الشارع المغاربي-كوثر زنطور: قد يجد رئيس الجمهورية قيس سعيد نفسه مضطرا مرة اخرى للحسم في الصراعات داخل فريقه وبين اقرب المقربين ومن يسميهم هو بـ “ثقاة الثقاة” الذين تحولوا الى عبء عليه وعلى الدولة وباتوا مصدر ضغط غير مسبوق سُلط عليه ودفعه لتحرك عنوانه ” الحرب على الاحتكار” .
لم تنته حرب الشقوق في فريق قيس سعيد باستقالة مديرة ديوانه نادية عكاشة ومغادرتها البلاد هي وعائلتها. التجاذبات بين اهم اعضاد سعيد اخذت منحى جديدا مؤخرا عنوانه ” معركة مراجعة التعيينات” التي كانت وراء دخول عدد ممن يسمى بـ” جماعة المشروع” في اضراب جوع وحشي كُلف وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي من قبل الرئيس باخماد لهيبه والحيلولة دون تسريب تفاصيله الى وسائل الاعلام.
عُلق اضراب الجوع دون ان يعني ذلك نهاية اجواء الاحتقان والتوتر اللذين ازدادا وازداد معهما الضغط على رئيس الجمهورية بما جعله يغادر اقامته في قصر الرئاسة بقرطاج ويمكث أياما بمقر سكناه في منطقة المنيهلة، حسب ما أكد لـ “الشارع المغاربي” مصدر رفيع المستوى قال ان “الايام التي بقيها سعيد بعيدا عن القصر مكنته من الحسم في عديد الملفات المتعلقة خاصة بما يدور في محيطه” .
ملف التعيينات
منذ ايام قليلة اعلن رئيس الجمهورية قيس سعيد من مقر وزارة الداخلية عن اطلاق حرب بلا هوادة على “المحتكرين والمجرمين”، اعلان حلول الساعة الصفر مثلما قال الرئيس وهو محاط بوزير الداخلية توفيق شرف الدين وبعدد من القيادات الامنية، كان مرفوقا بتصريح لافت شدد فيه على ان حضوره في الوزارة هو بمثابة التأكيد على ان الدولة متماسكة.
تصريح لافت في توقيته وسياقه واضافة الى ذلك هو من المتداول والمألوف في خطاب سعيد الذي وإن يحمل تساؤلات عن مغازيه بالنظر لما يتضمن من رسائل مشفرة فانه واضح لـ ” مكونات فريقه” التي كانت مثلا تنتظر ابعاد شرف الدين ففوجئت بسعيد يعلن من الوزارة تجديد الثقة فيه عبر تمكينه من قيادة حرب على الاحتكار تكاد تكون اهم المحطات بالنسبة اليه باعتبارها ستؤسس لسردية نجاح مفقودة منذ نجاح “يتيم” لحملة التلاقيح التي أمّنت وقتها تواصل شعبية مباشرة بعد اقراره اجراءات 25 جويلية .
والحرب على الاحتكار هي خاصة آخر فرصة لتوفيق شرف الدين الذي بات في مرمى “جماعة المشروع” الغاضبين من “انحراف” في مسار ما بعد 25 تلخصه مصادر منهم بـ “تحالف مع شق من عائلة الرئيس” يؤذن بالخراب وبإعادة رسكلة” من اطردهم الشعب”. العارفون بالكواليس يؤكدون ان شرف الدين “خسر” دعم انصار المشروع رغم انه كان من اكثر المدعومين منه وهو اصلا “ابن المشروع ومناضل قاعدي قبل ان يتحول الى وزير ومسؤول” وفق وصف احد الناشطين في تنسيقيات “المشروع” .
التحفظات على شرف الدين سببها الاصلي التعيينات التي لا تصدر، حسب رواية مجموعة الغاضبين، اثر ” دراسة دقيقة لسير ذاتية لشخصيات ترد الاعتبار لمؤسسات الدولة وتقطع مع التعيينات لخدمة مصالح اللوبيات والاحزاب” . وتقول الرواية ان ” التعيينات تصدر عن جزء من العائلة متنفذ وآمر يتعلق تحديدا بعائلة حرم رئيس الجمهورية. امر نفاه سعيد سابقا في اجتماع لمجلس الوزراء اياما بعد استقالة عكاشة التي فتحت باب الحديث وقتها عن تدخل العائلة وتأثيرها في ادارة شؤون الدولة.
التململ تصاعد وتحوّل الى غضب اخذ شكلا احتجاجيا تقوده مجموعة تمثل النواة الصلبة للمشروع وتضم ” متطوعين” ممن رافقوا سعيد منذ بداية المشوار في “الحملة التفسيرية”. هذه المجموعة دخلت في اضراب جوع وحشي للتعبير عن “رفضها تعيينات شملت مقربين من النهضة ” وللتنديد بعدم مراجعة تعيينات “منظومة ما قبل 25”. ومن بين من دخلوا في اضراب الجوع “المتطوع” طارق كريم اصيل جرجيس الذي قدم الى العاصمة خلال الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية مشيا على الاقدام. وكريم يعتبر ” ذاكرة المشروع ” وارشيفه باعتباره يحتفظ بكل محاضر الجلسات التي جمعت سعيد بـمجموعة المتطوعين خلال الحملة وضمن فيها ” تعهدات” الاصلاح.
تسببت هذه التطورات في تحركات متعددة، الاولى من الوزير شرف الدين ذاته الذي يعلم ان المجموعة الغاضبة قريبة من سعيد وأنه سيستاء من غضبها وان ردة الفعل قد تكلّفه تقليصا من نفوذه والثانية من وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي الذي كلف بادارة هذا الملف وهو يعلم من جهته ان هذا التكليف قد يكون هدية ثمينة لاستقطاب ” الاهم” وللانقضاض على شرف الدين الذي بات اليوم يمثل منافسه في قيادة المشروع وفي قيادة السلطة في صورة تغيير رئيسة الحكومة نجلاء بودن او بعد الانتخابات القادمة. والتحرك الثالث كان من المجموعة نفسها التي وان رفعت الاضراب فانها لا تزال تنتظر ” الاصلاح” والعودة الى ” الثوابت” وإبعاد ” المندسين” و” قطع التحالفات” حول الوزير شرف الدين في اشارة الى ابعاد العائلة عن سلطة القرار.
تصاعد الضغط على سعيد الذي فضل الابتعاد لايام عن القصر والمكوث في منزله الخاص وسط استغراب المحيطين به ووسط تكتم كبير ايضا. انتهت ايام التفكير واتخذ سعيد قراره الذي يتمثل وفق مصدر مطلع في منح اخر فرصة لتوفيق شرف الدين. الاخير انطلق فعلا في مراجعة بعض التعيينات التي شملت اطارات بالوزارة حمل لاحدهم مسؤولية “تمرير اسماء محسوبة على احزاب” وكلّف شرف الدين ايضا بقيادة الحرب على الاحتكار .
حرب الشقوق
يبدو ان الايام القادمة ستكون محددة بالنسبة لمختلف الفاعلين في محيط رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي فضّل حاليا تجديد الثقة في وزير الداخلية وحمايته من “النيران الصديقة” التي طالته بما يعني ايضا “اصطفافا” مع “العائلة” وتحصينا لنفوذها وحلفاؤها في ادارة شؤون الدولة. البعض يرى ان في ما ينقل الى “الانصار” ” مغالطات ” تهدف لضرب شرف الدين وان هناك” تسجيلات ” تثبت ذلك فيما تدافع ” اغلبية” من “جماعة المشروع” عن انه لا علاقة للغضب المتصاعد من شرف الدين بمعارك ” الشقوق” وبان تقهقر الثقة فيه اليوم هو نتيجة لـ ” تحالفاته الجديدة” ولـ” اخطاء” في ادارة شؤون الوزارة ولقرارات خاطئة يتحمل هو مسؤوليتها في اشارة الى “ملف القيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري” والتأخر في احالته على القضاء.
ومثلما كان سعيد مُجبرا على الحسم بين مديرة ديوانه ووزير الداخلية فانه سيكون على الارجح مجبرا ايضا على الحسم في حرب الشقوق التي تكبّل ” مشروعه” وحادت به عن اولوياته العاجلة، حسب ما أسرّ بذلك لـ “الشارع المغاربي” مصدر موثوق به قال ان ” النقاشات تدور اليوم حول كيفية الاصلاح حتى لا يضطر اي طرف للدخول في مواجهة مباشرة وواضحة مع اطراف قريبة من الرئيس وتتحمل اليوم مسؤولية صلب الدولة ” مبينا ان ” الجميع فضّل التحفظ حاليا لتجنب التصعيد” الذي قال انه ” مطروح لاعادة الامور الى نصابها”.
هذا المشهد لا يشي بانفراج قريب وبعودة الامور الى نصابها داخل فريق سعيد الذي يقوده وزيران كانا ضمن الحملة التفسيرية واصبحا اليوم متنافسين لدودين، الاول عُيّن في الداخلية ويتحرك كرئيس حكومة يستأثر بجل الملفات حتى على حساب وزير الشؤون الخارجية والثاني عُيّن على رأس وزارة الشؤون الاجتماعية ومكلف بالمهمات الخاصة للرئيس ولم “تلوثه” السلطة حتى اليوم عكس منافسه المباشر.
وقد تكون هذه المعركة فرصة لسعيد ولـ”جماعته” المؤثرين للتقييم والمراجعة والوقوف على استنتاجات ودروس من منطلق التجربة على غرار اهمية الكفاءة التي في غيابها يتحول المسؤول الى عبء حقيقي على الدولة وعلى القائم بشؤونها فيما تُحوّل الطموحات هذا العبء الى خطر ادركه سعيد الذي وجد نفسه منشغلا عن الاهم ومنكبا على الفصل في الصراعات داخل فريقه .
ماذا تراه فاعلا سعيد ؟ هل سيعيد ترتيب بيته الداخلي ويقرّ تحويرات صلبه عبر ابعاد ” المتسلقين” والمتهمين بتضليله ؟ ام ان ما يحدث داخل الفريق هو ايضا مؤامرة مثلما تصنّف كل مشاكل هذه البلاد؟ ” جماعة المشروع” يطالبون بالعودة الى الثوابت طلب رد عليه سعيد بالاعلان عن اطلاق حملة “تطهير” واسعة وحرب بلا هوادة على الاحتكار لن يكتبا لهما النجاح ان كانا على شاكلة الحرب الشهيرة على الفساد التي كانت عملية لفرض توازنات جديدة داخل السلطة ولخلق “بطولة” وهمية لرئيس الحكومة وقتها وانكشف أمرها سريعا وفشلت وخلّفت وراءها انحرافات وضحايا وخروج من الحكم من الباب الصغير.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 15 مارس 2022