الشارع المغاربي : “هي الفوضى”، فوضى الحوكمة داخل نداء تونس كانعكاس لأزمة حكم ولعطالة منظومة تخترق الحزبي والسياسي والحكومي والرسمي بشكل عام، والتي يمكن اختزالها في جملة واحدة :من يحكم من ؟. ما يحدث داخل “النداء” هو تكثيف “درامي” لحال البلد: مسلسل ركيك من التصدّع والتذرّر والصراعات المحمومة من أجل التموقع، لعلّ آخرها “عركة” أخرى بين حافظ ورضا تظلّل خلالها كل طرف بالشرعية، مستدعيا الترسانة المعتادة من تهم الإضرار بالوطن وبالحزب والتخريب والفساد.
يقول حافظ “قمنا بتجميد بلحاج وتمّت إحالته على اللّجنة القانونية…كان يقوم باجتماعات موازية..وهدفه الرّئيسي إزاحتي من الحزب”، ليردّ عليه رضا بالتصريح بأنّ حافظ أضرّ بالحزب وبالبلاد وبالانتقال الديمقراطي، وبالقول جهارا “من غير الممكن أن يكون على رأس الحزب نوّاب فاسدين لديهم شبهات فساد”. في الأثناء ويوم الأحد الأخير تحديدا، يعقد بعض أعضاء المكتب التنفيذي لنداء تونس ندوة صحفية ليتم اقتراح تفويض تسيير الحزب للجنة إعداد المؤتمر إلى حين إنجاز المؤتمر، والإعلان أنّ “الهيئة التسييرية الحالية منتهية الصلاحية قانونا” كما جاء على لسان منذر بلحاج علي.
مطبّ جديد أو لنقل مهزلة أخرى تنضاف إلى “مسلسل نداء تونس” الطويل والمملّ إلى حدّ القرف، وهي مهزلة تأتي هذه المرّة أيّاما قبل مؤتمره القادم: رضا بلحاج القيادي بحركة نداء تونس يعتبر أنّ قرار الهيئة السياسية المتعلّق بتجميد عضويته في الحزب غير قانوني، وأنّه متمسّك بموقعه كمنسّق عام وممثّل قانوني للحزب معتبرا أنّ حافظ قايد السبسي قد فقد صفته كمدير تنفيذي منذ 2016 وذلك لعدم انعقاد المؤتمر الانتخابي للحزب. في المقابل تنبّه الهيئة السياسية للحزب في بيان صادر يوم الخميس الفارط، الهياكل الحزبية للنّداء إلى “عدم قانونية وشرعية الاجتماعات الموازية التي وقع وسوف يقع تنظيمها بإسم من يسمون أنفسهم المكتب التنفيذي سابقا، بمبادرة من بعض الأجندات الخاصّة” حسب نصّ البيان.
تآكلت حركة نداء تونس بعد تصدّعها مرّات متتالية، وتهشّمت إلى شقوق متناثرة لتصل إلى مرحلة “الحرب دار دار، زنقة زنقة”: “دار” حافظ وصحبه المقرّبين في “زنقة” الهيئة السياسية، و”دار” رضا بلحاج وجماعة “لمّ الشمل” في “زنقة “المكتب التنفيذي !…
“عركة” طاحنة وعبثية انطلقت مؤشراتها الأولى بخلافات بين اللّجنة المستقلّة للإعداد لمؤتمر نداء تونس وحافظ قايد السبسي حول توزيع الصلاحيات بين اللّجنة والحزب تتعلّق أساسا بتحديدها (صلاحيات اللّجنة) وحصرها في ملاحظة أشغال المؤتمر دون إعطائها الصلاحيات الكاملة في مراقبة العملية الانتخابية هذا إضافة إلى حذف فتح باب بيع الانخراطات الكترونيا، واستند الحزب (الهيئة السياسية) حينها في إقرار هذا الحذف إلى “مخاوف من الاندساس والاختراق في هذه المرحلة” على أن يتمّ فتحه بعد انعقاد المؤتمر !. وهو ما يكشف بوضوح مخطّط إعداد العدّة لتطويع المؤتمر من خلال تهميش عمل لجنة الإعداد والمسك بالمنظومة المعلوماتية للحركة تحقيقا لوصول آمن لإبن أبيه.
يدخل “نداء تونس” مؤتمره إذن، (إذا كتب له الانعقاد فعلا) برأسين متنافرين تحت نيران القصف والتخوين المتبادل بين معسكرين تسلّحا وراء متاريس “الشرعية”: “شرعية البيولوجي”( حافظ الإبن) في مواجهة “شرعية التاريخي”(بلحاج علي والمسعودي وغيرهما من أصحاب مبادرة لمّ الشمل)…
هيئة سياسية نواتها الصلبة أنس وبرهان وسفيان تكافح و”تناضل” من أجل “التمكين” لحافظ، ومكتب تنفيذي يعمل على “استئصال” رؤوس الخراب ويلمّ الشمل !، وأمين عام في “غيبته” بمنفاه الذي اختاره بعد أن ترك “عتاده الحزبي” ورحل…مشهد ساخر و”ميلودرامي” لا يمكن توصيفه إلّا بالمهزلة !