الشارع المغاربي-كريمة السعداوي- تمكنت تونس أخيرا من تجاوز أهدافها بشأن عدد الزوّار الذين كانت تتوقع أن تستقبلهم طيلة العام الماضي، رغم غموض وضبابية الظروف التي تعيشها البلاد داخليا، الى جانب الاضطرابات على حدودها.
وأظهرت البيانات الصادرة عن وزارة السياحة والصناعات التقليدية أن عائدات قطاع السياحة سجلت نموا غير مسبوق موفى 2019، أكثر مما هو متوقع رغم التقلّبات السياسية الداخلية التي لا تزال تلقي بظلالها منذ عدة اشهر على الاقتصاد المنهك والمتهاوي حسب العديد من التقييمات، محليا ودوليا. وارتفع، في هذا الاطار، عدد السياح اجمالا بنسبة 13.6% خلال 2019 ليصل الى 9.5 ملايين وافد، محققا مستوى قياسيا هو الأول منذ تسع سنوات.وكانت سلطات الاشراف تتوقع أن يزور البلاد نحو 9 ملايين سائح فقط، مقارنة بنحو 8.3 ملايين سائح في العام السابق،ويبدو أن الأسواق التقليدية مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا دعمت بشكل كبير الوجهة التونسية. كما تبرز الاحصائيات الرسمية أن عائدات القطاع ارتفعت بنحو 35.7% الى 5.62 مليار دينار اواخر العام الماضي، مقارنة بقرابة 4.2 مليارات دينار طيلة 2018. كما تسعى وزارة السياحة الى تجسيم توجه جديد في القطاع يعتمد على عقد الشراكات مع مختلف وكالات الأسفار والفنادق بالعملة الصعبة بما يساهم في تطوير مختلف مؤشرات السياحة التونسية.
ورغم ما سبق، فقد افاد مؤخرا جلال الدين الهنشيري نائب رئيس الجامعة التونسية للنزل بانّ مديونية قطاع النزل تشكل باستمرار عبئا يثقل كاهل كلّ الوحدات الفندقية.واضاف ان الديون البنكية للقطاع تقدر بـ 4.5 مليارات دينار وان ذلك يعادل 5.1% من اجمالي الناتج المحلي بحساب الاسعار الجارية . وأشار الى ان 30% من هذه الديون غير قابلة للاستخلاص بصفة نهائية تقريبا باعتبار أن عددا من الوحدات الفندقية أغلقت أبوابها بالكامل ولا تفكر في العودة مجددا للنشاط،.
وأبرز أنّ القطاع يعدّ 700 فندقا مصنفا بطاقة استيعاب تبلغ 240 ألف سرير، حوالي 40 الفا منها غير مستغلة بسبب عمليات الغلق التي تشهدها عدّة نزل من سنة الى أخرى لعديد الأسباب. واوضح ان عدد الفنادق المغلقة حاليا لأسباب مالية بالأساس يقدر بحوالي 200 فندق، 50 منها في المنطقة السياحية الحمامات و30 في سوسة والمنستير و20 في المنطقة السياحية جربة جرجيس وحوالي 20 اخرى في المنطقة السياحية نفطة توزر و5 في المهدية والبقية في عدد من الجهات.
وقد عرف القطاع حسب تقييمه تراجعا مهولا خلال السنوات التي أعقبت احداث جانفي 2011 وتحديدا سنتي 2012 و2013،اذ لم يتجاوز حجم الإيواء 150 الف سرير. وافقدت عمليات الغلق المتواصلة السياحة من سنة 2010 الى 2017 اكثر من 85 الف موطن شغل.
يذكر ان السياحة تمثل نحو 8 % من الناتج المحلي الإجمالي لتونس وتعد من أهم القطاعات لأنها توفر أكبر نسبة من فرص العمل بعد القطاع الفلاحي وتشير البيانات الاحصائية الرسمية إلى أن 400 ألف شخص يعملون في السياحة. وقد تصاعد رهان تونس على السياحة من خلال استراتيجية جديدة أطلقتها العام الماضي، تستهدف استقطاب أكثر من 10 ملايين سائح خلال موسم 2020. وترجح وتيرة النمو العام المنقضي تحقيق أهداف أعلى من التقديرات. وتسابق وزارة السياحة الزمن لتعزيز جاذبية السياحة،بعدما افتتح مؤخرا أكبر منتجع صحراوي في البلاد، لتحويل ولاية توزر إلى إحدى أبرز الوجهات العالمية في هذا المجال. وتراهن الوزارة في هذا الصدد، على أن يكون منتجع “أنانتارا” البالغة تكلفته نحو 47.2 مليون دولار (134 مليون دينار)، نقطة ضوء جديدة للقطاع الذي استطاع بفضل جهود المهنيين وكافة الاطراف المعنية بالقطاع ان يتجاوز بثبات تحديات جسيمة ابرزها العمليات الارهابية والركود التسويقي. ويتم السعي سعيا حثيثا كذلك من جانب المهنيين الى عدم الاكتفاء بالأسواق التقليدية، لتعزيز الرهان على السوقين الصينية والروسية اللتين أنقذتا موسمي 2017 و2018 بعد عزوف السياح من وجهات تقليدية كبريطانيا وألمانيا وفرنسا.
كما انه من المنتظر ان تكون في المدة القريبة القادمة كافة المطارات مفتوحة أمام شركات الطيران الأوروبية منخفضة الكلفة، في مرحلة أولى في اطار اتفاقية “السماوات المفتوحة” ما عدا مطار تونس قرطاج الذي سيكون خارج الاتفاقية لخمس سنوات لإعطاء الخطوط التونسية الوقت الكافي لاستعادة أنفاسها. ويوضح خبراء ان الاتفاقية ستمكن من جلب المزيد من السياح لتونس، لكن هذا التفاؤل يخفي في طياته إمكانية انهيار الخطوط التونسية التي تعاني من عجز مالي وتشغيلي على جميع المستويات. ويأمل الناشطون في القطاع السياحي وفي مجال وكالات الاسفار أن تساعد هذه الاتفاقية على زيادة عدد المسافرين عبر مطارات البلاد ليصل إلى حوالي 20 مليون سائح في العشرية المقبلة.