الشارع المغاربي- العربي الوسلاتي: في خضم الحديث المتواصل والمتزايد عن فيروس كورونا اللعين وما خلّف من دمار نفسي وعصبي على الأخيار والملاعين يرى بعض المتفائلين من المرابطين دائما في جنّة الملائكة والشياطين أنّ ربّ السموات والأرض بعث فينا هذا الجندي الخفّي ليعيد ترتيب البيت من جديد وليرفع عنّا سخط وغضب سنوات وسنوات… واليوم يتّفق الجميع على أنّ العالم القادم على مهل لن يكون مثلما كان عليه الحال قبل كورونا فالعاقل من اتعظ بدرس الأمس والجاهل من يصّر على التلذّذ بصفع النفس لطرد النحس …
وقد يتغيّر العالم بأسره من شرقه إلى غربه ومن جنوبه إلى شماله وقد تتغيّر كلّ التحالفات والتوازنات والمقاربات وقد يطيب ثقب “الأوزون” وربّما يستعيد عذريته وقد يقفز الدينار ويتهاوى الدولار وقد ينصلح الحال مهما طال وقد يرتفع مقام العاقل ويزول سلطان الجاهل وقد ينتهي زمن “أولاد مفيدة” دون أن يطلع علينا “بدر” وكل المشاكل قد تنتهي قريبا وكل الشرور قد تزول باستثناء مشاكل النادي الافريقي الذي تعاهد أولاده الحلال على ترذيله في آخر العمر لأنّ ما نسمع ونشاهد اليوم داخل هذا الصرح الكروي الكبير ينبئ بعواقب وخيمة قد تمسّ من ديمومته واستقراره.
الحالة الوبائية…
كلّ المؤشرّات الحالية في النادي الافريقي تشي إلى أنّ دار لقمان ستبقى على حالها أرض شقاق ونفاق الى أن يرث الله الأرض ومن عليها طالما أنّ تلك الدار لا تعتمر سوى بالأشرار وطالما أن لقمان يبيع الوهم بأبخس الأُثمان ويشتري السراب بأرفع الأسعار. اليوم عاد النادي الافريقي الى نقطة الصفر… الى مربّع الخطايا والأزمات والديون المتراكمة بعد أن خلنا أنّ لطخات الجمهور التاريخية التي وفّرت المليارات للجمعية جنّبت النادي سيناريوهات ومنزلقات كارثية… الحالة الوبائية اليوم في النادي الافريقي إن جاز القول تشير الى ارتفاع عدّاد الديون من جديد وبشكل كبير… ثلاث قضايا في ظرف أسبوع ستكلّف خزينة النادي قرابة 3 مليارات وإمّا الدفع أو المنع من الانتداب ثمّ المرور الى ثاني درجات العقاب من خلال حذف النقاط على غرار ما حصل في صفقة ابراهيم الشنيحي وقضية التحويل المشبوه والذي تسبّب في خسارة الفريق ستّ نقاط كاملة في الترتيب العام.
كان الرهان كبيرا على الهيئة الحالية بقيادة عبد السلام اليونسي لتجنيب الفريق السيناريو الأسوأ وكان الجميع يمنّي النفس بأنّ مرحلة الخطر قد زالت فعلا بعد أن تمّت تسوية أكبر وأصعب الملفات والفضل في ذلك مثلما قلنا يعود لجمهور الأحمر والأبيض الذي ضخّ في كاسة النادي 5 مليارات بالتمام والكمال… وكنّا نترقّب كيف ستضع الهيئة الحالية بصمتها على الملفات القادمة خاصة أنها جاءت أساسا لهذا الهدف بعد أن فشلت في كل أهدافها السابقة خاصة على المستوى الرياضي ولكن لأنّ الهيئة الحالية بتركيبتها السابقة واللاحقة لا تقوى على تسيير مقهى شعبي صغير في باب الجديد فقد تسببت في تكبيد الفريق خسائر مالية إضافية قد تكون القشّة التي ستقسم ظهر البعير… هيئة عبد السلام اليونسي ارتكبت أخطاء كارثية بالجملة وتعاقدت مع لاعبين لم نشاهدهم في الملعب لكن سمعنا عنهم في أروقة الفيفا على غرار الثنائي الكاميروني ديديي روستان يمغا وسارج نيكولاس سونغ اللذين سيحصلان على قرابة 1.6 مليون دينار رغم أنهما لم يلعبا أيّة دقيقة مع الفريق. هذا المبلغ ستنضاف اليه 410 ألف دينار لصالح المهاجم الغاني ساسراكو الذي استغل نعاس الهيئة ليفسخ عقده من جانب واحد وينجح كذلك في الحصول على تعويض هذا دون نسيان التعويضات الكبيرة التي تحصّل عليها الثلاثي أسامة الدراجي و محمد سليم بن عثمان وزكريا العبيدي ودون أن ننسى كذلك التفريط في غازي العيادي بالمجان بعد فسخ عقده وهو لاعب دولي وفي سنّ الـ 23… هذا اذا استثنينا طبعا الحديث عن بقيّة القضايا التي تنتظر دورها للخروج الى العلن على غرار صفقة الكاميروني أوريليان إتامي نغومبي الذي جاء وغادر هو الآخر دون أن يلعب أيّة ثانية مع الفريق…
في المحصلة لم تدفع الهيئة الحالية ما يشفع لها للتواجد على رأس الفريق والأغرب من ذلك أنها زادت بسبب سياساتها الفاشلة في تركيع الجمعية وإغراقها في وحل الديون والقضايا والأيّام القادمة ستكشف للجميع الجرم الكبير الذي ارتكبته الهيئة في حقّ النادي.
هيئة “رعواني”
غضب الأب الروحي للفريق حمادي بوصبيع على رئيس الهيئة التسييرية مروان حمودية عندما قال الأخير إن من يريد المدرّب الفرنسي برتران مارشان فليلتحق به فرنسا… تصريح نقله أولاد الحلال لبوصبيع الذي كان وقتها متمسّكا بالإبقاء على مرشان فقرّر معاقبة حمودية على صنيعه وصعد بعبد السلام اليونسي الى رئاسة النادي بعد أن كان رافعا الفيتو في وجهه على امتداد سنوات. نقطة تحوّل كبيرة في مسيرة النادي وفي تاريخه واستبشار كبير في صفوف الأنصار لأنّ اليونسي “ولد الفريق” ويعرف كل صغيرة وكبيرة عنه وهو نتاج طبيعي لتلاقحات الهيئات السابقة. ولكن “دخلة اليونسي” لم تكن موفقّة منذ البداية فلا تركيبة الهيئة المديرة كانت تليق بجمعية عمرها 100 سنة ولا الاختيارات الفنّية والبشرية كانت موفّقة تماما كما أنّ الدعم المالي لم يسجّل حضوره بالمرّة ولولا عائدات الاشهار ووقفة البدايات لحمزة الوسلاتي الذي منح اليونسي “3 مليارات” لكانت الهيئة الحالية في خبر كان…
هيئة اليونسي أو الجزء المتبقي منها بعد استقالة محمد بريدع ومجدي حسن وتوفيق بن سمير وطارق العاصمي وانسحاب مجدي الخليفي وفوزي الصغير يمكن القول إنها أجرمت في حقّ النادي الافريقي بدليل ما يحصل حاليا لبعض اللاعبين الذين لم يجدوا حقّ دفع معلوم ايجار الشقق التي يتسوّغونها… هذه الهيئة أجرمت في حق الفريق عندما تسبّبت في خسارة النادي عديد القضايا وأضرّت به عندما سلبته حقّه من ستّ نقاط لتقصير منها… هي أجرمت عندما أجبرت مدرّب الفريق لسعد الدريدي على التعويل على رصيد بشري خارج عن كل التصنيفات ومفخخّ بانتدابات لا قيمة ولا نفع لها على غرار الثنائي اللاتيني برونو وشافاريا اللذين تسلّلا الى قائمة الافريقي عنوة وبأمر من اليونسي نفسه.
هذه الهيئة لم تجتمع منذ انتخابها بصفة قانونية ولو مرّة واحدة وهي تسيّر الفريق على طريقة “الرعواني” أساسها في ذلك هاتف محمول وحقيبة وبعض العملة الموازية… لا وثائق ولا حجج رسمية ولا معاملات قانونية وكل شيء يحدث في العتمة على ضوء القناديل والنتيجة ميركاتو برقم معاملات غريب ومريب… قادمون كثر وراحلون أكثر وعوض أنّ يتقلّص سقف المديونية يرتفع عدّاد الخطايا بشكل غير مبرّر وكأنه أمر مدبّر…
اليوم يجد الفريق نفسه عرضة لملاحقات قضائية وقانونية من طرف الجميع… لاعبون ومدربون ووكلاء وما يثير الريبة حقا في خضمّ هذه الفوضى الخلاّقة التي ينتجها “الرئيس” هو أنّ أكثر من نصف لاعبي الفريق رفعوا قضايا بناديهم بمعنى أنهم يلعبون وهم وينتظرون خلاصهم من هذه الورطة… وأغرب ما في الأمر أنّ الشكاية جاءت بناء على نصيحة من “الرئيس” نفسه الذي كان سخيّا مع لاعبيه لدرجة أنه أرشدهم الى طريق المحامي الأفضل.
“اللصوصية”…
عندما رحل سليم الرياحي ظنّ الجميع وبعض الظنّ إثم أنّ النادي الافريقي سيعود الى رشده وأنه سيستعيد عافيته لكن ثبت بعد ذلك أن كلّ الظنّ إثم لأنّ زوال شمس الرياحي لم يعن بداية الغروب فالهيئة التسييرية على نجاحها لم تنج من سهام النقد والاتهامات مثلها مثل هيئة اليونسي غير أنّ ما يجعل من الأخيرة على محكّ المحاسبة هو توصيفات التهم التي تلاحقها وتشوّه سمعتها ويمكن القول إنه المرّة للأولى تقريبا التي لا يتحرّج أحد من الحديث عن شبهات سرقة وفساد ولصوصية علنية في النادي الافريقي حتى لو كان الأمر مجرّد تخمينات أو تهيّؤات صحفية…
في العادة قد تخطئ هيئة ما في صفقة ما… وقد تتسبّب هذه الخطيئة في خسارة الفريق ماليا ورياضيا ولكن تلك طبيعة الاجتهاد البشري النقيّ والسويّ فأحيانا تخطئ وأخرى تصيب لكن عندما يتعاقد الفريق مع الفشل المتواصل ومع الصفقات المشبوهة وعندما تخسر لجانه القانونية مجتمعة كل القضايا بصغيرها قبل كبيرها فهذا يطرح أكثر من نقطة استفهام حول حقيقة وجود تخاذل أو ربّما تواطئ مفضوح لسرقة مال النادي.
ما يحدث في النادي الافريقي على الأٌقل منذ صائفة 2018 ليس أمرا عاديا وبعض الصفقات فاحت منها رائحة عفنة نتنة وحتى لو فرضنا جدلا أنه لا توجد بصمات “افريقية” قذرة في البعض منها فإنّ الغباء المتسبّب فيها هو في حد ذاته جرم في حق النادي لأنّ الهيئة التي لا تجيد ابرام الصفقات والتعاقدات لا تستحق البقاء على رأس النادي حتى لو كانت نواياها صادقة والجاهل لا يُعذر بجهله.
عبد السلام اليونسي ليس وافدا جديدا على التسيير في النادي الافريقي فقد تواجد في فترة الرئيس الراحل للنادي الشريف باللامين ثمّ عمل الى جانب منير البطلي عندما غادر هذا الأخير من الشباك وتواجد كذلك مع جمال العتروس في خطة رئيس فرع وجميعنا يتذكر ما الذي حصل للعتروس بعدها ثمّ عمل الى جانب سليم الرياحي وكلنا نعرف الى أين سارت الأقدار برئيس الاتحاد الوطني الحرّ… وها هو اليوم على رئس النادي بلا أعضاء بما أن جميعهم رحلوا ما عدا الباحثين عن موضع قدم تحت الشمس وكل ما نخشى هو أن يرحل النادي الافريقي لأنّ اللعنة إذا حلّت ستضرب الجميع حتى جدران البناية.
صدر بأسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ 19 ماي 2020