الشارع المغاربي :كان لافتا الحضور الجماهيري لقواعد حركة النهضة وقيادييها في احتفاليتها المقامة بالشارع الرئيسي للعاصمة بمناسبة احياء ذكرى ثورة 14 جانفي ،وكان لافتا حجم التحشيد والتعبئة الذي قامت به الحركة من خلال حضور منتسبيها من الجهات مما يعني انها ارادت من خلال ذلك توجيه مجموعة رسائل سياسية اهمها انها مازالت موحدة ،وأنها مكون اساسي من مكونات الساحة السياسية وهي الرسائل التي عبر عنها رئيس مجلس شوراها عبد الكريم الهاروني من خلال خطاب قوة ولكن علم تحليل الخطاب يؤكد ان كل تلك الرسائل لاتعكس في النهاية إلا شعور الحركة العميق بالعزلة.
حركة النهضة معزولة .
تتأتى عزلة حركة النهضة اولا من ثقل ارثها السياسي فهي تنتمي الى حركات الاسلام السياسي التي تثير انقساما مجتمعيا حولها وضدها مما يتيح لها مساندة فئات اجتماعية هامة ، ولكن خاصة معارضة فئات اوسع وأكثر نفوذا .ولكن هذه العزلة الهيكلية ليست السبب الوحيد في عزلة حركة النهضة ،فتطور الوضع السياسي الداخلي والدولي في السنوات الاخيرة كان له دور اساسي في تنامي عزلتها من خلال عملية استقطابية يختلط فيها السياسي بالإيديولوجي .
عبر ممارستها للحكم وللعمل السياسي استطاعت حركة النهضة ان تكتسب مزيدا من الاعداء ، وهي اليوم بعد فص شراكتها مع الرئيس السبسي وحزبه نداء تونس تقف في مواجهة الرياح الداخلية والخارجية دون سند حقيقي سوى تحالف حكم مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد تعرف حركة النهضة جيدا انه مرتبط بحاجته البرلمانية لها، وان معسكره الذي يضم كثيرا من كارهيها سيتحول بمجرد انتهاء حاجته اليها للبقاء في السلطة الى الد اعدائها.
تعرف حركة النهضة اليوم انها تنشط في فضاء سياسي لم يكن معاديا لها مثلما هو اليوم ،خاصة بعد اثارة ملف الجهاز السري لهل الذي ان ثبت فانه سيعني ان كل مراجعات السنوات الفارطة ام تكن حقيقية الى جانب ثقل الحمولة الجزائية لما قد يكون ارتكبه من جرائم ،وهو ملف وقعت اثارته في وقت تكاثر فيه خصومها السياسيون وخاصة رئيس الدولة الحليف السابق لها والذي لم يخف سعيه لتوظيف عبر قبوله وضع الملف على طاولة مجلس الامن القومي بشرط من هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي لقبول عرض الملف عليه ، كما ان تصريحاته الاخيرة حول التهديدات التي تمس من حياة الشاهد الثمين مصطفى خضر تؤكد ان السبسي يضع ملف الجهاز السري في اطار استراتيجيته للحرب على الائتلاف الحاكم الجديد الذي تكون من خلال عملية الغدر الديمقراطي التي تعرض لها من طرفه.
ان حركة النهضة المولعة بنظريات المؤامرة والمظلومية تعتقد ان الباجي هو من اثار ملف التنظيم السري وسربه الى الخصم الايديولوجي العنيد لها الجبهة الشعبية ،لذلك فهي تسعى اليوم الى العودة الى بيت الطاعة عبر اتفاق مع الرئيس _ملف التنظيم السري مقابل اعادة التحالف السياسي _ولكن المسالة اعقد من ذلك بكثير بعد ان صار هذا الملف معلنا وبإمكان جميع الفاعلين استغلاله بما في ذلك الشاهد نفسه الذي يسيطر على الجهاز التنفيذي.
اذن تشعر حركة النهضة انها مستهدفة وان الفرصة سانحة لخصومها لإعادة سيناريو 2013الذي يهدف الى استئصالها،لذلك فهي محكومة اليوم في سلوكها السياسي بساندروم الحالة المصرية والقمع غير المسبوق الذي مارسه الانقلاب العسكري ضد حركة الاخوان المسلمين خاصة وان حركة النهضة فقدت الكثير من مساندة التونسيين بسبب الفشل في الحكم والأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعتبرها الكثيرون مسؤولة عنها بفعل وجودها في السلطة حتى لو واصلت تسويق خطاب ان فشلها في الحكم مؤامرة. كما ان كثيرا من الفئات الاجتماعية تعتقدان حركة النهضة سقطت اخلاقيا – رأسمالها الرمزي –بعد تحالفها مع المنظومة القديمة وما يتسرب –حقا وباطلا-عن ممارساتها السياسية والمالية.
اضافة الى كل هذا يبدو ان مياه كثيرة جرت في نهر الوضع الدولي منذ الثورة التونسية حيث أصبح العالم اكثر رفضا لحركات الاسلام السياسي، كما ان نهاية الحرب في سوريا و امكانية عودتها عبر نظامها الحالي الى الجامعة العربية يؤشر الى عودة النظام العربي الرسمي ما قبل الثورات، و هو نظام لن يقبل داخله نظام حكم يشارك فيه الاسلاميون.
كل هذا الوضع يجعل من حركة النهضة ضعيفة و مفككة و هو وضع تجيب عنه باستعراضات خارجية لبعث رسالة أنها موحدة و انها ام تفقد روح الجماعة العقائدية المتماسكة.
حركة النهضة معزولة و مفككة :خلافات على الخلافة
تتطلع حركة النهضة الى انتخابات 2019 كموعد جديد ممكن للخلاص الفردي حيث أن فوزها بالانتخابات التشريعية قد يسمح لها بتجديد شرعيتها كمكون اساسي من مكونات الساحة السياسية و ايضا الحصول على كتلة برلمانية تسمح لها ببناء تحالفات تساهم في حمايتها في وجه رياح الاستئصال و هو ما ينطبق على الانتخابات الرئاسية حيث من المنتظر ان تستغلها لبناء تحالف مع شخصية سياسية قادرة على توفير غطاء سياسي دولي لها و لكن هناك تيار مهم داخل حركة النهضة –من اهم رموزه عبد اللطيف المكي_يتطلع الى مؤتمر الحركة سنة 2020 انتظارا لتنفيذ السيد راشد الغنوشي التزامه بمغادرة رئاسة الحركة لذلك فان ديناميكا داخلية انطلقت لإجباره على ذلك اذا تراجع عن التزامه و قرر التمديد.
وهكذا فان معركة ذهاب الغنوشي وخلافته تحولت اليوم الى ام المعارك داخل حركة النهضة حتى اصبحت تناقضات :المنفى/الداخل…الجنوب/بقية مناطق البلاد تنويعات على هذه المعركة الحاسمة لتجديد الخط السياسي للحركة وتخليصها من الهيمنة الشخصية لرئيسها ومؤسسها التاريخي .
لا تبدو مغادرة رئيس الحركة لها امرا مسلما به فالرجل يتمتع بمكانة رمزية وسياسية من الصعب القفز عليها،كما ان فكرة ان يغادرها لفائدة نشاط اقليمي مثل ان يترأس هيئة علماء المسلمين لم تعد ممكنة ،لذا فان خروج الغنوشي في هذا الظروف اصبح اقل احتمالا خاصة وانه لايزال يمسك بكل المقاليد السياسية والمالية للحركة ، كما ان التيار المعارض لبقائه ضعيف وغير موحد.
يدور الصراع حتى الان بشكل غير معلن للمكانة الاعتبارية لرئيس الحركة ، ولكن المناورات على اشدها مع وجود تيار يدفع اللى بقاء السيد راشد الغنوشي على راس الحركة حفاظا على امتيازاتهم ومواقعهم داخلها ،وفي حالة خسارة معركة الرئاسة التحول الى رئاسة مجلس الشورى بصلاحيات تقريرية واسعة حتى يظل مهيمنا على القرار السياسي داخلها، مع مواصلة الهيمنة على الجانب المالي في وضع شبيه بتجربة ياسر عرفات ومنظمة التحرير من هذه الناحية ذلك ان الجانب المالي هو الاكثر تعقيدا في اي انتقال سياسي ممكن الى مرحلة ما بعد الغنوشي.
تنضاف الى كل هذا ، الخلافات المتعلقة بسياسات الحركة اهمها الانقسام الحاد حول تحالفات حركة النهضة حيث ان هناك تيار هام من اهم رموزه المستشار السياسي لرئيس الحركة لطفي زيتون يدافع على البقاء صمن استراتيجية التوافق مع الرئيس السبسي ويحذر من التحالف مع الشاهد وتوقع ان ينقلب عليها بمجرد انتهاء حاجته اليها بينما يدافع رئيس الحركة وأتباعه على التحالف مع الشاهد بحجة ان هذا التحالف سيقود البلاد الى انتخابات سنة 2019 بعكس معسكر السبسي الذي يناور في سبيل تأجيلها.
اذن تبدو حركة النهضة في لحظة فارقة فالخلافات الداخلية تشقها وهي خلافات تعبر عن نفسها من خلال قضية بقاء السيد راشد الغنوشي في رئاسة الحركة بماهو استمرار او قطيعة في التجربة التاريخية لها،كما ان الحركة تجد نفسها معزولة بسبب ازمة الفشل في الحكم الذي تشارك فيه وبسبب ظهورما سمي بقضية الجهاز السري لها ودخول خصومها في الداخل والخارج على الخط ومواصلة صراعات الوجود السياسي.