الشارع المغاربي – الافتتاحية/ يقولـون‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يفعلـون‭...‬/بقلم: العميد: الصادق بلعيد

الافتتاحية/ يقولـون‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يفعلـون‭…‬/بقلم: العميد: الصادق بلعيد

قسم الأخبار

8 سبتمبر، 2023

الشارع المغاربي: أصدرت‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬التونسية‭ ‬بلاغا‭ ‬بتاريخ‭ ‬31‭ ‬أوت‭ ‬الفارط‭ ‬تعبر‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‘‬بالغ‭ ‬اهتمامها‭ ‬بالتطورات‭ ‬السياسية‭ ‬والامنية‭ ‬المتلاحقة‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬البلد‭ ‬الشقيق‭ )‬الغابون‭( ‬وتدعو‭ ‬فيه‭ ‬الى‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬معالجة‭ ‬الوضع‭ ‬بالطرق‭ ‬التي‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬المصالح‭ ‬الوطنية‭ ‬العليا،‭ ‬وتوصي‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ “‬بضبط‭ ‬النفس‭” ‬و‭”‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬امن‭ ‬واستقرار‭ ‬وسلامة‭ ‬بلادهم‭ ‬بما‭ ‬يستجيب‭ ‬لتطلعات‭ ‬الشعب‭ ‬الغابُوني‭ ‬الشقيق‭”.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬لا‭ ‬جدال‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬النصائح‭ ‬وجيهة‭ ‬ومحبذة،‭ ‬وان‭ ‬اسداء‭ ‬النصائح‭ ‬والعبر‭ ‬الحكيمة‭ ‬معمول‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬البشرية‭ ‬ومرغوب‭ ‬فيه؛‭ ‬لكن‭ ‬التمعن‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬هذا‭ ‬البلاغ،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬مصدره‭ ‬ومضمونه‭ ‬وتاريخه‭ ‬والأطراف‭ ‬المقصودة‭ ‬بمحتواه‭ ‬يثير‭ ‬تساؤلات‭ ‬عديدة‭ ‬ومحرجة‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬نتعرض‭ ‬الى‭ ‬أبرزها‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭: ‬

‭ -1 ‬خرق‭ ‬تسلسل‭ ‬الصلاحيات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭: ‬لننظر‭ ‬في‭ ‬المصدر‭: ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬البلاغ‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬وزارة‭ ‬الشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬والهجرة‭ ‬والتونسيين‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬بدون‭ ‬أية‭ ‬إضافة‭ ‬او‭ ‬تدقيق‭ ‬حول‭ ‬مرجعه‭: ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬الى‭ ‬الاستغراب‭ ‬باعتبار‭ ‬ان‭ ‬الأعراف‭ ‬المعمول‭ ‬بها‭ ‬تقتضي‭ ‬ان‭ ‬يُذكر‭ ‬ولو‭ ‬بإشارة‭ ‬عرضية،‭ ‬تعليمات‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬او‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬اطلاعه‭ ‬عليه؛‭ ‬

‭ -2 ‬المعاملة‭ ‬الغريبة‭ ‬للدولة‭ ‬المعنية‭: ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬الغابون‭ ‬الافريقية‭ ‬بالذات‭: ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬التدخل‭ ‬التونسي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‘‬الغابونية‭’‬؟‭ – ‬صحيح‭ ‬ان‭ ‬دولا‭ ‬كبرى‭ ‬تدخلت‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬مصالح‭ ‬من‭ ‬واجبها‭ ‬حمايتها؛‭ ‬لكن‭ ‬تونس‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحال،‭ ‬وما‭ ‬تقدمت‭ ‬به‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬الا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬النصيحة‭ ‬والوصية،‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭. ‬–‭ ‬وهنا‭ ‬مربط‭ ‬الفرس‭: ‬ليس‭ ‬من‭ ‬عادة‭ ‬الدول‭ ‬اسداء‭ ‬النصائح‭ ‬بصورة‭ ‬علنية‭ ‬واعتباطية،‭ ‬حيث‭ ‬قد‭ ‬يعتبر‭ ‬ذلك‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬التطفل‭ ‬والاحراج‭ ‬غير‭ ‬المحبذ‭ ‬ولا‭ ‬المرغوب‭ ‬فيه؛‭ ‬وان‭ ‬هذا‭ ‬التهافت‭ ‬المجاني‭ ‬غريب‭ ‬عن‭ ‬الأعراف‭ ‬الدولية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬عادة‭ ‘‬تونسية‭’ ‬بحتة‭ ‬وحديثة‭ ‬العهد‭ ‬ما‭ ‬يخشاه‭ ‬المرء‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬يأتي‭ ‬رد‭ “‬الغابُون‭ ‬الشقيق‭” ‬كرد‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬أوكرانا‭ ‬الذي‭ ‬رفض‭ ‬الانتقادات‭ ‬الخارجية‭ ‬ودعا‭ ‬البلاد‭ ‬المنتقدة‭ ‬الى‭ ‬الالتزام‭ ‬بالصمت‭ ‬رغم‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬أغدقتها‭ ‬على‭ ‬بلده؛

‭ -3 ‬التناقضات‭ ‬والاختلالات‭ ‬في‭ ‬الرسالة‭ ‬التونسية‭: ‬الرسالة‭ ‬الموجهة‭ ‬الى‭ “‬الغابُون‭ ‬الشقيق‭” ‬تثير‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاحترازات‭ ‬وتتضمن‭ ‬تناقضات‭ ‬واختلالات‭ ‬عديدة‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬غنى‭ ‬عنها‭ ‬اليوم‭: ‬

‭ -4 ‬لا‭ ‬تنهى‭ ‬عن‭ ‬خلق‭ ‬وتأتي‭ ‬مثله،‭ ‬عار‭ ‬عليك‭ ‬عظيم‭”: ‬البلاغ‭ ‬يضرب‭ ‬عرض‭ ‬الحائط‭ ‬هذا‭ ‬المثل‭ ‬المحمود؛‭ ‬وإذ‭ ‬جاء‭ ‬ليؤكد‭ ‬على‭ “‬اهمية‭ ‬الاحتكام‭ ‬الى‭ ‬القانون‭ ‬واستعادة‭ ‬النظام‭ ‬الدستوري‭”‬،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬عين‭ ‬التدخل‭ ‬السافر‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للغابُون؛‭ ‬وحيث‭ ‬ان‭ ‬البلاغ‭ ‬يطالب‭ ‬بـ‭”‬الاحتكام‭ ‬الى‭ ‬القانون‭”‬،‭ ‬عموما،‭ ‬و‭”‬باستعادة‭ ‬النظام‭ ‬الدستوري‭” ‬القائم‭ ‬خصوصا،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬يمثل‭ ‬تناقضا‭ ‬سافرا‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬التونسية‭  ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬يندى‭ ‬له‭ ‬جبين‭ ‬حكامنا،‭ ‬باعتبار‭ ‬انهم‭ ‬قاموا‭ ‬في‭ ‬ماض‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬بعملية‭ ‬انقلابية‭ ‬وتنكروا‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬لكل‭ ‬التنظيمات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الدستورية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قائمة‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬قبل‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021؛‭ ‬

‭ -5 ‬ما‭ ‬المقصود‭ “‬بـإعلاء‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬العليا‭” ‬في‭ ‬البلاغ؟‭: ‬معنى‭ ‬هذه‭ ‬العبارات‭ ‬مبهم‭ ‬تماما‭ ‬ولا‭ ‬يفي‭ ‬بشيء‭.‬

6- ‬اللغة‭ ‬الخشبية‭: ‬ما‭ ‬الفائدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬الخشبية‭ ‬الفضفاضة؟‭ – ‬بل،‭ ‬أليست‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬نقل‭ ‬وتقليد‭ ‬للخطاب‭ ‬الطاغي‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الوسائل‭ ‬الإعلامية؟‭ – ‬وما‭ ‬الفائدة‭ ‬من‭ ‬تصدير‭ ‬بضاعة‭ ‬خام‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬الى‭ ‬بلد‭ ‬آخر‭ ‬دون‭ ‬التعمق‭ ‬في‭ ‬خاصيات‭ ‬ذلك‭ ‬البلد؟‭ – ‬لدينا‭ ‬كذلك‭ ‬احترازات‭ ‬إزاء‭ ‬عبارات‭ ‬اخرى‭ ‬كـ‭ “‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬وسلامة‭ ” ‬هذا‭ ‬البلد؛

‭ – 7‬الاستجابة‭ ‬لتطلعات‭ ‬الشعب‭ ‬الغابُوني‭ ‬الشقيق‭”: ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬العزيزة‭ ‬على‭ ‬حكامنا‭ ‬اليوم‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬نبرة‭ ‘‬شعوبية‭’ ‬واضحة،‭ ‬لم‭ ‬تحض‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬اليوم‭ ‬بأي‭ ‬تعريف‭ ‬او‭ ‬تدقيق‭ ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬فكيف‭ ‬ندعو‭ ‬اليها‭ ‬ونقوم‭ ‬بتصديرها‭ ‬الى‭ ‬غيرنا؟‭ …‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 5 سبتمبر 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING