الشارع المغاربي: العلاقة بين السياسة وكرة القدم علاقة فيها من الودّ الكبير وفيها من الضيم الكبير أيضا. حقلان ينتجان موارد مادية ورمزية ويشغلان رهانات عديدة. يظهر الودّ عندما يستجيب أحدهما للآخر، عندما لا يؤذي أحدهما الآخر وهذا نادرا ما يحدث. ولكن الضيم أيضا من علامات هذه العلاقة، والضيم قادم في الغالب من حقل السياسة. حقل السياسة الذي يريد أن يستثمر كل شيء من أجل النجاح، من أجل النتيجة التي تبقيه وتعطيه الألق اللازم كي يتجدّد فهو بذلك لا يستطيع أن يغض الطرف عن حقل كرة القدم المليء بالموارد الرمزية والمادية.
العلاقة بين السياسة وكرة القدم علاقة فيها من خطوط التماس الكثير. المصطلحات المشتركة عديدة، يكفي ذكر الربح والخسارة، النتائج الباهرة والنتائج المخيبة للآمال، قائد الفريق، رئيس النادي ورئيس الجمهورية، المنصة الشرفية، كأس رئيس الجمهورية، كأس العرش في منظومة ملكية.
ولهذا كله لا يتوانى السياسي عن التأثير في الحقل الرياضي وخصوصا في كرة القدم بالطريقة التي يراها متماشية والرسائل التي يريد إرسالها.
نتحدث عن 20 مارس 1961
من الوهلة الأولى يتجه القارئ إلى محطة فارقة في تاريخ تونس هو الاستقلال. ولكن في ذلك اليوم كان هناك شيء آخر، قرار بورقيبة حلّ جمعية النجم الرياضي الساحلي. لا يصنف القرار ضمن القرارات الترتيبية الإعتيادية. القرار في الواجهة رياضي ولكنه في العمق سياسي.
بدأت المسألة عندما تقابل فريقي النجم الرياضي الساحلي وفريق الترجي الرياضي في ملعب محمد معروف بسوسة يوم الاحد 5 مارس 1961 في نطاق الدور ربع النهائي لكأس تونس تحت إدارة الحكم مصطفى بلخواص. إنتهت المباراة بهزيمة النجم الساحلي وبحدوث شغب في أحواز الملعب وفي المدينة وجاء في صحف اليوم الموالي أن شبانا هاجموا حافلة سياح بالحجارة وأن بعض الممتلكات العامة والخاصة طالها التهشيم. وككل الحالات المشابهة عوقب النجم بحرمانه من اللعب بالجمهور.
يعود بورقيبة من سفر علاجي ويستقر في قصره بصقانص استعدادا للاحتفال بعيد الاستقلال. يستدعي بورقيبة محمد مزالي مدير الشباب والرياضة وقتها يوم 19 مارس في المساء. يتحدث معه في مسألة المباراة وما حدث ويطلع على العقوبات ويأذن له بإصدار بلاغ يتمّ من خلاله حلّ جمعية النجم الرياضي الساحلي على أن يكون ذلك يوم 20 مارس.
هل يستحق ما حدث من شغب وعنف يوم المباراة قرارا بمثل هذه القوّة المادية والرمزية؟
الرسالة الأولى هي أنه في الوقت الذي تحتفل فية تونس بالإستقلال هناك مدينة ستكون تحت هول الفاجعة. هوية النادي من هوية المدينة والعكس أيضا. وغير بعيد عن مدينة سوسة هناك مدينة يفترض أن تحتضن إحتفالات الاستقلال، وستكون سعيدة بذلك.
ثمة أسئلة لا تزال قائمة حول القرار السياسي بحلّ جمعية النجم الساحلي إذا أقررنا أن الأحداث التي وقعت يوم المباراة لا تتطلب كل هذا الأمر.
هل يرتبط الأمر بصراع مدن مجاورة بينها صراعات ظاهرة وأخرى خفية مثلما يقع بين أغلب المدن المتجاورة؟
هل يتعلق الأمر بموقف سياسي من مدينة بأكملها لم تساند في المحطات الكبرى الزعيم؟
هل يرتبط الأمر بإعادة توازن جهوي من أجل إعادة توازن سياسي والعكس أيضا ممكن؟
للتذكير فإن كرة القدم يمكن أن تقوم بكل هذا وللتذكير أيضا فإن بورقيبة قد أمر بإرجاع نشاط جمعية النجم الساحلي يوم 1 جوان 1962 الموافق لعيد النصر.