الشارع المغاربي: الصراع على بسط النفوذ والتحكم في وزارة الداخلية متواصل بين كل الماسكين بخيوط اللعبة والقائمين على السلطة بعد الثورة بلا استثناء لكنه أخذ منحا جديدا في ظل منظومة الحكم ما بعد انتخابات 2019 اذ ان رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي خسر سلسلة معارك لفرض تعييناته صلب هذه الوزارة اختار الاستعانة بسلاحه الافضل والانجح لتغيير موزايين القوى وهذا السلاح يتمثل في حصرية تأويل الدستور عبر فرض قراءته لفصوله على الجميع حتى وان كانت شاذة ومحدودة وخارجة عن التاريخ والجغرافيا حسب توصيف الناطق الرسمي باسم حركة النهضة فتحي العبادي.
اعاد خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد اول امس الاحد بمناسبة الذكرى 65 لعيد قوات الامن الداخلي ، الصراع على وزارة الداخلية الى سطح الاحداث وسلط عليها الضوء من جديد ، بين من يعتبر ان سعيد استبق سلسلة تعيينات كان سيتم اقرارها صلب هذه الوزارة وكانت ستشمل شخصيات مشبوهة حسب امين عام حركة الشعب زهير المغزاوي ، ومن اتهم الرئيس صراحة بانقلاب وصفه السياسي المخضرم احمد نجيب الشابي بالناعم ، ولمح اليه النائب والقيادي بالنهضة فتحي العيادي بالقول بان سعيد تغير منذ عودته من مصر وانه اصبح يتحدث عن القضاء على الاسلام السياسي وكانه انخرط في الحلف المعادي للثورة في اشارة الى المحور السعودي الامارتي وفق منطوق النهضة .
بعيدا عن الخوض في خلفيات خطاب الرئيس وما ينبا من مواجهات مفتوحة تختلف قراءات السياسيين بخصوصها، فان هذا النزاع المحتدم والمتواصل للتحكم في المؤسسة الامنية تكاد تتحول الى معضلة حقيقية تكشف ان سنوات الانتقال الديمقراطي لم تحول دون ارساء تغييرات جذرية في اليات ممارسة الحكم وان كل قادم للسلطة لا يبحث سوى عن الحكم عبر وزارة الداخلية والادارة المعروف بـ» موديل» حكم بن علي وحزبه المحل التجمع رغم ان هذا «الموديل» جرب وفشل وبان بالكاشف قصوره على الاقل في تجربتين الاولى في فترة الترويكا و» امنها الموازي» والثانية في فترة الحكم الشاهد وتوظيفه وزارة الداخلية في ما سمي بالحرب على الفساد.
من الترهيب الى الترغيب
التحق زهير الصديق مدير عام الامن الوطني ومحمد علي بن خالد امر الحرس الوطني الى نفس المنزلة التي خظيا بها كلا من الرئيس الراحل زين العابين بن علي وعضده زمن انقلاب 7 نوفمبر الحبيب عمار الذي اصبح بعدها وزيرا للداخلية ، بانا نالا رتبة امير لواء ، وهي ترقية يقول احد العارفين بتاريخ الوزارة بانها سابقة او ممارسة حديثة بالنسبة للأمنيين المباشرين .
هذه الترقية الاستثنائية جاءت باقتراح وبمبادرة من رئيس الجمهورية الذي ارفقها باسناد وسام الجمهورية من الصنف الثاني لخالد اليحياوي المستشار اول مدير عام امن رئيس الدولة وايضا لمدير عام الامن الوطني زهير الصديق . والترقية كالوسام تندرج ، دون مس من احترام من شملتهم ، ضمن سياق كامل يتعلق بمساع التحكم بوزارة الداخلية القلب النابض للحكم والمؤسسة السيادية الاهم .
مغازلات سعيد الواضحة للقيادات الكبرى بوزارة الداخلية تأتي بعد 4 اشهر تقريبا من اقالة توفيق شرف الدين على راسها وفشل كل معارك فرض « الموالين» او الثقاة بالمراكز الحساسة صلب الوزارة ، هنا نذكر بان شرف الدين اقيل بعد اقراره تعيينات واقالات بالعشرات شملت كل المحسوبين على حركة النهضة ، وتم الغاؤها في برقيات صدرت بعد لحظات من قرار اقالة الوزير ووقعت من قبل رئيس الحكومة هشام المشيشي الذي عين نفسه وزيرا داخلية بالنيابة وهو منصب يتقلده منذ يوم 5 جانفي 2021.
ومنذ ذلك التاريخ ، لا يعرف من يتحكم تحديدا في الوزارة وان كان المشيشي هو وزيرها الفعلي ام ان هذا الفراغ النسبي باعتبار ان الوزارة تُسير بالنيابة من قبل رئيس حكومة يواجه اخطر ازمة تعرفها المالية العمومية مرفوقة بأزمة صحية غير مسبوقة مكن «رجالات الظل» من ساسة الحزام البرلماني من ادارة المؤسسة الامنية برضاء المشيشي حتى يضمن البقاء في القصبة .
هذه الضبابية قد تكون ساهمت في تأجيج الصراع الدائر بين راسي السلطة التنفيذية حول وزارة الداخلية ، وقد يكون ايضا وراء تغيير تكتيك قيس سعيد في التعاطي مع هذا الملف تكتيك يقوم على «الترغيب « بعد فشل سياسية الترهيب ، متماهيا بذلك مع سيناريو « استمالة» المدير العام السابق لامن الوطني كمال القيزاني الذي تحول من خصم للرئاسة الى حليف لها وهو الذي تم تعيين سفيرا في لاهي ليكون بذلك اول مدير امن يعين سفيرا بل واكثر من ذلك عين سفيرا في المنامة بعد ان تحفظت هولندا على قبول اوراق اعتماده . ومثل هذه الحظوة لا تقدم في العادة الا لمن قدموا خدمات « جليلة» .
وللتذكير كان القيزاني في صراع مفتوح مع هشام المشيشي عندما كان الاخير وزيرا للداخلية في حكومة الفخفاخ وعرف القيزاني كيف يطرق باب القصر مستغلا الـ» الانقلاب» في التحالفات في الربع ساعة الاخير من عمر المشاورات وهو انقلاب مكنه من التحول الى صديق للقصر . استنادا الى تلك التطورات بات القيزاني يُشبه بـ» نبيل عبيد» احد رجالات النظام السابق الذي عُين مديرا عام للامن في فترة اشراف علي العريض على وزارة الداخلية اثر « مفاهمة» او « صفقة» مع النهضة نال بعدها هدية اخرى تمثلت في تعيينه مستشارا في مجلس وزراء الداخلية العرب.
وبالعودة الى «تكتيك» سعيد ، فالواضح ان لا خيارات امامه سوى محاولة التعامل مع الموجود وايقاف اية تعيينات جديدة صلب وزارة الداخلية ، اختار سعيد محاذاة القيادات الامنية والتقرب منهم ومغازلتهم وتنصيب نفسه كقائدا اعلى للقوات المسلحة العسكرية والمدنية بالإضافة الى مخاطبة كبار القيادات الامنية عند توسيمهم ، كشركاء بل ووعدهم بمسؤوليات قادمة لا احد يعلم ماهيتها.
11 مديرا عاما
عرفت وزارة الداخلية منذ اول حكومة بعد انتخابات 23 اكتوبر 2011 ، 11 مدريين عاميين لوزارة الداخلية هم توفيق الديماسي ثم نبيل عبيد فعبد الحميد البوزيدي وخلفه وحيد التوجاني الذي اقيل وعين بعده مصطفى بن عمر الذي خلفع محمد عماد الغضباني وتم بعدها جذف هذه الخطة واعيدت ثانية وعين على راسها عبد الرحمان بلحاج علي الذي استقال وخلفه توفيق الديماسي وباقالته عين رشاد بالطيب ثم كمال القيزاني وبعدها العميد زهير الصديق .
والمدير العام الحالي هو احد اكثر القيادات الامنية استقرارا في المناصب ، فقبل تقلد هذا المنصب كان الصديق مديرا للعمليات منذ سنة 2012 حتى وهي ادارة عامة تم استحداثها خلال فترة ما بعد الثورة والصديق حافظ على منصبه طيلة 9 سنوات تقريبا رغم كل الهزات التي عرفتها الوزارة والتغييرات في موازيين قواها ورغم انه كان محسوبا على الامني المثير للجدل محرز الزواري المدير العام السابق للمصالح المختصة .
وان كان الصديق بعيدا عن الاضواء وعن التجاذبات ولا يذكر اسمه في اية ملفات حساسة وشائكة رغم ثقل الادارة العامة التي كان يشرف عليها ، فان شبهات القرب من النهضة تلاحقه لكت دون قدح في كفاءته المشهود بها عكس كثرون ممن عرفوا الترقيات الساتثائية ونالوا ارفع المم=ناصب في ظرف زمني وجيز بفضل شبكة علاقاتهم السياسية .
وباتت العلاقات السياسية مفتاح اساساي للمرور بسرعة الى اهم المناصب القيادية صلب الوزارة ، وهو ما ساهم في تواصل محاولا السطرة عليها ، بين من يسمى بـ» بالامنيين الشرفاء» الذين عرفوا كيف يتقربون من الاحزاب الصاعدة على غرار نداء تونس ثم تحيا تونس وقلب تونس ، و جماعة «الامن الموازي».
اللافت انه رغم التتبعات الامنية التي تلاجق جل المديرن العامين السابقية وبعض وزراء داخلية ما بعد الثورة ، فان ذلك لم نهي حالة التداخل الخطير بين الامني والسياسي خاصة ان قاعدة التعيين والصعود الوظيفي بتت مقرونة وجوبا بشرط « مضمون « «متاعنا» وباتت متلازمة ضربت كل من يمسك الحكم حتى ان كان يصنف بالانظف على غرار رئيس الجمهورية قيس سعيد المدافع الصلب شرسا على عقيدة الـ» امن جمهورية «
الصراع الحالي على الوزارة لا يختلف عن الصراعات التي عرفتها خلال العشرية الاخيرة تنطلق بدعوات تجييدها وتمر برفض كل رئيس الحكومة تعيين وزير داخلية قوي بما جعل جل الوزراء المتعاقبيين من اداريين او قضاة ونتهي باقالات واتهامات بالتخططي لانقلابات وتتبعات قضائية ولمن يسعقه الخظ يتم تعيينه سفير وان كان من كبار المحظوين يصبح رئيسا للحكومة ويبقى في الغالب رئيسا للحكومة ووزيرا للداخلية في نفس الوقت…
نُشر باسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 20 افريل 2021