطاغي في أغلب الوسائل الإعلامية؟ – وما الفائدة من تصدير بضاعة خام من بلد الى بلد آخر دون التعمق في خاصيات ذلك البلد؟ – لدينا كذلك احترازات إزاء عبارات اخرى كـ “أمن واستقرار وسلامة ” هذا البلد؛
– 7الاستجابة لتطلعات الشعب الغابُوني الشقيق”: وأكثر من كل ما سبق، فإنه من الواضح ان هذه العبارة العزيزة على حكامنا اليوم تنطوي على نبرة ‘شعوبية’ واضحة، لم تحض الى حد اليوم بأي تعريف او تدقيق في بلادنا، فكيف ندعو اليها ونقوم بتصديرها الى غيرنا؟ …
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 5 سبتمبر 2023