الشارع المغاربي : قضية الهجرة السرية عادت إلى صدارة الأحداث بمناسبة زيارة أداها إلى تونس الأسبوع المنقضي رئيس المفوضية الأوروبية كلود جنكار وهي تندرج على ما يبدو في سياق الجهود الأوروبية المحمومة لحمل تونس ودول جنوب المتوسط عموما على القبول بإقامة منصات لإيواء المهاجرين غير النظاميين المرحلين من الأراضي الأوروبية.
التركيز المفرط على هذا الجانب من الملف جعلنا نغفل بعض أوجهه الخفية التي تستحق إن نتوقف عندها ومنها المنظومة التعليمية الفرنسية الأوروبية المتكاملة التي أقيمت بتونس لاستقطاب الشباب والطفولة التونسية منذ نعومة أظافرها وتكوينها وفقا للمناهج الفرنسية من مرحلة الحضانة إلى المراحل الجامعية المتقدمة وذلك بهدف إدماجها في الدورة الاقتصادية الأوروبية.
ومن ضمن المؤسسات التعليمية العاملة في هذا المجال مجموعة ريني ديكارت وجامعة دوفين والجامعة الأوروبية وجامعة العلوم السياسية وكذلك المعاهد المتخصصة في العلوم الاقتصادية، هذا إلى جانب المعاهد التابعة لوكالة التعاون الفرنسية وغيرها من المؤسسات التعليمية الخاصة التونسية الحاصلة على ترخيص لتدريس المناهج الفرنسية أو الأجنبية.
اللافت أن هذه المجموعات تعمل بشكل قانوني في إطار قانون الاستثمار التونسي الذي أرسى منذ 1993 مبدأ حرية الاستثمار وتحولت بموجبه عديد الخدمات ومنها قطاعات التعليم والصحة من مرافق عمومية إلى فرص استثمارية جد مربحة متاحة للقطاع الخاص التونسي والأجنبي مع الإشارة أيضا إلى اتفاقيات التعاون المبرمة مع الإطراف الأجنبية في هذا المجال ومنها اتفاق “الشراكة من اجل الحركية” الموقع مع الاتحاد الأوروبي في مارس 2014 تزامنا مع
اعتماد برنامج العمل التونسي الأوروبي الذي فتح المجال للمفاوضات حول اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق.
و تجدر الإشارة أيضا إلى اتفاق “الشراكة من اجل الشباب” الموقع في بروكسال سنة 2016 الذي لم يكشف عن مضامينه كما هو الشأن بالنسبة “آليكا” ولاتفاق “الشراكة من اجل الحركية” الذي أرسى حسب ما تسرب عنه مبدأ الهجرة الانتقائية بحيث يقع تيسير منح تأشيرة الإقامة طويلة الأمد أو العمل لفائدة الطلبة أو الكفاءات العلمية والطبية التي تحتاج إليها أوروبا مقابل تضييق الخناق على الهجرة غير النظامية وإلزامها بالعودة إلى تونس .
لا شك أن هذه القوانين والأطر التنظيمية للتعاون التونسي الأوروبي ذات علاقة وثيقة بنزيف هجرة الكفاءات من الأطباء والمهندسين والعلماء والباحثين ورجال الأعمال والشباب التونسي المتعلم التي تبين الإحصائيات أنها في تزايد مستمر ، وقد بلغ عددهم منذ 2012حسب تقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الصادر في نوفمبر 2017 حوالي 95 ألفا معظمهم استقر بأوروبا وبنسبة هامة بفرنسا وألمانيا وكندا.
سنكتفي بهذا القدر في هذه الإطلالة الأولى على هذا الملف الهام، الذي يطرح قضية مفصلية على المسؤولين التونسيين وعلى النخب والضمائر الحية بتونس ألا وهي ضرورة الحوار حول سبل مراجعة و إصلاح مثل هذه “الاصلاحات” والاتفاقيات والقوانين الظالمة المفروضة علينا و التي تسمح للأجانب بسرقة ثرواتنا الطبيعية والبشرية بما فيها أطفالنا وشبابنا وترحيلها إلى خارج الوطن ثم الادعاء بان ذلك يندرج في إطار منح تونس مرتبة “الشريك المميز”و إدماج اقتصادها في الفضاء الأوروبي الموسع وجعلها تستفيد من أسواقه الشاسعة والواعدة.
ساختم بهذا التساؤل البديهي الموجه إلى المسؤولين التونسيين المفترض إنهم متعهدون بحماية شبابنا من مخاطر التفسخ الحضاري وضياع الهوية والاغتراب: كيف يمكن الحفاظ على انتماء الطفل والشاب التونسي إلى وطنه إذا تربى على المناهج التعليمية الفرنسية من الحضانة الى التعليم العالي؟؟؟